تحدَّثتُ مرات عديدة عن ضرورة أن نخفف بعض الشيء من حساسيتنا تجاه الانتقادات والحملات الإعلامية المسيئة، وفي كل مرة من تلك المرات كنت أتلقَّى آراءً مخالفة، حيث يرى البعض أن من المهم الرد على كل مقال كاذب، وتفنيد كل حملة إعلامية جائرة، أو معلومة زائفة. ومع أن هذه الآراء لها ما يدعمها من مبررات، إلا أنه من المهم إيضاح أن هناك في واقع الأمر بدائل وخيارات مختلفة بهذا الصدد، أشير فيما يلي إلى خمس منها: أولا: التجاهل ويتميَّز هذا البديل بكونهِ بمثابة قطع للأكسجين عن المعلومة الكاذبة، وعدم منحها ترويج مجاني ربما أنها تنشده وتسعى إليه. كما أنه من ناحيةٍ أخرى لا يمنح المعلومة أو ناشرها أهمية ومصداقية لا يستحقها. مشكلة هذا البديل هو أنه يمكن أن يسمح للمعلومة بالانتشار دون تفنيد، كما أن البعض قد يُفسِّره بالافتقار للرد الملائم أو للشجاعة. وهنا تكمن الخبرة والمهارة في كيفية التعامل وأسلوبه وتوقيته. فمع الرصد الجيد للمعلومة ودرجة انتشارها، وحجم ونوع التفاعل معها، يمكن اتخاذ القرار المناسب. ثانيا: ترك طرف آخر يقوم بالرد بعض الأخبار الكاذبة لا ينبغي منحها حجماً أكبر من الذي تستحقه، وهي غالباً ستجد مَن يقوم بتفنيدها، خاصةً على شبكات التواصل الاجتماعي. وهذا الخيار يبعد المسؤول والمنظمة عن الانزلاق لمستنقع يرغب ناشر المعلومة في جرهم إليه. ثالثا: التعرية في بعض الحالات يكون من الضروري كشف زيف وكذب المعلومة، وعدم السماح لها بالانتشار، خاصةً عندما يمكن أن تتسبَّب في أي أضرار حال انتشارها. وهنا يكون لزاماً الرد، ليس بمجرد التكذيب، ولكن بإيضاح الحقائق، وكشف الأهداف السيئة لناشريها. المشكلة أحياناً هي أن مَن يقوم بالنشر يُدرك أنه سيتم الرد عليه بالحقائق، لكنه يُدرك أيضاً أن الأخبار الزائفة، خاصةً تلك التي يتم تغليفها بتفاصيل عاطفية ونفسية محددة ومدروسة سلفاً، سوف تجد انتشاراً أكبر بكثير من انتشار المعلومة التي تُكذِّبها وتُصحِّحها. هذا الأمر ينبغي أخذه في الاعتبار، بحيث يتضمن الرد حقائق حاسمة قادرة على مواجهة المعلومة وتأثيراتها العاطفية. رابعا: السخرية والازدراء يستخدم بعض الدبلوماسيين السخرية في ردّهم على خصومهم، وهو أسلوب يمكن أن يتسم بالفاعلية، ويُحفِّز على انتشار الرد، والتقليل من مصداقية وأهمية الخصم. هذا الأسلوب رغم فاعليته، إلا أنه ينبغي عدم المبالغة في استخدامه، لكون ذلك قد يعطي انطباعاً عكسياً، خاصةً عندما يتم استخدامه في مواقف لا يتقبَّل الجمهور التعامل معها بالسخرية، أو بالازدراء. خامسا: هدم المصداقية الهدف من هذا الأسلوب هو كشف تناقضات الرسالة وانحيازها، وعدم نقاء المُرسِل وتاريخه المتعلِّق بالموضوع. خلاصة القول: إن من المهم دراسة كل حالة وظروفها بشكلٍ جيِّد، وذلك قبل اختيار أسلوب التعامل معها. وبالإمكان دوماً المزج بين أكثر من أسلوب، والانتقال من أسلوبٍ إلى آخر وفقاً لتطورات الموقف، ونتائج رصد المعلومة وتأثيراتها.
مشاركة :