القاهرة - سامية سيد - أكدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن التونسية الدكتورة آمال بلحاج موسى، أن تجربة المرأة التونسية تعد تجربة رائدة، وأن الفكر الإصلاحى التونسى وضع منذ بداية القرن التاسع عشر قضية المرأة على رأس اهتماماته وصولا إلى ثلاثينات القرن الماضى مع صدور كتاب المصلح الاجتماعي الطاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، مضيفة أن ما يلفت الانتباه في التجربة التونسية أن هناك مناصرة تاريخية لقضية المرأة من الدولة والمجتمع المدني معا . وقالت الوزيرة - في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس - إن تجربة المرأة المصرية من جانبها تتميز بالتشابه والخصوصية مع المرأة التونسية إلى حد كبير، وتعد تجربة رائدة على كافة المستويات، وينظر لنجاحات المرأة التونسية والمصرية بعين الإعجاب والتقدير، مؤكدة أن المرأة العربية بشكل عام اليوم تعد أهم مفاتيح التغيير والتقدم. وأضافت أن تونس ومصر تجمعهما علاقات تاريخية وثقافية قوية، ولديهما الكثير من نقاط التشابه والعديد من أوجه الاتفاق للتعاون سويا في أكثر من مجال، مشيرة إلى أنه من هذا المنطلق تم توقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بين البلدين في مجال النهوض بالمرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، خلال زيارة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي لتونس في شهر مايو الماضي بمناسبة انعقاد أعمال الدورة السابعة عشرة للجنة المشتركة التونسية المصرية. وتابعت أن هذه الاتفاقيات تنص على تعزيز التعاون والشراكة وتبادل الخبرات والتجارب بين البلدين في الميادين المتصلة بالتمكين الاقتصادي للمرأة، ومناهضة العنف ضد المرأة والطفل، وتنظيم معارض مشتركة للحرفيات بالبلدين وتشكيل لجنة مشتركة للتنسيق في مجال رعاية المسنين، إضافة إلى أوجه التعاون الأخرى من خلال جامعة الدول العربية، حيث شاركت مصر في فعاليات المؤتمر العربي حول "تنفيذ الأبعاد الاجتماعية والتنموية لاستراتيجية القمة العربية لكبار السن بين الإمكانيات والتحديات في ظل الأوبئة والأزمات"، الذي احتضنه تونس مطلع شهر أكتوبر الماضي. ووصفت الدكتورة آمال بلحاج موسى المرأة المصرية بأنها "امرأة مناضلة"، وقالت : " لا نستطيع أن نتحدث عن تميز ونهضة مصر دون التطرق لدور المرأة المصرية على مر العصور منذ أيام الفراعنة وحتى اليوم، فهي شريك رئيسي إلى جانب الرجل في كافة المجالات، في العلوم والثقافة والإعلام والقضاء، فهي امرأة بارزة في شتي المجالات" . وأضافت الوزيرة : " بهذه الكفاءات النسائية البارزة في مصر وتونس والمغرب العربي ودول الخليج، نبعث برسالة قوية مفادها أن المرأة العربية يمكنها أن تقرر وتفكر وتبدع وتتفاعل مع مجتمعها وتسهم في خلق الثروة، ومحو الكثير من الأفكار الخاطئة عن المرأة العربية، وبالتالي فنحن بصدد إعادة تشكيل صورة جديدة عن العالم العربي وبالأخص عن الإنسان العربي، وتجديد وتجويد رأس المال البشري في هذا العالم". وحول أبرز فعاليات الندوة الدولية التي نظمتها الوزارة منذ أيام حول "دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في الوقاية من العنف ضد المرأة"، أوضحت الوزيرة أن الندوة هذا العام جاءت في افتتاح حملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة" هذا العام، والتي استهدفت الوزارة من خلالها إيجاد مقاربة نقدية لكيفية معالجة ظاهرة العنف ضد المرأة، ووضع هذه الظاهرة على طاولة البحث. وقالت الوزيرة " اشتغلنا بشكل استراتيجي لمناهضة العنف ضد المرأة وانتبهنا إلى أن عدد مراكز إيواء النساء ضحايا العنف قليل للغاية، فلا يكاد يتجاوز مركزين تابعين للوزارة، ولذلك بذلنا جهودا كبيرة في هذا الملف بمشاركة منظمات المجتمع المدني وبتخصيص اعتمادات مالية إضافية من الدولة، لنصل بعددها حاليا وفي ظرف عام إلى حوالي عشرة مراكز". وتابعت " ولكي يكون موضوع حماية النساء ضحايا العنف مؤطرا تم وضع برنامج لإنشاء مركز إيواء بكل ولاية والبالغ عددها 24 ولاية، ضمن مخطط زمني يهدف للانتهاء من سبعة مراكز خلال العام المقبل، وسبعة مراكز أخرى خلال عام 2024، ومن ثم تكون الوزارة قد تمكنت من توفير مركز إيواء بكل ولاية، وهذه المراكز تندرج ضمن أبعاد توفير الحماية للنساء". وأشارت إلى أن الندوة