البحث في موضوع الهوية الشخصية أو التجارية، بحثٌ – نوعًا ما – يحتاج إلى إلمام كبير بعدة علوم، منها علم التسويق، وعلم الأنماط البشرية وما إلى ذلك، ولقد وجدنا أن المراجع تسرد العديد من التعريفات الأكاديمية التي يمكن أن يدرسها الطالب في الجامعة، ولكننا في سوق ريادة الأعمال أو في الحياة الخاصة فإننا عادة ما نحاول أن نتحدث ببساطة حتى تصل الأمور إلى كل من يحاول أن يتعرف على المفاهيم التي نتحدث عنها، لذلك يمكننا القول إن مفهوم الهوية الشخصية أو التجارية هي ببساطة يعني (من أنت؟)، وماذا يمكن أن تقدم لي حينما أحتاج إلى شخص يمكن أن يقدم لي ما أحتاج؟ وأخيرًا لماذا أنت وليس غيرك؟ كثيرٌ من الشباب والشابات أو رواد الأعمال يعيشون فترات طويلة من حياتهم الشخصية أو المهنية أو التجارية من غير أن يحددوا من هم؟ وماذا يريدون؟ وبالتالي يعيشون مع كل الناس بالطريقة التي يحددها الناس والمجتمع، فهم كما نقول في المثل: (مع الخيل يا شقرة)، فتضيع الأعمال وتنقضي السنون وهم هكذا. إلا أن هناك فئة من الشباب –من الجنسين– ورواد الأعمال نجدهم دائمًا باحثين عن هوياتهم الشخصية والتجارية، ومرة أخرى فنحن هنا لا نقصد الشعار والعلامة التجارية والهوية البصرية، وإنما نحن نقصد، أنت، ومن أنت؟ الهوية الشخصية؛ هي كل تلك الخصائص الموجودة في الإنسان أو المشروع التجاري الذي يتيح من خلاله هذا الشخص أو المشروع أن يقدم نفسك للمجتمع والآخرين، فهي إذن المفهوم الذي يمتلكه كل فرد عن نفسه؛ إنها مبنية على أساس ما يدركه كل شخص ويعرفه ويميزه عن البقية. دعوني أطرح مثالا: عندما تتعطل سيارتك في الشارع – لا سمح الله – فمن هو الشخص الذي يمكن أن يخطر على ذهنك في اللحظة الأولى؟ وهل سألت نفسك لماذا هذا الشخص أو هذه الورشة تحديدًا؟ حتمًا سيكون هذا الشخص أو هذه الورشة هو منقذك، ولكن كيف استطاع هذا الشخص أو هذه الورشة أن يقنعك أنه يمكن أن ينقذك في مثل هذه المواقف؟ لأن هذا الشخص أو هذه الورشة قامت بتحديد هويتها على أنها تستطيع أن تعالج مثل هذه المواقف بكل حرفية، وهذه هي الهوية الشخصية أو التجارية التي نقصدها. حسنٌ، كيف استطاع هذا الشخص أو تلك الجهة أن تكوّن هويتها الشخصية أو المؤسسية، لتظفر أن تكون الجهة التي يشد لها الرحال وينشد مساعدتها إن حدث وتعطل المرء أو احتاج إلى مساعدة؟ أولاً: قبل أي شيء، اسأل نفسك هذا السؤال، لماذا تريد بناء الهوية الشخصية أو التجارية؟ من المفترض أن تكون الإجابة ببساطة «حتى يتذكرني الناس» ليس فقط أن يتذكروني وإنما أن يتذكروني بالطريقة المعينة التي أنا أريدها، فالجميع يعرفني مثلاً: كمفكر، أو باحث أو خبير في البيئة، أو الذكاء الاصطناعي، أو اللغة العربية، أو سباك، أو نجار، أو أي تخصص تجد نفسك تواقة أن تكونه، وهذا يعني أنه ينبغي أن تتعرف –أنت على– مهاراتك، خبراتك، إمكانياتك، وكل الأدوات التي تملكها لتكوّن هويتك. وبالتالي عندما يحتاج الناس إلى هذا التخصص فإنهم حتمًا سيجدون اسمك في أعلى القائمة وهذا يعني أنهم سيتصلون بك لترشدهم إلى ما يحتاجون أو حل مشاكلهم، من جانب آخر فإنه من حيث ريادة الأعمال فإنه من الحتمية أن تتصل بك المؤسسات لتستعين بك لأنك أهل لذلك، وهذا يعني زيادة أرباح وزيادة استثمار، وهذا مطلوب. ثانيًا: من أنت؟ وماذا تريد أن تكون؟ من الضروري جدًا أن تحدد بينك وبين نفسك من أنت؟ وماذا تريد أن تكون؟ هذا التحديد يعني ببساطة أن تحدد هدفك، فبم تريد أن يتذكرك الناس بعد خمس سنوات من عمر الزمن؟ قال لي أحد الأخوة المتدربين بعد فترة غياب عن ساحة التدريب مدة خمس سنوات: «اختفيت كل هذه الفترة الزمنية لأني كنتُ أبحث عن موضوعات جديدة وقضايا لم يتناولها أحد من قبلي من المدربين»، وفعلاً كان له سبق في عدد من المجالات لم يتناولها أي مدرب من قبله، وكان يُطلب في كل دول الخليج العربي حتى يعطي تلك الدورات لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يقدمها. ثالثًا: اقرأ حتى الثمالة في التخصص الذي ترغب أن تكونه؛ نحن نعلم أن الرغبة مطلوبة والأحلام واردة، ولكنها لا تكفي، فالقراءة في مجال التخصص مطلب مهم وضروري، فمن غير القراءة ستجد نفسك بعد فترة من الزمن قد خرجت من سباق الهوية الشخصية أو