الديوان الشعري (لأنك آخر شيء جميل بهذي الحياة) الصادر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع في الكويت للشاعر الكويتي (عمر الخالدي) يضج بقصائد الوجع والحنين والعذال، ومشاهد الألم الذاتي ولوعات الحب والاشتياق، وتهيمن عليه الذات الملتاعة في أغلب قصائد هذا الديوان الشعري، إنه تصوير فوتوغرافي (لدواخل) الفرد، ذاتية إزاء عالم متناقض مملوء بالألم والمغالطات، ذات نقية تحاول أن (تخاطب) الآخر، عله يعود إلى سبل النقاء والرشد، ذات تتوهج لذاكرة الحب الأنصع ولكنها لا تجد سوى الألم واللوعة، يقول في نص (لم يبق في الأيام شيء يشتهى) (وانتهينا، وانتهت أحلامنا/ص17) نهاية أحلام الفرد يعني (الموت السريري) فالإنسان بلا أحلام بقايا إنسان، يقول: (اجتاز هذا العمر مثل جنازة) إن المتوالية الزمنية لهذا الإنسان المتورق إنما تحيله إلى (جنازة) غير قادرة على التوهج والاشتعال في ظل هيمنة ألوان البؤس والألم على فضاء حياته وبصره، ويضيف :(لم يبق مني غير، طيف ناحل، وحمائم بيضاء، والقلب الوحيد الخاسر) هذه (الجنازة/ بقلب خاسر) تشيء من هذا الإنسان وتخلصه من بقايا مشاعره التي تتيبس هي الأخرى وتتخشب على أجنحة الإهمال والذكريات، ويقول: (خبأت وجهي) محاولة الفرار من الآخر (ذات إزاء عالم) ذات مقهورة ملتاعة إزاء عالم (موضوعي/ ضمنه الآخر الحبيب) كانت سبباً لهذه اللوعة وانصهار الذات بصور من الألم والاشتياق والحسرة، في قصيدة (لشاماتها السمراء) (وتساقطت مني المدامع أربعة) البكاء بوصفه من ملامح الذات الملتاعة، ويقول الخالدي في النص ذاته: (أحلام من قتلوا ولم يترددوا، ومن الحياة عليهم متوجهة /ص24) القتل والأحلام مهيمنات تتكرر إذ يرتبط الحلم بمعناه الرمزي بموت سريري (لمشاعر الذات وتوهجاتها) وموت الحلم بمعنى قطع الطريق أمام مضي هذه المشاعر من الذات الى الحبيب والعكس، يقول في قصيدة (امرأة تجلس في زاوية العالم): (هذا التعب الماثل في روحي أعرفه، هذا حبك، يتماثل في الآن، جراح غصون دائخة في الليل...... هذا جسدي يترنح /ص25) (الجراح والليل / والجسد المترنح) صورة أيقونية لفرد منهك لا يقوى على التوازن جراء الفقد، جراء معاملة الآخر (الحبيب) جراء ساكنة في منتصف الليل في لجة ظلام معنوي لا فيزيقي يحيل أيام الحبيب إلى ليل مستدام، ويقول: (وإني سأظلُ وحيداً دوماً، أترنح، أُذبح ....) ما بين عدم التوزان إزاء فقد الآخر، ونفي الحياة عن هذا (الجسد الذي تعطلت فيه الأحلام والحب والمشاعر/ يصل إلى حالة أشبه بالموت أو القتل) (اُذبح) (عن طريق الآخر) ويقول (وصرتُ وحيداً مثلي/ ص29) إنها وحدة انفرادية واغتراب يدلل على اللوعة التي مرت وتمر بها الذات وتحيل كم المشاعر هذه إلى تفرد وحداني بنزعات ذاتية مفرطة لا يمكن لها التواصل مع الآخر، ويقول: (وأعرف أن دموعي، ستظل