الدولية استهدفت بالأساس التعرف على جذور ظاهرة العنف ضد المرأة، وفتح نقاش علمي ومجتمعي حول كيفية التصدي لها لكونها تمثل ظاهرة عالمية، وخلصت إلى أن الطريق الأمثل لمعالجتها هو الاهتمام بجانب الوقاية، لأن العنف في النهاية هو نتاج ثقافة التمييز بين الجنسين. ولفتت إلى أن الندوة ركزت على دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وعلى رأسها الأسرة والمدرسة كمؤسسات أساسية، والإعلام والأحزاب والجمعيات والمجتمع المدني كمؤسسات ثانوية، مضيفة: " ورغم أن طريق الوقاية طريق شاق ويتطلب وقتا إلا أنه الطريق الأفضل والأنجح للتصدي لهذه الظاهرة، فالوقاية تعني بالأساس تغيير النسق الثقافي الذي تنبثق منه السلوكيات والمواقف بشكل عام، فأينما وجد التمييز بين الجنسين وجد العنف" . وحول جهود الوزارة للتمكين الاقتصادي للمرأة كأحد آليات مواجهة العنف ضدها .. أشارت الوزيرة إلى أن الحكومة تولي أهمية كبيرة لملف التمكين الاقتصادي للمرأة، باعتبار أن هذا التمكين يعد أهم وأقوى آلية من آليات مقاومة العنف الموجه ضد المرأة بشكل عام، لأنه يوفر لها الحماية والوقاية في نفس الوقت. وأضافت في ضوء ذلك دشنت الوزارة برنامج "رائدات" بهدف تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة، والذي يتضمن سبعة خطوط تمويلية، من أبرزها خط "رائدات ذات أولوية"، حيث تم مؤخرا تسليم 530 سيدة من بينهن أكثر من 200 سيدة من ضحايا العنف إشعارات إنشاء مشروعات خاصة بهن لتمكينهن من الاستقلالية المادية باعتبار أن الهشاشة الاقتصادية هي سبب أساسي للعنف ضد المرأة. وتابعت الوزيرة أنه في إطار مواجهة العنف ضد المرأة وتوفير كافة الدعم لها أيضا، قررت الوزارة تفعيل عمل الخط الأخضر (1899) للإصغاء وتوجيه النساء ضحايا العنف طوال اليوم بكامل أيام الأسبوع وذلك بداية من 25 نوفمبر الماضي لكي يكون أكثر فاعلية ولتحسين جودة خدماته وذلك في إطار الجهد المتواصل بقوة لتوفير الحماية للمرأة التونسية. وعن نوعية البلاغات التي تتلقاها الوزارة عبر الخط الأخضر، أوضحت أنها تتنوع ما بين طلب الاستشارة أو طلب رفع شكوى للعدلية الضبطية، وهناك من تحتاج إلى رعاية نفسية أو قانونية. وتابعت الدكتورة آمال بلحاج موسى أنها تمكنت من حل مشكلة تأخر إصدار التقارير الطبية الخاصة بالعنف ضد المرأة والتي كانت تمثل عائقا أمام اتخاذ الإجراءات الأمنية والقانونية، حيث كان التقرير يستغرق أسبوعين لحين صدوره واستلامه، موضحة أنها وقعت اتفاقا مع وزير الصحة الدكتور علي المرابط يقضي باستخراج الشهادة الطبية الأولية المجانية للسيدة التي تعرضت للعنف خلال 48 ساعة فقط وبدون مقابل مالي وبدون النظر لوضعية القائم بالعنف، حيث كان الأمر يقتصر من قبل على السيدات اللاتي يتعرضن للعنف الزوجي فقط . وعن التشريعات القانونية الخاصة بحقوق المرأة والطفل.. قالت الوزيرة إن تونس تتصدر المرتبة الأولى عربيا بإصدارها القانون 58 لعام 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وذلك من منطلق حرصها الثابت على دعم حقوق النساء والمساواة بين الجنسين وتكافؤ الفرص، مشيرة إلى أن تونس وقعت أيضا على جميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق وحماية الطفل. ولفتت إلى مجلة "حماية الطفل" الصادرة بموجب القانون رقم 92 لعام 1995، والتي شهدت العديد من التعديلات خلال العام الحالي حتى تتلاءم مع المعايير الدولية لدعم حق الطفل في التعبير من خلال إنشاء "برلمان الطفل"، وهذه المجلة تعد من القوانين التقدمية الرائدة في مجال النهوض بالطفولة وحمايتها من جميع أشكال التهديد والاستغلال . وتابعت الوزيرة أن تونس توفر كذلك سلك مندوبي حماية الطفولة في كافة أنحاء البلاد، للحفاظ على حق الطفل في التمتع بمختلف التدابير الوقائية اجتماعية كانت أو تعليمية أو صحية، والرامية جميعها إلى حمايته من كل مظاهر العنف والضرر والإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية والإهمال والتقصير، وحماية الطفل المهدد أو الذي يواجه مشكلات صعبة والعمل على توفيق أوضاعه اجتماعيا وتربويا. وقالت الوزيرة إن القوانين تحتاج إلى وقت حتى يتم تجويد تطبيقها على أرض الواقع، والوزارة لا تكتفي بالتشريعات فقط، ولكن من خلال مؤسساتها تقوم بتنظيم دورات تدريبية لكافة المهتمين بمسار رعاية السيدات ضحايا العنف.
مشاركة :