رغم تراجع عدد دور النشر المشاركة في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي افتتح مؤخرا بمعدل النصف تقريبا عما كان عليه قبل العام 2019، يرى المنظمون في تمسكهم بإقامة النسخة الرابعة والستين في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان “إنجازا ومغامرة”، مشددين على أن الحدث يشكّل أحد “معالم لبنان” الثقافية. بيروت - في وضع اقتصادي خانق تعيشه لبنان، افتتح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب أجنحته الثقافية متغلبا على أزماته الاجتماعية المالية التي تعصف بالبلاد وبعد دورة مشحونة بالتجاذبات في السنة الماضية. وافتتح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المعرض في دورته الرابعة والستين، معتبرا أن لبنان “يعيش أزمة خانقة تركت انعكاساتها على مختلف القطاعات من دون أن تؤثر في عزيمة أبناء الشعب على الصمود والنهوض من جديد”. وقال ميقاتي “أربعة وستون عاما ومعرض الكتاب شاب لا يشيب، مثله مثل بيروت، المدينة التي احتضنت هذا المعرض ورعته سنويا ليس كمناسبة للاطلاع فقط على أحدث المصنفات والإصدارات في الآداب والعلوم والفنون، بل كرسته مساحة تفاعل وإثراء معرفي”. دورة جديدة بحسب النادي الثقافي العربي الذي ينظم المعرض بالشراكة مع نقابة اتحاد الناشرين في لبنان فإن أكثر من 133 دار نشر تشارك في دورة هذا العام، مع حضور متميز لدور النشر المستوردة للكتب الفرنسية. وتتنوع الإصدارات المعروضة بين الرواية وكتب التاريخ والتراث والدستور وخطط التعافي الاقتصادي والأزمات المالية، كما يوجه المعرض تحية وفاء لأعلام لبنانية وعربية من بينها الراحل رياض نجيب الريس الصحافي والكاتب والناشر السوري الذي كان له بالغ التأثير في حركة النشر العربية. وقالت رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة في كلمة الافتتاح إن “المعرض يؤكد في كل مناحيه على أن للمثقف المستنير دورا بارزا في صوغ مصير الوطن، وأن العلم والفكر هما الشعلة المضيئة التي من شأنها إزالة السواد المقيت الذي يعيق جلاء الرؤية ويعطل المخيلة المبدعة”. وأضافت أن “البرنامج الثقافي المرافق للمعرض يشمل أكثر من 24 ندوة وفعالية تتناول بالبحث والتحليل والمعالجة مجموعة من القضايا التي تستدعي يقظة فكرية متجددة في سعي لتشريحها واستنباط رؤى خلاقة بشأنها”. وأكدت أن المعرض سيبقى الحدث الثقافي والمعرفي الأبرز في لبنان “مُخلدا جهود قافلة من الرواد الذين آمنوا برسالة النادي الثقافي العربي وتجلياتها على مدى عقود عبر فعاليات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب”، معلنة في ختام كلمتها إهداء هذه الدورة لروح سميح البابا الرئيس السابق للنادي. بوكس ومع تحول القراء إلى العالم الرقمي والمطالعة عبر وسائل الاتصال الحديثة لا يزال أصحاب دور النشر يعولون على تعلق القارئ بالكتاب وتصفحه ورقيا. وقالت رنا صيفي المسؤولة عن دار المطبوعات للتوزيع والنشر إن “زمن القراءة لم ينضب وبدأنا نستقطب زوارا يحرصون على هذه الطقوس في الثقافة والمعرفة”. وأضافت “الرواد لديهم شغف بتصفح الكتاب وملمس الورق، هذا الشعور يجعلهم أكثر قربا للرواية والكتاب بشكل عام من دون أن نهمل أهمية التطور التكنولوجي، لاسيما أن عددا من الكتب يتم إصدارها أيضا بأقراص مدمجة”. يعود معرض بيروت العربي الدولي للكتاب هذا العام بعد أحداث مشحونة، إذ اندلعت مظاهرات عمّت بيروت ومختلف المناطق اللبنانية في عام 2019، كما وقع انفجار في مرفأ بيروت عام 2020 دمر المكان حيث يقام المعرض عند واجهة