التجارية، فإنه حتمًا سيأتي آخرين ويحاولون أن يقطفوا نتاج نجاحك وفكرتك، وقد يتفوقون عليك لأن الشخص المنافس ربما أفضل منك أو يقرؤون أكثر منك، أو أنهم مثابرون أكثر منك، لذلك فإن القراءة ستفتح لك حياة ثانية، وتصنع من ذهنك المرجع المهم في المجتمع لهذا التخصص الذي رغبت، فالجميع عندئذ سيقول إن هذا الشخص أو رائد العمل إنسان واع وفاهم في تخصصه وعمله، لذلك فإنه أفضل من غيره. رابعًا: المصداقية، وهذا يعنى انعكاس القيم والمبادئ على الأداء الفعلي للشخص، فعلى سبيل المثال إبداء اهتمامك بمجال معين، مثل: الذكاء الاصطناعي من خلال آرائك الشخصية في مواضيع متعلقة بالذكاء الاصطناعي المختلفة، مع القدرة على النقاش والنقد، وهذا يعزز من ثقة الآخرين ويجعلك مصدر ثقة في المواضيع التي يتم طرحهًا، بالإضافة إلى الأصالة، الشفافية، والاستدامة. خامسًا: يفضل بل يجب أن يكون مجال عملك أو تخصصك مهم للناس وللمجتمع، فلا يمكن أن تبدأ بمشروع ولا تجد أحد من المجتمع يهتم بهذا المشروع، لذلك عليك أن تفكر وأن تبحث بصورة جيدة في التخصص الذي تريد أن تقدم نفسك من خلاله، وهل المجتمع يمكن أن يتقبله؟ ففي المجتمع نجد الكثير من الشخصيات الذين يحاولون أن يصنعوا هويات إلا أن هوياتهم – قد– تكون غير مقبولة بين الناس، أو ليست ذات فائدة في المجتمع، لذلك فإن هذه الشخصيات ستزول بعد فترة من الزمن. سادسًا: لا تقفز من تخصص إلى آخر، صاحب الهوية الشخصية أو التجارية قد تغريه بعض التخصصات بين الحين والآخر، فقد يجد في بعض الأحيان أن بعض الهويات والشخصيات الناجحة تجوب وسائل التواصل الاجتماعي، والناس تشير إليهم وتهتف بأسمائهم، وهو لا يوجد من يهتم به وذلك لأسباب كثيرة، منها أنه قد يكون في بداية الطريق والناس – قد – يعرفونه بعد، لذلك تحدثه نفسه أن يغير جلده وتوجهاته، فيغير، وثم يغير مع الزمن، وهكذا، وبعد مرور فترة من الزمان يجد أنه من غير هوية، وأنه قد ضاع ما بين التخصصات. ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نظل محبوسين بين جدران وقضبان الهوية الشخصية التي نريد صناعتها حتى وإن كانت فاشلة، وإنما من الذكاء التجاري والإداري والشخصي أن نعرف إلى أين نريد أن نسير. سابعًا: التسويق لنفسك، بعد أن تصل إلى مرحلة تحديد نفسك وهويتك فإنه من الضروري أن تقدم نفسك للناس والمجتمع من خلال كل وسائل التسويق والإعلان، وخاصة وسائل التواصل الرقمية التي تعد اليوم من الوسائل التي يتبعها معظم الأفراد وخاصة الجيل الذي ترغب في مخاطبته، وهم الفئة المستهدفة. ويجب أن يكون ظهور الشخص أو رائد العمل في وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عبر الإعلانات التقليدية أو أي وسيلة كانت ظهور ممنهج، فالعشوائية غير مطلوبة في مثل هذه المنظومة، فسواء كنت تكتب في الصحافة أو تنشر فيلم فيديو عبر قناة اليوتيوب أو من خلال الانستغرام أو أي وسيلة كانت فإنه ينبغي أن تظهر بصورة متكررة وبصورة منتظمة، فمثلاً كل يوم أحد من كل أسبوع، أو أي يوم آخر عندئذ فإن المستهدفين ينتظرون ظهورك المميز عبر تلك الوسيلة لتقول لهم شيئا معينا، فليس العبرة بالكم وإنما بالكيف. ثامنًا: ركز واعمل بصورة مستدامة، أثناء القيام بكل هذه الأعمال حاول أن تركز على تطوير ذاتك أو تجارتك، ولا تقف عند حد معين، فلا تقول لنفسك «أنا أصبحت علامة وهوية، لذلك سأستمر كما أنا، فالناس ترغب في وجودي هكذا»، أعلم أنه عندما تحدث نفسك بمثل هذه الأقاويل فإنه – حتمًا – ستجد نفسك قد خرجت من سباق الهوية الشخصية أو التجارية، وإنما حاول أن تستذكر موقعك وموقفك، حاول أن تتعرف على كل ما هو جديد في مجال هويتك الشخصية، فالدنيا في تغير سريع، والناس تتغير والأمزجة كذلك تتغير والتكنولوجيا تتغير بطريقة مذهلة يصعب تصورها، فلا يمكن أن تؤطر نفسك في إطار وتجلس طوال حياتك بين قضبان هذا الإطار. وأخيرًا، عندما تجد نفسك قد حددت رسالتك وهويتك الشخصية أو التجارية فإنه من الحتمية أن تسير إلى الأمام، مهما كانت الصعوبات أو العوائق، فإن مثل هذه الصعوبات والعوائق موضوع طبيعي، والممتع في الموضوع أنه حينما تتجاوز كل تلك الصعاب فإنه حينئذ ستشعر بمتعة النجاح. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :