فما أن سجل نجم أسود الأطلس أشرف حكيمي ركلة الترجيح (3-1) التي حسمت المواجهة، علت صرخات الفرح والزغاريد ومنبهات السيارات في شوارع الدار البيضاء كما في وسط العاصمة الرباط، التي توقفت فيها الحركة تقريبا طيلة مدة المباراة التي تصدرت الاهتمامات في الأيام الأخيرة. قال عماد آيت أونجار الذي تابع المباراة في مطعم إيطالي امتلأ عن آخره بالدار البيضاء "كنا ملايين المغاربة وراء المنتخب، هذا الفريق يعبر عن روح ووحدة". وأضاف مبتهجا "هذا انتصار للمغرب لإفريقيا وللعالم العربي وكل الأمم التي آمنت بحظوظنا، نحن فخورون بكوننا مغاربة". وبات المغرب أول منتخب عربي يحقق هذا الانجاز ورابع منتخب إفريقي بعد الكاميرون (1990) والسنغال (2002) وغانا (2010). وهذه أفضل نتيجة لمنتخب عربي في تاريخ المونديال، بعد بلوغ المغرب (1986)، السعودية (1994) والجزائر (2014) ثمن النهائي سابقاً. وهو آخر منتخب إفريقي باق في المنافسة بعدما أقصت انكلترا منتخب السنغال في دور ثمن النهائي. بدورها أعربت الشابة لمياء أفريا (24 عاما) عن فرحتها قائلة "لا أستطيع أن أصدق، هذا الفريق صنع معجزة". ونقلت وسائل إعلام محلية فيديوهات احتفالات في شوارع الكثير من المدن. وهنأ الملك محمد السادس أعضاء المنتخب في اتصال هاتفي مع رئيس الاتحاد المغربي فوزي لقجع "على مسارهم وتأهلهم التاريخي"، داعيا إياهم إلى "الحفاظ على نفس النهج في هذه المسابقة، ومواصلة تشريف كرة القدم الوطنية ورفع العلم الوطني عاليا". كذلك عمت الفرحة مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد انتهاء المباراة التي شهدت ندية عالية. وكتب أحد رواد فيسبوك "بكل بساطة هذا هو أقوى وأحسن لقاء لعبه منتخب عربي أو إفريقي في تاريخ كأس العالم"، وأضاف آخر "هذا الفريق يتجاوز أفق أحلامي.. "شكرا لهؤلاء الأبطال الذين نشروا الفرح في كل البيوت". "قوة ناعمة " وأثارت مباراة المغرب مع إسبانيا التي تبعد 14 كيلومترا فقط عن أقرب حدود بين البلدين، اهتماما وحماسة كبيرين طيلة الأيام الماضية حيث ظلت الجماهير تترقب مواجهة صعبة، رغم التفاؤل والحماس الذي خلفه تأهل أسود الأطلس إلى دور ثمن النهائي متفوقين على كرواتيا وصيف البطل في المونديال الماضي وبلجيكا التي كانت بين المرشحين للمنافسة على اللقب. واكتسبت المواجهة نكهة خاصة كون البلدين يرتبطان تاريخيا بعلاقات ثقافية عميقة وعلاقات سياسية معقدة تخللتها لحظات توتر ووئام على مدى قرون، فضلا عن وجود جالية مغربية مهمة باسبانيا. وبعد خلاف دبلوماسي استمر سنة تقريبا بسبب قضية الصحراء الغربية، عادت المياه إلى مجاريها بين البلدين في منتصف آذار/مارس. والعلاقات غنية بين البلدين أيضا على صعيد كرة القدم حيث يحظى الدوري الاسباني بشعبية كبيرة في المغرب، مع انقسام الجماهير بين أنصار العملاقين ريال مدريد وبرشلونة. كذلك، يلعب الكثير من المغاربة في الدوري الإسباني مثل الحارس ياسين بونو والمهاجم يوسف النصيري في إف سي اشبيلية، فضلا عن المدافع جواد الياميق في بلد الوليد والجناح عبد الصمد الزلزولي لاعب أوساسونا. في المقابل، ولد نجم المنتخب أشرف حكيمي في مدريد وترعرع فيها ولعب في صفوف ناديها الأشهر ريال مدريد. وخلف أسود الأطلس شغفا عارما في المملكة التي تحظى فيها كرة القدم بشعبية واسعة، منذ بدء البطولة، مساهما أيضا في إشعاع البلاد في الخارج. وكتبت صحيفة "ليكونوميست"، "البلد في حاجة أكثر من أي وقت مضى لاستغلال هذه القوة الناعمة ليس فقط إزاء الأجانب، لكن أيضا وخصوصا إزاء أبنائه". وتجاوز هذا الدعم حدود المغرب إلى بلدان عربية، في أول مونديال يقام في بلد عربي، مع تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية فيديوهات لاحتفالات وفرح في عفرين بسوريا وغزة في الأراضي الفلسطينية... حتى أن فنانين في حفل زفاف فلسطيني ارتجلوا أغنية احتفاء بأسود الأطلس. واحتفل لاعبو المنتخب المغربي بفوزهم على اسبانيا برفع العلم الفلسطيني على أرض الملعب. كذلك تم تداول فيديو من مدينة جيجل الجزائرية يظهر مواطنين جزائريين يؤكدون مساندتهم المنتخب المغربي ضد اسبانيا وتفاؤلهم بإمكانياته، رغم القطيعة الدبلوماسية بين الدولتين. وهنأ عدة لاعبين دوليين جزائريين أيضا المنتخب المغربي بالإنجاز الذي حققه. وكتبت صفحة "دي زد فوت" الجزائرية على تويتر "بعيدا عن كل منشورات الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعية، الشعب الجزائري وراء الشعب المغربي (...) إخوتكم وجيرانكم معكم".
مشاركة :