بيروت البحرية، علاوة على ما خلفته الأزمة الصحية العالمية ووباء كورونا على قطاع النشر. ويستمر المعرض حتى الحادي عشر من ديسمبر بفعاليات متنوعة تشمل مشاركة شعراء وأدباء وفنانين لبنانيين وعرب وأوروبيين. ضد التجاذبات شددت السنيورة على أن ما يميز النسخة الحالية هو الإصرار على المضي في إقامتها في ظل أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار العملة الوطنية واتساع دائرة الفقر والبطالة، ما شكّل إلى جانب جائحة كوفيد – 19 وتبعات انفجار مرفأ بيروت عوامل مهمة في تراجع حركة النشر في لبنان. إلا أنها لاحظت في تصريح لها أن “وجود إصدارات عدة حديثة يعني أن حركة النشر لم تتوقف وكذلك حركة الكتابة”، مؤكدة أن “الفكر اللبناني متوقد ولم يتوقف أيضا”. وانخفض عدد دور النشر المشاركة في المعرض من أكثر من 240 من لبنان والبلدان العربية والعالم، إلى تقريبا 124 هذه السنة، بعدما بلغ نحو 79 في الدورة السابقة في مارس الفائت. معرض وتستمر المشاركة العربية “خجولة”، بحسب رئيسة النادي الثقافي العربي، في النسخة الجديدة من المعرض التي تضم دور نشر من مصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وشرحت أن تقلّص مساحة القاعة التي تحتضن المعرض من عشرة آلاف متر مربع قبل 2019 إلى 2200 متر مربع حاليا جعلت “المطلوب أكثر من المتاح”. وأضافت “ثمة دور نشر اعتادت أن تأخذ مساحات واسعة، لكننا اضطررنا للأسف إلى مراعاة الجميع بغض النظر عن حجم كل دار، وحددنا المساحات المطلوبة، وأعطينا فرصة لدُور ناشئة تُعتبر حديثة مقارنة بدور نشر لها عراقة تاريخية”. وشهدت النسخة الأخيرة من المعرض ضجة سياسية، إذ أثار عرض ملصق للقائد السابق لـ”فيلق القدس” الإيراني اللواء قاسم سليماني في جناح إحدى دور النشر جدلا واسعا. المنظمون يشددون على حياد المعرض الذي يشكل فضاء ثقافيا رحبا للجميع يجب ألاّ يتصف بلون معين وجاء المعرض في نسخة مارس المنقضي بثوب مختلف، ثوب ممزق بالعراك والجدل والخصومات، على ضوء ما يشهده من هيمنة الجانب السياسي على الثقافي، وانتشار الكتب الأيديولوجية والأجنحة الإيرانية على حساب غيرها، علاوة على الاحتفاء بالسياسيين بدل المثقفين. وتكفي جولة صغيرة في معرض بيروت الدولي للكتاب، كما أشار الكثير من زواره، لتطالعك المكتبات الإيرانية، مكتبات تتزين أغلبها بصور الخميني وخامنئي وعسكريين وسياسيين إسلاميين تحديدا. وعلقت زائرة في نقل مباشر عبر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلة “أحس بأنني في طهران.. هذا معرض طهران للكتاب لا بيروت”، مضيفة في سخرية أنها أحست بالسعادة لوجود دور نشر لبنانية قليلة وسط “طوفان” من الدور الإيرانية والكتب والصور التي تعلقها. وظل المعرض طيلة السنوات الأخيرة يتقهقر ويفقد أهميته العربية والدولية نظرا إلى توسع الوجود الإيراني السياسي فيه. لا تحضر إيران كدولة تقدم ثقافتها كبقية الدول في معارض الكتب، بل تحضر بكل ثقلها السياسي، وما استعمال صور السياسيين الإيرانيين أو أتباعهم مثل حسن نصرالله في لبنان، واستحضار صور عسكريين، إلا دليلا على أنه لا علاقة للأمر بالثقافة. واعتبرت السنيورة أن ما حدث في الدورة السابقة في هذا الشأن “لم يكن مقبولا”، مؤكدة أن “الكل سيلتزم طبيعيا بشروط الاشتراك، وهذا معرض كتب فقط ليس لملصقات ومواقف سياسية”. وشددت على “حياد المعرض” الذي يشكّل “فضاء ثقافيا رحبا للجميع” و”يجب ألاّ يتصف بلون معين”، مشيرة إلى أن الإدارة تمنت على كل دور النشر “التقيد باحترام المكان والثقافة والرأي الآخر”.
مشاركة :