يعتبر جزء من تجربة مشاهدة كأس العالم لكرة القدم، أنه عند حدوث أدنى تلامس جسدي بين لاعب ما ولاعب خصم، يلقي الأول بنفسه على الأرض ويتلوى متألماً بصورة وهمية، ويمسك بجزء من الجسم (كاحل أو ركبة) باعتبار أنه تعرض للاعتداء. وطوال الوقت، يسترق النظر إلى الحكم خلسة، ليرى ما إذا كان قد استطاع خداعه لمنحه ركلة جزاء، أو حتى طرد خصم من المباراة، وهو الخيار الأفضل له. وفيما يخص الكثير من الأميركيين، لم يكن المضحك في كأس العالم الخسارة أمام الهولنديين، وإنما كان هذا التصنع المخزي من جانب اللاعبين. في الواقع، من المحتمل أن يجد المتابعون الجدد لكرة القدم صعوبة في استيعاب مثل هذه التمثيليات، فهناك بعض اللاعبين الكبار، منهم رونالدو البرتغالي ولويس سواريز مهاجم منتخب أوروغواي، اشتهروا منذ فترة طويلة بمثل هذا الأداء التمثيلي، ذلك أنهم يلقون أنفسهم على الأرض مع أدنى عرقلة، على أمل احتساب خطأ على اللاعب الخصم. الأسبوع الماضي، وخلال مباراة الولايات المتحدة وهولندا، أمضى اللاعب الهولندي دينزل دومفريس 20 ثانية كاملة وهو يتلوى على الأرض في منطقة جزاء المنتخب الأميركي، ليعود بعد ذلك إلى الحياة ويجري مرة أخرى بمجرد أن أصبح واضحاً أن الحكام لم ينخدعوا بتمثيله. وفي الآونة الأخيرة، أُضيف إلى هذه التمثيلية بُعد أكثر سوءاً، مع شروع اللاعبين في التظاهر بإصابة خطيرة لتدعيم تمثيليتهم المصطنعة. هل نسي هؤلاء الرياضيون المتفوقون عالمياً شرفهم؟ بالتأكيد لا يمكنهم أن يفخروا بمثل هذه الأعمال الخادعة بوضوح. ومع ذلك، ربما يكون هذا مجرد رد فعل ضيق الأفق لسلوك غير مألوف، ففي النهاية، يرتب الناس حياتهم بشكل مختلف في مناطق مختلفة من العالم. يجب أن نحرص على عدم الخلط بين ما هو غريب وما هو لا أخلاقي. إنَّ الرياضة على وجه التحديد تبين بشكل واضح أن الأعمال التي قد تكون مقبولة في سياق ما يمكن أن تبدو مرفوضة في سياق آخر، وتقدم الرياضة الأميركية الكثير من الأمثلة على الممارسات المقبولة التي يعتبرها الأجانب أقل قبولاً؛ حيث يسعد لاعبو كرة السلة بارتكاب أخطاء صارخة لإيقاف عقارب الساعة، ويطلب مدربو كرة القدم وقتاً مستقطعاً «لتهدئة» اللاعب الهداف (نظرياً، لممارسة المزيد من الضغط على الخصم)، ويُعاقب لاعبو الهوكي بعقوبات لمدة خمس دقائق بسبب معارك بالأيدي تمنع لاعبي كرة القدم لموسم. ولا يُستثنى الرياضيون الأمريكيون من خداع المسؤولين؛ ففي لعبة البيسبول، يتم تعليم صغار اللاعبين المعنيين بالإمساك بالكرة في ما يسمى «تأطير الملعب». ويسارع عشاق الرياضة إلى إدانة أخلاقيات الرموز الأخرى، لكن في الحقيقة أن الكثير من هذا هو مجرد تعصب في غير محله، ففي الرياضة، كما هي الحال في المجتمع الأوسع، تتوافق الكثير من الأعراف المختلفة مع متطلبات الأخلاق. في الواقع، قام الرياضيون في مختلف الرياضات بصياغة مجموعة متنوعة من الاتفاقات تتعلق بكيفية ممارسة ألعابهم، وبمستويات اللياقة البدنية المتوقعة، وبما إذا كانوا سيطلقون الأخطاء على أنفسهم أو يتركونها للمسؤولين، وأيضاً بالحيل المقبولة. ودائماً ما يعتبر التراجع عن تلك الالتزامات المشتركة أمراً غير لائق أخلاقياً، كما هي الحال في أي مجال من مجالات الحياة الأخرى. إن الرياضيين الذين يستخدمون الحيل التي يعرفون أن خصومهم سيتجنبونها، هم ببساطة يستغلون الثقة لتحقيق الفائدة. إلا أن هذا يترك مجالاً كبيراً فيما يتعلق بتحديد خط اللعب النظيف بالضبط، فرياضة البيسبول ليست أقل أخلاقية عن رياضة الكريكيت لمجرد أنها