رواية رفُّ اليوم، للكاتبة نجوى العتيبي، لم أكن أقرأ بل كنتُ ألهث، هذا ما فعلته بي الكاتبة في روايتها، رواية تجعلك تلهث كأنك تجري في سباق تسابق بطل الرواية فقط لتمسك به، تود لو أنك تهزه وأنت تصرخ توقف! هل كانت هي المؤامرة فقط، أم إنه الذريعة لكل هذا المس الجنوني والتصرفات الخارجة عن السيطرة، كل هذا الهذيان، هذا التطرف في الأفكار، هذا الغضب، هذه السخرية وهذه اللامبالاة أمام خطر قد يكون قادم. عالم ديستوبي يعجبك أن تتخيله، لكنك تتمنى ألا تعيش فيه. علامة كاملة للكاتبة ومجهودها في خلق هذا العالم. هذه الرواية دمجت فيها نجوى ما بين الحاضر والمستقبل، ضمن حبكة رائعة، في ربط بديع ومتجدد للأحداث مع بعضها. إلى أين نتّجه نحن البشر؟، فتجيب بذلك عن السؤال الأكثر تداولًا وإثارةً للجدل منذ بدء البشرية وحتى اليوم، وذلك ضمن إطار علمي تخيلي (نصف بشر - ونصف آلة)، غلب عليه طابع الخيال العلمي المسلّي، لقد لعبت الكاتبة على الوتر الفاصل بين الثابت والمتحول، مع تحيزها الغير مباشر نحو المتحول من خلال بطل الرواية. لكن يبقى الموت هو الحقيقة الثابتة التي مهما حاولنا الهروب منها تظل تلاحقنا، هي فكرة فلسفية تدرجت الكاتبة في إيصال معناها، معتمدة على إيقاع التسريع والتبطيء، فالتسريع يتحقق لحظة الملاحقة، وأحيانًا بالبطيء، يلاحظ لما تتوقف الشخصية عن الجري. رواية شيقة ومتفردة وذات لغة صافية، من أفضل ما قرأت على المستوى المحلي. لم أتصوّر بأن من الممكن أن يؤلَّف عمل سعودي بهذا الطابع المُدهش والسرد السهل الممتنع والترابط بين الأفكار في موضوع صعب ومستشف من قضية حديثة كوباء الكورونا وتبعاتها من لقاحات ومضاعفتها المتخيلة على البشر، الرواية تبعث بالكثير من الرسائل الهامة في الاستخدامات التكنولوجية الحديثة والمتقدمة خصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي؛ لأنّه سيشكّل عنصرًا مهمًا من العناصر التي ستحدث تغيراً كبيراً في حيوات البشر، كتحويله من أسماء إلى أرقام، والذي تجعل القارئ يقف موقفًا مشوّشاً حيال نفعه علينا أو ضرره، والتعمّق في الإنسان وخياراته ومضاعفات تحولاته، والعلاقة العميقة بين الوعي والإحساس. ويبقى القول إن هذه التحفة الأدبية هي تجسيد لوعي دقيق كتب بسرد قصصي مثير وممتع. غرد عنها الكاتب عزت القمحاوي بقوله: «رفُّ اليوم لنجوى العتيبي، مستوى مدهش لرواية أولى. وتر السرد مشدود بلا كلمة زيادة. الكاتبة لا تستند على المهارة وحدها، لديها وجهة نظر، بالأحرى لديها الغضب الضروري للكتابة. كافكاوية حديثة، لا تأتي السيطرة فيها من قوة غامضة، بل من التكنولوجيا والسوق، ومن داخل البطل المشارك بقمع ذاته.»، ونختم بقول الناشر الأستاذ عبدالله الغبين: «حين تقرأ رواية رف اليوم لنجوى العتيبي تتأكد أن كتابة الرواية الجيدة ليست نزهة. لا يمكن أن تكتب عمل متجاوز دون وعي وإدراك بكل جملة تكتبها. لا أستطيع أن أتخيل أنها الرواية الأولى للكاتبة، وأجزم أن الحديث عنها سيستمر لفترة طويلة، رفّ اليوم رواية تصيبك بتضخم القلب».
مشاركة :