لم يعد خفيًا على من يتابع المشهد السياسي في أوروبا، أن ثمة صعودًا ملحوظًا من قبل “أقصى اليمين” في أماكن متفرقة من القارة، ما قد يغير مستقبلها السياسي. صعود أقصى اليمين البداية كانت من بولندا، ففي أكتوبر 2019، نال حزب “القانون والعدالة” غالبية ضئيلة في البرلمان بنسبة 51%. وبعدها بشهر فقط، حصد حزب فوكس 15% في الانتخابات الإسبانية، ما جعله يشارك في حكومات إقليمية، بعد تشكيله ائتلافا مع “الحزب الشعبي” اليميني. وفي أبريل الماضي، حصل حزب “فيدز” في المجر، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، على 59%، في رابع فوز له على التوالي منذ 2010. وفي السويد، فازت الكتلة الممثلة لأقصى اليمين بقيادة حزب “ديمقراطيو السويد” في انتخابات سبتمبر الماضي بنسبة 51 بالمائة، ليقود الحكومة بعد تحالفه مع أحزاب يمينية أخرى. أما الصعود الأحدث والأبرز لليمين في أوروبا، فكان في إيطاليا، حين حصل تحالف الأحزاب اليمينية بزعامة جيورجيا ميلوني، على 44 بالمائة في الانتخابات التشريعية، ما مكنها من قيادة الائتلاف الحكومي الحالي. وهذا التنامي لليمين في أوروبا لم يكن سياسيا فقط، بل مجتمعيا أيضا، ففي مايو الماضي، كشفت السلطات الألمانية عن وجود أكثر من 300 موظف في الهيئات الأمنية والحكومية لديهم صلات بالتيار اليميني. و في فرنسا، وعلى عكس استطلاعات الرأي في أغسطس/ آب الماضي، شهدت البلاد تصاعدا في الراديكالية وفي الأصوات التي تنادي بتغيير النظام وقلب الطاولة لصالح “أقصى اليمين”. وكذلك كشفت السلطات البريطانية في أكتوبر الماضي، عن تزايد كبير في عدد المشتبه في انتمائهم لليمين داخل القوات المسلحة، و تم إدراجهم في برنامج مكافحة الإرهاب. ومع هذا الصعود السياسي والشعبي المتنامي، نتساءل سويا: لماذا يزحف “أقصى اليمين” إلى أنحاء أوروبا؟ وما تداعيات ذلك أمنيا ومجتمعيا على القارة العجوز؟ السيادة في بولندا ومن وارسو، قال الدكتور برونو سورديل، كبير الباحثين في مركز العلاقات الدولية، إن الشعب البولندي هو من اختار (أقصى اليمين) ليكون في السلطة. وأضاف سورديل خلال مشاركته في برنامج (مدار الغد) أن أقصى اليمن يهمه سيادة بولندا، ولا يريد العمل مع الاتحاد الأوروبي. وأوضح سورديل أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي فإن البولنديين يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أفضل شريك لهم، وخاصة بعد غزو روسيا لجارتها أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي. الأغلبية في إيطاليا ومن روما، قال مهدي النمر، الكاتب الصحفي، إن أقصى اليمين في إيطاليا لا يحظى بأغلبية شعبية لكنه نجح بفضل النظام الانتخابي، مبررا ذلك بأن النظام الانتخابي في إيطاليا يسمح بالتكتلات، ما رفع فرص حزب (إخوة إيطاليا) إلى الوصول إلى السلطة، مؤكدا أن عدد الأصوات التي حصل عليها (أقصى اليمين) لم تتخطَ 26% من أصوات الناخبين. وأكد مهدي النمر أن النظام الرأسمالي وسّع الفجوات الاجتماعية وأفقر الطبقة المتوسطة ما سبب جوًا من عدم الثقة واليقين بالأحزاب الأخرى. وأشار إلى أن (أقصى اليمين) يروج لقضايا الهوية لأنه ليس لديه حلول لمشاكل المواطنين، مؤكدا أنه يستثمر في السخط والغضب. وأردف: “النظام السياسي التقليدي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، عجز هو الآخر عندما تبنى السياسة الليبرالية المفرطة، ما سبب فقرًا لدى شريحة كبيرة في المجتمع الأوروبي”. سياسات فرنسية خاطئة ومن باريس، يرى الدكتور إيلي حاتم، المستشار السياسي لمؤسس حزب التجمع الوطني، أن صعود (أقصى اليمين) كان نتاج سياسات خاطئة. وأضاف إيلي حاتم أن (أقصى اليمين) في أوروبا ليس موحدًا، مشيرا إلى أن كل دولة لها خصوصيتها وتعاطيها مع المشاكل القومية والوطنية. كما أوضح المستشار السياسي لمؤسس حزب التجمع الوطني أن هناك فرقًا كبيرًا بين الشعوب والحكومات في أوروبا، لافتا إلى أن كل دولة أوروبية لها طريقة مختلفة في التعامل مع مواطنيها وقضاياها الداخلية. تنامي أقصى اليمين ومن برلين، قال الدكتور أولريك بروكنر، أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة ستانفورد، إن (أقصى اليمين) صعد في دول ولم يتقدم في دول أخرى. ويرى بروكنر أن فوز تيار (أقصى اليمين) في أوروبا لا يعني بالضرورة تنامي أقصى (اليمين) في كل عموم أوروبا. روسيا وأقصى اليمين ومن موسكو، قال الدكتور ألكسندر لوكين، رئيس قسم العلاقات الدولية بالمدرسة العليا للاقتصاد، إن روسيا لا تدعم بشكل كبير حركات (أقصى اليمين) في أوروبا، كما يعتقد الكثيرون. وأوضح ألكسندر لوكين أن روسيا تتعامل معه هذه الأحزاب لأسباب لها علاقة بحقبة الاتحاد السوفيتي جراء الخلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار ألكسندر لوكين إلى أن روسيا لا يهمها التأثير على أوروبا، أو استغلال صعود تيار عن تيار آخر.
مشاركة :