طوال الليل، ترتل أسماء الذبح، على منديل ضلوعي،/ص31) ما بين تكرار (البكاء، الدموع) وهيمنة الليل ومفردات (القتل، الذبح، الموت) تشتعل فضاءات القصيدة الوجدانية لتتحول بدلالاتها ورمزيتها إلى هذه العلاقة ما بين الذات والأخر، والتي ترتفع مؤثراتها الحسية إلى مؤثر ملموس دال واقعي إزاء ما تنتجه المشاعر من آلام ولوعات على (دواخل الإنسان/ الحبيب) وفي قصيدة (لأنك آخر شيء جميل بهذي الحياة) يقول: (قليلُ ولكن كثرتني المأتمُ، وقلبك مأجورُ آثمُ) (قليل= الهموم تقوم إلى المأتم) (المأتم-كثرتني/ تواصلية القلة والكثرة) بأسباب (قلبك = الآثم) إنها معادلة تشيء بإدانة الاخر (الحبيب) وترسم له صورة مغايرة في ذات الحبيب (أناه المنصهرة ما بين الواقع والمتخيل) في نصوص الشاعر عمر الخالدي، ويقول في النص ذاته : (وكل نساء الأرض تشهد أنني أموت، وفي سري تموت حمائمُ) تتكرر مفردة الموت ليدلل الشاعر على قساوة الحالة الوجدانية فيورد أقسى المفردات ذات الوقع السيكولوجي حين القراءة، ويقول أيضاً (أعد خسارتي فتزداد وحدتي /ص23) فكلما /تزداد الخسائر بالتعداد/ ينصهر هو في زاوية الوحدة والعزلة والاغتراب) فتحيله إلى (قلبي مظلوم، عمري مهدوم، تائه) ما بين هذه المظلومية، والتوهان والهدم، يحال هذا الحبيب المفترض إلى بقايا إنسان تائه متشظي في هذه المعمورة الوجدانية التي يؤثث لها بفضاء ديوانه الشعري عبر امتداد كل نصوصه الشعرية، وفي نص (اعذريني) (هذه الحياة بذاك الموت تتصلُ) يوصل الشاعر (الحبيب المفترض) بموت يساوي ما بين هذه الصلات التي تومئ إلى تساوي ألم الحياة ولوعتها مع ألم الموت وفراقه، وفي نص (إلي أيها الغريب) يقول الشاعر : (تلمسي وتري المقطوع في رئتي، أنا الغريب الذي ما مسه أحدُ، وتشرب العين دمع الجرح في شفتي، وأسمع الحزن يدعوني أيا أبتي / 55) (قطع النفس، الغربة، الجرح، الدموع، الحزن) تحيل هذا العاشق إلى أن يكون أباً للحزن، في مفارقة يسعى الشاعر إلى ترسيخ معانيها عبر امتداد نصوصه الشعرية في هذا الديوان، وفي نص (بكائية الليل الأخير) وضمن عتبة النص (البكائية/ الليل) يتمظهر ملمح اللوعة في ذات الإنسان وهو يقول: (وفي حلقي جروح ندا، وإني في الحياة سدى، وأرتدي وجعي الليلي، أؤرخ الحزن في عمري وأرسمه على جبيني مشهوقاً ومتقداً) وفي هذا النص استعارة لـ (صبر أيوب) (حزن يعقوب) لتعميق المعنى الدلالي والنفسي للحزن والصبر الذي تمر به شخصية (العاشق) إزاء ما يجري له في واقعه الخارجي ضمن المفهوم التواصلي لعلاقة هذه الذات مع الآخر (الحبيبة) وفقاً لما تجري من لوعات بصور متنوعة تفضي إلى تهشيم نقاء هذه العلاقة وتحطيمها وتحويلها إلى خسارات متواصلة، إنها مجموعة شعرية تفصح عن كثير مما يعتمل في الذات ويؤرقها بدواع الحب والاشتياق والحنين. { ناقد وأكاديمي (العراق)
مشاركة :