بدأت الغيوم الاقتصادية السوداء بالتلبّد، فالحرب على أوكرانيا أسهمت في نقل التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ أكثر من 40 عاماً، في حين لجأت البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، ما أثر بشكل سلبي على نمو الأسواق. في 26 يوليو، حذّر صندوق النقد الدولي من أن العالم قد يفقد توازنه قريباً نتيجة الركود الاقتصادي العالمي والمدفوع بتراجع حركة أكبر ثلاث اقتصادات في العالم وهي: الولايات المتحدة والصين وأوروبا. بعد يومين من هذا التصريح، أظهرت البيانات أن الولايات المتحدة قد تكون بالفعل تعاني من حالة ركود بعد أن تقلص اقتصادها لربعٍ ثانٍ على التوالي في الأشهر الثلاثة الماضية حتى يونيو. أما بالنسبة إلى تداعيات تلك الأزمات على المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فتكاد تكون واضحة. ففي حين أن الأسهم الخليجية كانت أكثر مرونة مقارنة بالعديد من دول العالم في عام 2022، حيث ارتفعت بنسبة تقارب 12% منذ بداية العام مقارنةً بانخفاض وصل إلى 14% لمؤشر ستاندرد أند بورز 500، فإن مستثمري الشرق الأوسط يميلون إلى الاحتفاظ بمعظم أموالهم في الخارج، ما يعني أن ضرر الأزمة العالمية قد طال أموالهم بالفعل. وبحسب الاستبانة التي أجرتها شركة «تولونا» ونشرتها في شهر أبريل، فإن ثلث سكان الإمارات العربية المتحدة استثمروا في العملات المشفرة نظراً إلى شدة شغفهم بالأصول الرقمية، كما أن الإماراتيين ينوون تخصيص ربع الأصول القابلة للاستثمار للعملات المشفرة، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 20%. ومع ذلك، قد لا يكون الآن هو الوقت المناسب للمراهنة على العملات المشفرة بكل ما نملك. فعلى الرغم من الارتفاع الضروري الذي شهدته عملة البيتكوين في شهر يوليو، فإن هذه العملة المشفرة الأكثر تداولاً فقدت 65% من قيمتها منذ أن بلغت ذروتها لتصل إلى 70,000 دولار في نوفمبر. إن قرار الاستثمار في ظل الأزمات الاقتصادية ليس بالأمر السهل، فلكل انكماش معالمه الخاصة، حيث تتأرجح المشاعر وتصبح العوائد غير متساوية ومتقلبة. على سبيل المثال، اتسمت الأزمة المالية العالمية والوباء بارتفاع أسعار السندات الحكومية ذات التصنيف العالي بشكل كبير رغم انهيار الأسهم، في حين ترافقت عمليات البيع في الأسهم هذا العام مع انخفاض أسعار سندات الخزانة والسندات الحكومية الأوروبية إزاء قيام البنوك المركزية بزيادة أسعار الفائدة في محاولة للتغلب على التضخم المتسارع. وشملت البقع الاستثمارية البارزة هذا العام سوق الطرح العام الأولي النابض بالحياة في الخليج. وعلى الرغم من وجود فرص ما بشكل دائم، فإن اكتشافها في البحار الاقتصادية الهائجة يعتبر تحدياً كبيراً، وعادة ما يكون عنوان اللعبة في فترات الانكماش هو الحفاظ على الثروة، وهو ما يعني في جوهره التنوع. إن إنشاء محفظة منوعة يؤدي إلى توزيع المخاطر ويضمن عدم غرق المستثمرين بسبب انخفاضات غير متوقعة في أسعار فئة واحدة من الأسهم أو الأصول. هذا لا يعني إفراغ محفظة العملات المشفرة بالكامل أو عدم التمسك ببعض الأسهم المفضلة لديك، إنما يعني التأكد من أن حيازاتك منوعة بالقدر الكافي، والذي يجعلك لا تلاحظ تدهور شركة واحدة في محفظتك بشكل كبير. ولكن، بناء محفظة منوعة يعتبر مسألة صعبة، فبالرغم من اعتياد معظم مستثمري التجزئة على أسواق الأسهم، فإن سوق الأسهم يتسم بالترابط بشكل وثيق، لذا من غير المرجح أن تكون محفظة الأسهم المنوعة هي ملاذك الآمن في وقت الأزمات. وبالتالي، إذا كنت ترغب ببناء محفظة مقاومة للأزمات، فإنك بحاجة إلى أصول أخرى غير مرتبطة بالأسهم، مثل ديون الحكومة والشركات، والسلع، والممتلكات، والأسهم الخاصة، وصناديق التحوط، غير أن الوصول إلى الأصول البديلة ليس أمراً سهلاً أو شائعاً لدى وسيط التجزئة، كما أن محاولة فهم كل فئات الأصول الجديدة هذه أشبه بوظيفة بدوام كامل. لا يمكن التنبؤ بالأزمات الاقتصادية، ولكن مع الحيازات الصحيحة، يمكنك الاستمتاع بالاتجاه التصاعدي طالما أنه مستمر والحدّ من تداعيات الانكماش عند حصوله. ينطبق المبدأ نفسه على وقت الخروج من حالة الانكماش، حيث يمكن للأسواق الراكدة أن تبقى على حالها من فترة تبدأ من بضعة أيام وتستمر لأكثر من عام، حيث استمر أطول ركود لسوق في الولايات المتحدة مدة 630 يوماً من عام 1973-1974. يبقى الحصول على مساعدة المحترفين في هذا المجال أفضل طريقة للاستعداد لعودة ازدهار السوق. رئيس منطقة الشرق الأوسط وتركيا، ببنك إي إف جي إنترناشيونال
مشاركة :