تفرض توقعات مختلفة على اللاعبين الذين يحتجزون الكرة. في النهاية، المشجعون الذين يتجاهلون رياضات لمجرد أن لديهم مواثيق رياضية مختلفة لا يختلفون كثيراً عن الأشخاص الذين ينظرون إلى الأجانب باحتقار لأن لديهم آداب مائدة مختلفة. قد تكون الأعراف المختلفة، في الرياضة كما في المجتمع بشكل عام، مقبولة أخلاقياً على حد سواء، لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك أعراف غير أخلاقية. إن مقولة «عندما تكون في روما، افعل كما يفعل الرومان» تأخذنا إلى هذا الحد، ففي النهاية، الرومان مارسوا العبودية وصلبوا أعداء الشعب، ولا تزال العديد من المجتمعات الحديثة تتمسك بالعادات غير الأخلاقية. نفس الشيء في الرياضة؛ فمن الواضح أن بعض الممارسات تتجاوز النطاق الأخلاقي، فعندما كشفت فضيحة باونتيجيت عام 2012 عن قيام فريق نيو أورليانز سينتس التابع للدوري الوطني لكرة القدم الأميركية بدفع مكافآت للاعبين لإصابة خصومهم، لم يحاولوا الدفاع عن أنفسهم بحجة أن الجميع يفعل ذلك. إن المحاولة المتعمدة لإيذاء الخصوم الرياضيين ليست مثل «تأطير الملعب»، إنه ليس الشيء الذي يمكن اعتباره في إطار الممارسة الرياضية الصحية، مثل العبودية التي لا يمكن تضمينها في إطار مجتمع مدني سليم. أشعر بنفس الإحساس تجاه محاولة لاعبي كرة القدم لإيقاع خصومهم في المشكلات، إنه ليس مجرد خداع، لكنه محاولة معاقبة شخص ما على فعل لم يرتكبه. من الممكن أن يتمتع اللاعبون بمهارة كبيرة في خداع الحكام، لكن هذا ليس ما نحترمهم من أجله، ذلك أن أداءهم التمثيلي لا يؤدي إلا إلى التقليل من قدر المهارات الرياضية الرفيعة التي يظهرها أفضل لاعبي كرة القدم. في الأجيال السابقة، كانت الأعراف المحلية من الممكن أن تؤدي إلى انقسام، وكان السفر لمسافات طويلة أقل شيوعاً، ولم يكن لدى اللاعبين من المناطق المختلفة دائماً نفس التوقعات إزاء اللعب النظيف، وكانت كرة القدم معرضة بشكل خاص لهذا الخطر، ففي كأس العالم عام 1966، اشتهرت مباراة ربع النهائي بين إنجلترا والأرجنتين بسرعة الانفعال وسوء الأخلاق، ولم يكن اللاعبون الإنجليز مستعدين للاستفزازات وتكتيكات التأخير التي كانت في ذلك الوقت اعتيادية في أميركا الجنوبية، وبعد المباراة، وصف مدرب إنجلترا، ألف رامزي، الأرجنتينيين بأنهم «حيوانات». ورغم ذلك، وفي الوقت الحاضر، يعرف الجميع بشكل عام ما يمكن توقعه، حيث إن كبار اللاعبين من جميع أنحاء العالم في الغالب يلعبون في نفس بطولات الدوري الأوروبية، لذلك أصبحت ثقافة كرة القدم الآن متجانسة إلى حد كبير، ويشعر البعض أن هذا لا بد أن يؤدي إلى تراجع في المعايير، ذلك أن عدداً متزايداً من الممارسات المحلية المشبوهة أصبح يلقى قبولاً بشكل أكبر. إلا أنه يجب ألا يكون السباق القائم نحو القاع. في هذا السياق، تقدم رياضة تنس الرجال مقارنة إيجابية؛ في العقود السابقة من ممارسة التنس للمحترفين، كانت نوبات الغضب والشتائم هي القاعدة. إلا أنه لحسن الحظ، أصبح هذا الآن إلى حد كبير شيئاً من الماضي، ونحن لا نتوقع أن يتعامل روجر فيدرر أو رافائيل نادال أو حتى نوفاك ديوكوفيتش مع خصومهم ومسؤوليهم بأي شيء سوى الاحترام. بوجه عام، يهتم معظم الرياضيين الكبار بصورتهم وكرامتهم تماماً مثلما يهتمون بالفوز، وليس كل لاعبي كرة القدم يحاولون تحقيق الفائدة من خلال ادعاء الإصابة. وربما يقود الاهتمام العام العالمي المحيط بكأس العالم المزيد من اللاعبين إلى إدراك أنهم يحطون من قدر أنفسهم من خلال حيلهم الرخيصة.
مشاركة :