ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حليفه حزب الله، إلا أن التصعيد الأخير قد يمهد لقطيعة سياسية خاصة وأن لدى حزب الله خيارات بديلة للمضي قدما في إنجاز الاستحقاقات الدستورية. بيروت - عاد التصعيد بين التيار الوطني الحر وحزب الله في لبنان إلى الواجهة ليطرح تساؤلات بشأن مستقبل تحالفهما. وفيما يذهب مراقبون إلى أن التصعيد الأخير يمثل بداية قطيعة سياسية بين الطرفين، يرى آخرون أن الحزب الذي يدعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة لبنان لن يفرط في التيار الوطني الحر في ظل وجود خلافات مع البيئة المسيحية لا تخدم أجنداته. ويشير مراقبون إلى أن حزب الله يعمل خلف الكواليس لحل معادلة صعبة تتمثل في دعم فرنجية لرئاسة لبنان مع المحافظة في الآن ذاته على التحالف مع التيار الوطني الحر ورئيسه باسيل الطامح أيضا لخلافة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون. لدى حزب الله القدرة على الذهاب إلى خيارات بديلة بعيداً عن التيار الوطني الحر في مقاربة الاستحقاق الرئاسي المتعثر وقال حزب الله في بيان الخميس، إنه لم يَعِد أحدًا بعدم حضور الجلسات الطارئة للحكومة، وذلك ردا على اتهامات بالغدر ونكث الوعود وجهها له حليفه باسيل. وأوضح الحزب أنه “لم يقدّم وعداً لأحد بأن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع”. وأضاف أنه “لم يقدّم كذلك وعداً للتيار الوطني الحر بأنّه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراؤه (التيار)”. وتابع “قلنا بوضوح إنّ الحكومة لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة، وفي حال اجتماعها، فإنّ قراراتها ستؤخذ بالإجماع”. وفي معرض الرد على باسيل قال الحزب إن “الصادقين (في إشارة إلى نفسه) لم ينكثوا وعدًا، وقد يكون الأمر التبس على الوزير باسيل، فأخطأ عندما اتهم الصادقين بما لم يرتكبوه”. اقرأ أيضا: إضراب القضاة في لبنان يعلّق مصير المواطنين الموقوفين ورأى الحزب أن “مسارعة بعض أوساط التيار إلى استخدام لغة التخوين والغدر والنكث، خصوصًا بين الأصدقاء، هو تصرّف غير حكيم وغير لائق”. والثلاثاء قال باسيل في مؤتمر صحافي إنّ “جلسة مجلس الوزراء (الاثنين) غير دستورية وغير شرعية وغير ميثاقية”، معتبراً أنّها “إعدام للدستور وضربة قاتلة للطائف وطعنة لاتفاق وطني حصل وأُعلن عنه في مجلس النواب”. وأضاف “مشكلتنا مع الصادقين (يقصد حزب الله) الذين نكثوا الاتفاق والوعد والضمانة، وهذه ليست المرة الأولى، أقلّه في الفترة الأخيرة”. والاثنين الماضي عقدت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية جلسة هي الأولى لها منذ شغور منصب رئاسة الجمهورية نهاية أكتوبر الماضي شارك فيها حزب الله ورفضها التيار الوطني الحر. وبحسب الوزراء المعارضين لانعقاد الجلسة “لا يسمح الدستور لحكومة تصريف الأعمال بأن تتسلّم صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي فاقدة للصلاحيات الدستورية وللثقة البرلمانية”. ومنذ سبتمبر الماضي أخفق البرلمان اللبناني 9 مرات في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً لميشال عون الذي انتهت ولايته في الحادي والثلاثين أكتوبر الماضي. معادلة صعبة معادلة صعبة ولا يمكن النظر إلى تداعيات جلسة مجلس الوزراء بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي، نظراً إلى أن الاعتراضات عليها من جانب القوى المسيحيّة تحديداً ستعزز ضرورة الإسراع في الذهاب إلى انتخاب رئيس جديد، وهو ما كان التيار الوطني الحر من أبرز الداعين إليه، في حين أن موقف حزب القوات اللبنانية بالإضافة إلى مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي التي تأخذ منحنى تصاعديا بوجه من يصفهم بالمعرقلين. ولم يذهب حزب الله إلى الإعلان عن تبني ترشيح فرنجية بشكل رسمي حتى الآن، مراهنا على عامل الوقت، في سياق السعي لتأمين الأرضية المناسبة لانتخابه، سواء كان ذلك عن طريق إقناع التيار الوطني الحر بالسير به أو من خلال بروز معطيات دولية وإقليمية تصب في صالحه. وتشير مصادر سياسية إلى أنه بعد الأزمة التي برزت بعد جلسة مجلس الوزراء بات من الصعب تصور التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر على اسم فرنجية، خصوصاً أن وزراء تيار المردة كانوا من بين الذين ساهموا في تأمين نصاب انعقاد الجلسة. حزب الله يعمل خلف الكواليس لحل معادلة صعبة تتمثل في دعم فرنجية لرئاسة لبنان مع المحافظة في الآن ذاته على التحالف مع التيار الوطني الحر ولفتت المصادر إلى أنّ التوتر في العلاقة بين الحزب والتيار، خصوصاً بعد المواقف التصعيديّة من جانب الأخير، لن تكون مساعدة في هذا المجال. ومن بين الكتل النيابية المعارضة، هناك من يعتبر أنه من الممكن الاستثمار في هذا الخلاف، خصوصاً لناحية السعي لفتح قنوات اتصال، ولو بصورة غير مباشرة، مع رئيس التيار الوطني الحر بهدف الاتفاق على اسم لرئاسة الجمهورية، لاسيما أن حزب الله عاجز في ظلّ هذا الخلاف عن تأمين الأغلبيّة اللازمة لتأمين فوز مرشحه في الاستحقاق الرئاسي. وفي المقابل هناك من يعتبر أن هذا الواقع يعطي حزب الله أيضاً القدرة على الذهاب إلى خيارات بديلة بعيداً عن التيار الوطني الحر، منها الاتفاق مع الأفرقاء الآخرين حول كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي، لكن المصادر السياسية المطلعة تشدّد على أن هذا الأمر من المستبعد أن يكون على اسم فرنجية، نظراً إلى أن غالبية القوى المعارضة تعتبر أنه من المرشحين المحسوبين على فريق واحد، بينما التسوية من المفترض أن تكون على مرشح وسطي. وبين السيناريوهين، تلفت المصادر نفسها إلى أن هناك سيناريو ثالثا يقوم على معادلة الذهاب إلى معالجة الخلافات القائمة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لمنع تفاقم الأمور، لكنها تستبعد أن تكون هذه المعالجة على أساس الاتفاق على السير بترشيح فرنجية وبالتالي من المفترض أن ينطلق البحث أيضاً من عمليّة طرح الخيارات البديلة على بساط البحث، الأمر الذي كان التيار الوطني الحر قد أبدى استعداده لأن تكون بالتفاهم مع سليمان فرنجية.
مشاركة :