كشف المجلس الرئاسي الليبي عن مبادرة لحل الأزمة السياسية في البلاد، وذلك إثر تعطّل المباحثات المرتقبة بين عقيلة صالح وخالد المشري، رئيسَي مجلسي النواب و«الأعلى للدولة»؛ بسبب إقرار الأول قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا. وعشية إعلان المجلس الأعلى للدولة تعليق مباحثاته مع مجلس النواب على مستوى الرئيسين، ووقف أعمال «اللجنة المشتركة» المعنية ببحث «المسار الدستوري»، أعلن «الرئاسي» عن مبادرة، كشف عنها أمس، وقال إنها تستهدف عقد «لقاء تشاوري بين المجالس الثلاثة بالتنسيق مع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي». وأوضح المجلس الرئاسي، أن مبادرته، التي جاءت تحت مسمى «مقاربة المجلس الرئاسي لتجاوز الانسداد السياسي وتحقيق التوافق الوطني» «تهيئ لحوار دستوري كأولوية لإنهاء المراحل الانتقالية، تُضمّن فيه المبادرات والأفكار والرؤى، التي طرحتها الأحزاب والقوى الوطنية على المجلس الرئاسي». مشيراً إلى أن هذا الطرح يأتي «اتساقاً مع نصوص خريطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي الحاكمة للمرحلة»، و«انطلاقاً من المسؤولية الأخلاقية الواقعة على المجلس الرئاسي». كما أكد المجلس «حرصه على إنجاز التوافق بين مجلسي النواب و(الأعلى للدولة) لإصدار قاعدة دستورية، تؤسس لانتخابات برلمانية ورئاسية، وتعالج النقاط الخلافية العالقة في ظل استمرار تعثر إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور، بموجب التعديل العاشر للإعلان الدستوري واتفاق الغردقة، الذي جرى بين مجلسَي النواب والأعلى للدولة، برعاية الأمم المتحدة، واستضافة مصر». وتساءل وكيل وزارة الخارجية السابق، حسن الصغير، عن طبيعة المبادرة التي طرحها المجلس الرئاسي، الذي قال، إنه من مخرجات الحوار السابق (الصخيرات)، وقال، إن «المنفي في السلطة منذ انتخاب المؤتمر الوطني عام 2012، ونائبها عبد الله اللافي في السلطة منذ انتخاب البرلمان سنة 2014، بينما موسى الكوني هو عضو بالمجلس الرئاسي السابق والحالي منذ عام 2015». مضيفاً بلهجة مستنكرة «هؤلاء الثلاثة اقترحوا حلاً مع البرلمان، الذي يمارس سلطاته منذ عام 2014، ومجلس الدولة الموجود منذ عشر سنوات والبعثة الموجودة منذ 2012». وعقب إقرار مجلس النواب الليبي قانون المحكمة الدستورية العليا، الثلاثاء الماضي، تصاعدت وتيرة الاعتراضات، خاصة من المجلس الأعلى للدولة، ورئيسه المشري، التي اعتبر القانون «معيباً»، معلناً تعليق مباحثاته مع صالح لحين إلغائه. واعتبر مجلس الدولة، عقب اجتماع ضم المشري ونائبيه ناجي مختار وعمر بوشاح، مساء أول من أمس، سنّ قانون باستحداث المحكمة الدستورية العليا، الذي أصدره مجلس النواب «هو والعدم سواء»، معلناً «البدء في إجراءات الطعن الدستوري عليه»، وعقد اجتماع عاجل لمجلسهم الأحد المقبل لدراسة الإجراءات المتخذة بهذا الشأن. ووفقاً للقانون الجديد للمحكمة، «لا يجوز الطعن بعدم دستورية القوانين إلا من طرف رئيس مجلس النواب، أو رئيس الحكومة، أو 10 نواب أو 10 وزراء»، «على أن تحال كل الطعون المرفوعة أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في طرابلس إلى المحكمة الدستورية ببنغازي، بمجرد صدور قانون تشكيلها». واعتبر الدكتور الكوني، علي اعبودة، الأكاديمي الليبي وأستاذ القانون، أن موافقة مجلس النواب على قانون إنشاء المحكمة الدستورية، هو بمثابة «سكب الزيت على النار، ويزيد المشهد السياسي تعقيداً». وقال في تصريح صحافي، أمس، إن أي قانون يتعلق بمحكمة دستورية «صار خارج الولاية التشريعية من تاريخ انتخاب هيئة صياغة مشروع الدستور»، ورأى أن القضاء المتخصص «لا يأتي بجرّة قدم، أو بمجرد الرغبة أو الحلم، وإنما بعملية تراكمية تتطلب تأهيلاً أساسياً وآخر مستمراً». لافتاً إلى أن «هذا يتطلب زمناً واستقراراً تفتقر إليهما ليبيا راهناً... وما ينقصنا ليس المحكمة الدستورية، بل شرعية جديدة لجميع السلطات، ورحيل المتصدرين للمشهد؛ لكونهم سبب وصول ليبيا إلى ما وصلت إليه، وتحولها إلى دولة فاشلة بامتياز». وانتهى اعبودة إلى أن «الفائدة الوحيدة التي حصل عليها الليبيون من المراحل الانتقالية هي معرفتهم بأهمية التفكير قبل الإدلاء بالصوت في الصندوق لكي لا تتكرر المسرحية، التي ملوا مشاهدتها لعدميتها». وفشل صالح والمشري في عقد لقاء بالقاهرة مرتين، علماً بأنهما أعلنا في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي توافقهما في لقاء سابق بالمغرب على «تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة، المتعلق بالمناصب السيادية في غضون الأسابيع المقبلة، على ألا يتعدى نهاية السنة في كل الأحوال». وكانت الأطراف المتنافسة في ليبيا قد اجتمعت في بوزنيقة المغربية في سبتمبر (أيلول) 2020 للاتفاق على توزيع المناصب السيادية، وكذلك وقف إطلاق النار.
مشاركة :