المونديال... متنفس لأهل درعا بعيداً عن الاغتيالات والمداهمات

  • 12/3/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد الحياة اليومية في مدينة درعا في الجنوب السوري توتراً أمنياً دائماً يحمل لقاطنيها خوفاً مجهولاً من نقاط يمكن للصراع أن ينفجر فيها. لكن الحال هذه تبدلت في عموم المحافظة، فمع انطلاق صافرة البداية لأول مباراة في المونديال، كانت درعا على موعد مع الوقت المستقطع لتصنع لنفسها بهجة ومتعة في متابعة هذا الحدث الكبير. وخلال تجوالك في شوارع المدينة، ترى مظاهر الاحتفال والاحتفاء بهذا الإنجاز العربي الفريد، إن كان على مستوى الاستضافة أو نتائج المنتخبات العربية المشاركة. محال كثيرة احتفت بالحدث على طريقتها؛ من وضع أعلام الدول العربية المشارِكة على واجهاتها، إلى إلصاق أيقونات المونديال على زجاجها الخارجي. وكم هائل للملصقات والأعلام على السيارات العابرة. لقد وجد أبناء درعا في المونديال متنفساً للحياة ووقتاً قصيراً بين شوطين يرتاحون فيه من أخبار الاغتيالات والمداهمات. الأكثر احتفاءً كانت المقاهي المنتشرة في المدينة التي تحولت فيها متابعة كأس العالم إلى فرصة للعمل واتعاش مدخولها. يقول أحد أصحاب المقاهي في مدينة درعا لـ«الشرق الأوسط»: «انتظرنا بدء كأس العالم منذ شهور، فروّاد المقهى موسميون، وتلعب الأحداث الأمنية دوراً كبيراً في وجودهم. كما أن ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء القاسية خفّضا أعداد الزائرين اليوميين. لكن مع بدء الحدث العالمي في دولة قطر، بدأنا باستقبال الجمهور والمشجعين، ووضعنا شاشة عملاقة وزدنا عدد موظفينا». وأضاف: «البهجة تعلو وجوه الموجودين في المكان، يضحكون ويمزحون ويتابعون بحماس شديد مباريات فرقهم المفضلة». وتابع: «لن تسمع هنا الأحاديث التي اعتدناها في درعا عن التفجيرات والاغتيالات والخوف والغلاء. كل هذا أصبح في حكم الملغى... الحديث عنه مع بدء أي مباراة، حيث يطغى على روّاد المقهى أحاديث الفرق ونتائجها وتوقعاتهم، والكثير الكثير من المرح والضحك والتسلية والتشجيع. لقد افتقدنا هذه الأجواء منذ زمن طويل وكأننا قد نسينا السعادة أو نسيتنا». تحولت أجواء الصخب والمتابعة والاحتفاء إلى سوق عمل يحرك المياه الراكدة للاقتصاد في المحافظة. أحد أصحاب محل لخدمات «الساتلايت والتلفزة» قال: «لقد انتعشت تجارتي حتى قبل بدء المونديال ومعظم زبائني من الشباب. فأغلبهم يفضلون الأجواء العائلية في متابعة المباريات، فيشترون منا اشتراكات في القنوات المشفرة التي تنقل المونديال». وأضاف: «في الحقيقة، السعر مرتفع جداً بالنسبة لهم. فمعظمهم دون عمل والحالة الاقتصادية لا تساعدهم، لكننا استطعنا منحهم هذه المتعة في المتابعة عبر وسائل غير قانونية لكنها تتفق ووضعهم الاقتصادي». إياد، وهو أحد المشجعين المتحمسين، قال: «الأجواء بشكل عام حماسية ورائعة. أرتاد المقاهي منذ بداية المونديال. أخيراً ثمة شيء يجعلنا نفرح فعلاً وننسى بعضاً من همومنا. المونديال مناسبة لأهالي درعا يطلّون من خلالها على العالم الذي نسيهم ويشاركونه حدثه الكوني الأهم». وأضاف: «ما نريده هو الاحتفال كبقية شعوب العالم، ونفتخر بالإنجازات للفريق العربية على مستوى الأداء المبشر بمستقبل أفضل للكرة العربية، وإنجاز قطر في المونديال، فلا ينقصنا في جنوب سوريا العروبة ولا الانتماء لنقف ونشجع فرقنا العربية ونفرح بالإنجاز الأهم عالمياً الذي صنعه العرب». تصنع الجماهير العاشقة للساحرة المستديرة والمهتمة بالحدث الكروي البهجة خلال المباريات أو بعدها. فما إن تنتهي مباراة ما ويغادر الجمهور المقهى حتى تسمع صخباً وضحكاً وتحديات في الشوارع المحيطة به. تقول نهاد ربة منزل في مدينة درعا: «منذ مغادرتهم المقهى في الطرف الآخر للشارع أمام بيتي، أسمع صياح بعضهم بفرح وتحدي بعضهم للآخر بجولة جديدة لفريقه تدور فيها الدائرة عليهم». وأضافت: «أفرح لأصواتهم من كل قلبي؛ لأنني أشعر بأن متسعاً للحياة لا يزال أمام هؤلاء الشباب». وتتحسر بعدها متذكرة: «كم تمنيت لو أن أبنائي لم يغادروا إلى المهجر لكنت استمعت إليهم وإلى مجادلاتهم، ولكان البيت يمتلئ بأعلام الفرق المشاركة كل واحد يعلق علم منتخبه الذي يحب». متابع ومشجع ولا يريد أي صفة أخرى يقول: «دعني أبتعد كثيراً عن السياسة والأوضاع الأمنية. هذا الوقت ليس لها، إنه فسحة للاستمتاع». ويتابع: «أعتقد بأننا هنا في درعا نستحق الفرح، وما زلنا قادرين كشعب على صنع البهجة، حتى وإن كانت مدتها شهراً واحداً. المهم أن نسرق من هذا الوقت الصعب والمر ساعات للنسيان والبهجة والمتعة». ويتابع ضاحكاً: «أشجع كل الفرق العربية، ومعها البرازيل، وأتمنى فوزها بالمونديال. لقد سحرت المشاهد بلعبها وتجعل من المباراة متعة حقيقية». وحين سألته أي فريق سيشجع إن خرجت البرازيل من التصفيات، قال: «دعنا لا نفكر كثيراً بالخسارة، فما خسرناه في هذه المدينة لا ينقصه خسارة البرازيل». تركته يضحك مع مجالسيه من روّاد المقهى وخرجت إلى الشارع الفارغ تماماً من الناس والمظلم تماماً لانقطاع الكهرباء التي لا تصل إلا ساعة مقابل عشر ساعات انقطاعاً. تبدو الصبغة الخليجية العربية واضحة على المونديال بدءاً من الملاعب كاستاد البيت نموذجاً إلى التمائم التي اختارتها الدولة المستضيفة (قطر) لتمثل المونديال كتميمة «لعيب»، والتي هي عبارة عن كوفية عربية. وقد أحيا المونديال الأمل بإمكانية وجود إنجازات عربية نفخر بها، وكان الالتفاف العربي حوله وحول المنتخبات العربية المشاركة شعبياً عفوياً ولافتاً.

مشاركة :