علي بن سالم كفيتان لم تعُد كرة القدم تلك القطعة المنقطة بالأسود والأبيض التي يتقاذفها عددٌ من الصبية في الأزقة والحواري؛ بل باتت صناعة عالمية مُعقدة تدخل بقوة في عالم الاقتصاد والسياسة والدين، ولا شك أنَّ دولة قطر أتقنت ركوب الأمواج وتخطت كل العقبات لبلوغ الهدف بامتياز، ولذلك تواجه اليوم حملة شعواء من المجتمع الغربي الذي وضع أسس اللعبة وجردها من حمل أي شعار أو هوية، غير الاستمتاع بسحر كرة القدم. ومثلما سقطت كل مُثل حقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب عند التعامل مع القضية الأوكرانية، سقط كذلك قناعهم عن حيادية كرة القدم، فهم ينادون اليوم برفع شعارات تُنافي الفطرة البشرية ولا تمت بصلة لكرة القدم، وعندما يرفع لاعب أو مشجع شعارا أو لافتة تضامنًا مع الشعوب المقهورة في العالم يُعاقب!! إنها ازدواجية معايير العالم الأول. كم لفت انتباهي تباهي الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بسُّمو الأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر الشاب، عندما كان يُلقي كلمة الافتتاح أمام الملايين في مختلف بقاع الدنيا، فكم كبر في عيني وعين الكثيرين هذا الرجل الحكيم الذي وضع بلاده على سلم المجد، ثم سلمها لابنه الشاب الطموح؛ ليقود مرحلة الرفاه والتألق لقطر التي ارتقت كل الصعد، فبات إنسانها صاحب أكبر دخل في العالم، واستقطبت أفضل الكفاءات العالمية في كل المجالات، وفتحت الأفرع لأشهر الجامعات والمعاهد العلمية في العالم. قطر اليوم تكاد تكون التجربة النادرة في المحيط الجغرافي التي ما زال أميرها المؤسس لنهضتها على قيد الحياة، يُراقب برضا وقناعة سُّمو الأهداف النبيلة التي رسمها يومًا ما وهي تتحقق على يد نجله وكان ملف كأس العالم هو أجمل الباقات الجميلة التي أهداها الأمير الوالد لقطر وللعالم العربي. نعم لقد صرفت قطر بسخاء لاستضافة كأس العالم، ولكنها جنت بنية تحتية قفزت بها إلى مصاف الدول الأكثر تنظيمًا وحداثةً في العالم، فكل ما صُرف لم يكن على الملاعب؛ بل على صنوف شتى من المرافق الواعدة، كشبكات الطرق والمترو والجسور والمتاحف والأسواق والمطارات والموانئ، وهذا يضع الدوحة ضمن المراكز العالمية التي يستهدفها عالم المال والأعمال. وثبات قطر على مواقفها وإيمانها بهويتها العربية الإسلامية زاد من احترام الشرفاء لها في مختلف أرجاء المعمورة، وبذلك رفعت الروح المعنوية للهوية العربية، وبيّنت أن الإنسان العربي المنتمي لأمته الإسلامية يستطيع الوقوف مجددًا ويعيد تعليم البشرية الكثير من الأشياء التي أسقطتها العولمة المجنونة. من يرى في كرة القدم مجرد تلك القطعة الجلدية البالية، عليه مراجعة نفسه، فمثلًا مقدار الإلهام الذي قدمه صاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لشعبه من خلال كلماته أمام المنتخب السعودي "الأخضر"، قبل المونديال، وصل عنان السماء، واستطاع النسور الخضر الإطاحة بميسي ورفاقه، وهنا ينظر للأمر من منظور مختلف؛ فالأمر لم يعد كرة؛ بل رفع نسبة شعبية الأمير الشاب داخل بلده وفي محيطه الإقليمي والدولي، لنسبة لا يُمكن بلوغها في الظروف العادية، وهذا ما أشرنا إليه في عنوان المقال، بأنَّ كرة القدم باتت إحدى أهم القوى الناعمة في العالم التي يتنافس عليها الأقوياء والأذكياء، وأتوقع لو نُشر استطلاع رأي في دول المنطقة فإنَّ الأميرين تميم بن حمد ومحمد بن سلمان سينالان الرقم الأعلى؛ فالسياسة هنا تمازجت مع المتعة وولدت رضا شعبيًا وقبولًا اجتماعيًا منقطع النظير، وهذا في حد ذاته درس واجب تعلمه من كأس العالم. سيعود بن سلمان إلى المدرجات في المباراة الأخيرة حسب المُعلن لمؤازرة فريقه أمام المكسيك، وسيمنح لاعبيه جرعة ثقة عالية لتخطي المرحلة الأولى، وسيأتي من خلفه عشرات الآلاف من المشجعين السعوديين المُتعطشين لبلوغ المنى مع أميرهم المُلهم، سيكون إنجازًا تاريخيًا جديدًا لو تحقق الهدف بوصول الراية الخضراء إلى الدور الثاني من كأس العالم، للمرة الثانية، ولا شك أن الدوحة قدمت وستقدم كل التسهيلات لأبناء المملكة العربية السعودية خاصةً، فهم من ساهم بشكل لافت في إنجاح المونديال جماهيريًا فكل الفرغات الشاغرة في الملاعب يملؤها أبناء المملكة الشغوفين بكرة القدم. شكرًا لسُّمو الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني والأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، على أهدائه هذه النسخة لأرض العرب، وتحمُّلهم في سبيل ذلك الكثير من التبعات، ولم يتنازلوا عن القيم العربية الأصيلة ولا عن مبادئنا الإسلامية السمحة.
مشاركة :