الذين ربّاهم الفقر! - يحيى باجنيد

  • 7/11/2013
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

ما أكثر ما سمعت هذه العبارة من الشيخ (محمد).. ولم يكن درويشاً خاملاً.. ينتظر أن تمطر السماء خبزاً ولحماً.. ولا أن يأتي السيل فيملأ حفرة (البغدادية) (اداماً) و(مرقاً).. لكنه يعرف الدنيا - على دناوتها - (حلوة).. فلم يزهد فيها بل مخر عبابها.. وأخذ من متاعها المشروع لكنه سجل تحفظاً على الكلام السائر. الفلوس حياة النفوس! كل الحارة تعرفه بعمامته البيضاء وذؤابتها التي تتدلى خلف رأسه.. تراه في رحلة صباح الجمعة - كل جمعة - يقطع الطريق ماشياً من (البغدادية) إلى مسجد (السنوسي) في (باب شريف) حيث يؤم الناس ويخطب فيهم.. كانت هذه المسافة كافية لأن تتيخ جملاً.. لكنه يصلها - من أجل ذلك - عبر (باب جديد) والشارع الجديد.. يتقوى ب (أقة هريسة) إن كانت الحال (معتدلة).. أما إذا مالت (الحال) فإنه يقصد بغيته مباشرة وبلا (محطات).. مسألة (الرزق) ما كانت تشغله.. فحوائج الناس في ذلك الزمن - وهو منهم - مقدور عليها.. وكثيراً ما جاء (الرزق) وفيراً.. وأصبحت الحارة (اردغانة) يعب الناس حتى يخرج الشبع من بطونهم.. ولكن (البطر) لم يخرج من عيونهم أبداً! رباهم الفقر.. وأحسنوا الشكر.. وأظن ان شارع (الشاكرين) جاء تخليداً - غير مقصود - لذكراهم العفيفة النظيفة! صفّر (العسا) في الصباح على غير العادة.. وأخذ العيدية.. وأفرغ (السقا) برميله وأخذها هو أيضاً.. وعبّر حماره عن شكره بحركة من أذنيه.. من ألهمه بأن له فيها نصيباً من (علوق)؟! وما يدريك انه يسبّح.. ولم نفقه تسبيحه؟! يومان.. أو ثلاثة بقيت على (العيد).. جاءت العيدية قبل أوانها.. ماعاد العيد على (الشيخ محمد).. وذهب ثوبه الجديد لإنسان آخر عاد عليه (عيد) جديد!

مشاركة :