بدأت بوادر التضخم الجامح تتشكل في الاقتصاد الوطني التونسي نتيجة عدة عوامل منها سياسة البنك المركزي النقدي خلال السنوات الأخيرة مثل طباعة النقود في ظل ركود حاد وقلة الإنتاجية و”أزمة دين داخلي”. بالإضافة إلي ذلك اختلال بالاقتصاد الكلي في ظل عجز تجاري وعجز بالحساب الجاري متراكم ومتصاعد. أما الأهم ارتفاع المديونية الخارجية وانخفاض نسبة الاستثمارات في ظل قطاع خاص ضعيف وغير قادر علي مجابهة الأزمات. بالإضافة إلي عدم الإستقرار السياسي مما تسبب في قلة الإنتاجية و تعطيل دواليب الدولة علي مدى تقريبا عشرية كاملة و بروز عوامل خارجية منها فيروس كورونا و الإرهاب الدولي و حرب أوكرانيا التي تسببت في مجملها في إنخفاض العوائد المالية لخزينة الدولة خاصة منها بعض القطاعات الإقتصادية الحيوية علي غرار السياحة. فالمؤشرات الإقتصادية من المؤسسات الدولية تؤكد ملامح الأزمة. فبداية بسعر صرف العملة الدينار التونسي الغير ثابت بحيث إنهارت العملة المحلية بصفة ملحوظة من صرف 1 دولار مقابل 0.790 دينار تونسي سنة 1992 إلي 1.5 دينار تونسي سنة 2010 و مؤخرا إلي 3.23 دينار تونسي سنة 2022. النمو الإقتصادي سجل بدوره إنهيار خلال سنة 2020 ليكون “سلبي 8.7- ℅” و خلال العشرية الفارطة تقريبا كان ضعيف بنسبة “1℅” بينما كان في حدود 4℅ وأكثر قبل الثورة الإجتماعية لسنة 2011. أما مؤشر أسعار المستهلك كانت سنة 1962 ب 6.76 نقطة إلي 100 نقطة سنة 2016 لتصل مؤخرا في نسق تصاعدي إلي حدود 154.30 نقطة سنة 2022 و هذا يفسر بزيادة الإستهلاك نظرا للنمو الديمغرافي الطبيعي. ففي مقابله مؤشر التضخم الغذائي كان غير متوازن خلال السنوات الأخيرة من 0.86℅ سنة 2007 إلي حدود 4℅ بين سنة 2020-2021 ليقفز بنسق إرتفاع عمودي حاد إلي نسبة 13℅ سنة 2022 وهذا مؤشر خطير يفسر بغلاء المعيشة وبداية رفع الدعم و بوادر التضخم الجامع من خلال إختلال ميزان السلع و الخدمات مقابل الأسعار. أما نسبة التضخم فقد كانت سلبية بنسبة 1.9 – ℅ بين سنة 1970 و 1980 لتسجل إرتفاع خلال أزمة الثمنينات ب 16.70℅ و يعود ينخفض و ليرتفع مجددا إلي حدود نسبة 9.1℅ و هو يعتبر غير مرضي لأن معدل التضخم الطبيعي لا يجب أن تتجاوز نسبة 2℅. فهذه النتيجة تبشر بتضخم جامح في الأفق للاقتصاد التونسي. أما الميزان التجاري فهو لم يسجل فائضا حقيقيا منذ سنة 1995 بحيث كان في عجز مستمر وكان أقل عجز تجاري له بسلبي ب 40.30 مليون دينار تونسي وأعلي عجز تجاري سجل بين سنة 2021-2022 سلبي 3307 مليون دينار تونسي ومؤخرا تفوق الواردات الصادرات التونسية بقيمة عجز بينهما بسلبي ب 2341 مليون دينار تونسي. كذلك ميزان الحساب الجاري سجل انهيار عمودي حادة في فترة وجيزة مما يفسر بصعوبة الوضع الإقتصادي الحرج بين سنة 2021-2022 من 1931.70 مليون دينار تونسي إلي 7102.50 مليون دينار تونسي وذلك خلال سنة واحدة. أما بخصوص الديون الخارجية التونسية فهي في نسق تصاعدي باستمرار من 29166.90 مليون دينار تونسي سنة 2009 إلي 128012.40 مليون دينار تونسي سنة 2022. في المقابل التصنيف السيادي الإئتماني تحول من نظرة إيجابية مستقرة قبل سنة 2011 إلي نظرة إستشرافية سلبية وتحت الرقابة بمؤشر B- لمؤسسة فيتش و Caa1 لمؤسسة موديز بين سنة 2021 و 2022. الدين الحكومي التونسي للناتج المحلي الإجمالي ارتفع الي نسبة 80℅ سنة 2021 وذلك بنسق تصاعدي والإنفاق الحكومي كان بدوره في إرتفاع ملحوظ من أقل 10000 مليون دينار تونسي سنة 2010 إلي حدود 24620.20 مليون دينار تونسي وهذا يفسر بزيادة الإنفاق بسرعة خلال عشرية فقط منها الإنتدابات بالوظيفة العمومية و الزيادة في الأجور. أما في المقابل الإنتاج الصناعي شهد انخفاض من 77.60℅ بين سنة 2021-2022 إلى حدود 4.49℅ سنة 2022 في فترة وجيزة نتيجة عدة عوامل منها الداخلية و الخارجية و عدم إستقرار الشركات الخاصة بعلاقاتها الخارجية في ظل الحرب الدائرة بأوكرانيا. أما الضرائب على الشركات فهي انخفضت من أجل دعم القطاع الخاص والمبادرة علي بعث مشاريع لكن في مجملها تعد خسارة للعوائد المالية للدولة من الجباية لتغطية العجز الحكومي و ذلك من 35℅ بين سنة 2004-2008 إلي حدود 15℅ سنة 2022. كذلك إرتفاع نسبة البطالة إلي حدود نسبة 16.82℅ سنة 2021 وارتفاع و تراكم في عمليات الشراء والرسوم الخاصة بصندوق النقد الدولي (إجمالي الضرائب بالدولار الأمريكي وإرتفاع ملحوظ في إستخدام رصيد صندوق النقد الدولي بالقيمة الحالية للدولار الأمريكي وهذا يفسر بلجوء الإقتصاد التونسي للدين الخارجي بنسق تصاعدي خلال السنوات الأخيرة. إجمالا هذه المؤشرات تؤكد وجود ركود بالإقتصاد التونسي وبوادر للتضخم الجامح في الأفق. الأستاذ فؤاد الصباغ – كاتب صحفي تونسي و باحث جامعي دولي
مشاركة :