الجيش الجزائري يستنسخ تجربة الجيش المصري في توسيع نفوذه داخل مفاصل الدولة الجزائر - يسير الجيش الجزائري نحو استنساخ تجربة المؤسسة العسكرية بمصر في توسيع نفوذه ومهامه داخل مفاصل الدولة، وهو ما يرسخ أوجه التشابه بين المؤسستين منذ الإطاحة في القاهرة بنظام الإخوان، واحتواء القيادة العسكرية الجزائرية لاحتجاجات الحراك الشعبي وتوجيهها بشكل أعاد نفوذ المؤسسة إلى سابق عهدها. وباتت المؤسسة العسكرية تهتم بمختلف الملفات والقضايا خارج مهامها التقليدية، حيث نظمت قيادة أركان الجيش ملتقى حول التطرف الديني واستعرضت جهود الدولة في الحرب على الإرهاب ميدانيا وفكريا، لاسيما تجفيف المنابع الأيديولوجية للظاهرة، وهو ما يعتبر تحولا لافتا في مهام وأداء المؤسسة. ويجسد هذا الملتقى توسع حضور المؤسسة العسكرية في مختلف المجالات، كما هو الشأن بالنسبة إلى نظيرتها المصرية، الأمر الذي يصنع منهما مدرسة واحدة ظاهرها المهام التقليدية للجيوش العادية، وباطنها التغلغل داخل مؤسسات الدولة رغم الاعتراضات والمآخذ التي تثار من طرف النخب السياسية والأهلية. واعتبر قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة أن “التطرف ظاهرة تاريخية تتميز بالتحوّر والتعقّد، كما أنها تأخذ أشكالا تعبيرية مختلفة، وتقوم على منطلقات فكرية وعقائدية متباينة، حسب الزمان والمكان، ولكنها تشترك في بعض المنطلقات القائمة على الاعتقاد الخاطئ بامتلاك الحقيقة، ورفض الآخر ونبذه، واتخاذ سلوكات تعبيرية بالخطاب أو بالأفعال القائمة على الكراهية، بل وحتى على العنف الذي قد يصل إلى حد الإرهاب”. وأضاف لدى افتتاحه ملتقى “جيوسياسية التطرف: المنطلقات والتهديدات والتحديات وآليات المجابهة” الذي عقد في نادي الجيش بضاحية بني مسوس في العاصمة، أن “ظاهرة التطرف غير مرتبطة بديانة دون أخرى، أو بمجتمع دون غيره أو حتى بأيديولوجية دون سواها، والاستغلال الخاطئ أو الوظيفي للأفكار والقناعات يؤسس لمسارات تهدد الهوية والفكر، بل وحتى استقرار الدول”. وجاء الملتقى كفعالية ثانية تنظمها المؤسسة العسكرية الجزائرية في ظرف أسبوع بعد ملتقى “دور الإعلام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية” الذي حمل رسائل مبطنة للدوائر السياسية والإعلامية الأميركية والفرنسية التي تناولت في الأسابيع الأخيرة قضية الهوية الحقيقية لما عرف بجماجم قادة المقاومة التي سلمتها فرنسا للجزائر صيف العام 2020. ويبدو أن المؤسسة بصدد توسيع حضورها ومهامها لتشمل مختلف القضايا والملفات الأخرى، رغم ما يثار حول ما يعرف بـ”تغوّل” المؤسسة العسكرية والاستحواذ على دور المؤسسات الأخرى، بينما تراه هي انفتاحا على المجتمع وإسهاما إيجابيا في بنائه. يبدو أن المؤسسة بصدد توسيع حضورها ومهامها لتشمل مختلف القضايا والملفات الأخرى، رغم ما يثار حول ما يعرف بـ"”تغوّل" المؤسسة العسكرية وتم تكريس الملتقى لظاهرة التطرف الديني كمناخ ملائم لظهور وتطور الإرهاب، وإذ دأبت المؤسسة على محاربة الظاهرة على الأرض، فإن الانتقال للتداول حول الأسباب الفكرية والأيديولوجية التي أدت إلى بروز العنف والعمل المسلح كأداة للتعبير عن الأفكار والمواقف، يعتبر تحولا لافتا في نشاط ومهام المؤسسة العسكرية الجزائرية التي باتت تزاحم المؤسسات السياسية والأهلية في مهامها ونشاطها. وعرّج المتحدث على “تجربة بلاده في معالجة التطرف من خلال مكافحة ظاهرة الإرهاب، حيث تمكنت من إفشال الإستراتيجيات الخبيثة التي استهدفت كيان الدولة عن طريق هذه الآفة الدخيلة على المجتمع الجزائري، لاسيما المساهمة الدبلوماسية في تعزيز الوعي الدولي بالطبيعة الإجرامية للإرهاب”. وأضاف “لقد عانت الجزائر لعشرية كاملة من ويلات الإرهاب الدخيل الذي هدد أركان الدولة الوطنية ونظامها الجمهوري، وسلامة المجتمع وتجانسه وتماسك هويته، وخرب اقتصادها، لكن بفضل الله تعالى وبفضل رفض المواطنين للأجندات المتطرفة والإرهابية، وكذلك تمسك الشعب بوطنه ونظامه الجمهوري، تمكنت الجزائر من إفشال الإستراتيجيات الخبيثة التي استهدفت كيان الدولة عن طريق الإرهاب”. ولفت إلى أن “الجزائر انتصرت بمواطنيها وجيشها الوطني الشعبي ومؤسساتها على الإرهاب لوحدها، وتمكنت من تطوير تجربة فريدة في مكافحة هذه الآفة والوقاية منها، سواء على المستوى العملياتي، أو عن طريق تطوير مقاربة وطنية متكاملة ومتعددة الأبعاد، كما ساهمت الدبلوماسية الوطنية في تعزيز الوعي الدولي بالطبيعة الإجرامية للإرهاب، وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات والمبادرات الإقليمية والجهوية، وكذلك القرارات الأممية الداعمة للمجهودات المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله من أجل منعِ تفاقم التهديد وانتشاره”. ولم يفصل المتحدث في طبيعة المقاربة متعددة الأبعاد، خاصة في ما تعلق بالحلول السياسية التي وفرتها مبادرات الوئام المدني العام 1999 وقانون المصالحة الوطنية العام 2005، وقبلهما قانون الرحمة في منتصف تسعينات القرن الماضي، وهي مشاريع تطلبت رعاية سياسية من قيادة البلاد، لأن التيارات متشددة داخل الجيش والطبقة السياسية آنذاك كانت ترفض أي تسوية مع الإسلاميين المسلحين. كما أنه لم يشر إلى مشروع “لم الشمل” الذي من بين أهدافه احتواء حالات موروثة عن الحقبة المذكورة، وتتعلق بإسلاميين مسلحين سلموا سلاحهم لكن الإجراءات الإدارية لم تمكنهم من الاندماج في المجتمع مجددا، وهو ما كان قد أشار إليه الرئيس عبدالمجيد تبون في أحد تصريحاته لوسائل إعلام محلية. ولا يزال الخطاب الديني المتداول في المجتمع، ومحتوى المنظومة التربوية، وأداء القطاعات الثقافية والفنية بعيدا عن التخلص التام من موروثات التطرف الديني رغم جهود السلطة في إصلاح جذري لكل منابع التدين والتعبير، وهو ربما ما تريد المؤسسة العسكرية الخوض فيه كما خاضت في قضايا الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ودور الأئمة.. وغيرها.
مشاركة :