فتحت الحرب الأوكرانية، الأبواب أمام دول عدة، أرادت الانفتاح على العالم ومدّ الجسور بين الشرق الأوسط وآسيا وتوجهت لترسيخ علاقات مع الصين، ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم، ومع روسيا التي تتحدى الأحادية العالمية التي احتكرتها أميركا لعقود طويلة. ومما لا شك فيه أن أميركا مازالت الدولة الأقوى في العالم والتي تمتلك 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة على امتداد القارات المختلفة. إلا أن سياسة الرئيس جو بايدن التي دفعت روسيا نحو الحرب بهدف تدمير اقتصادها، بالإضافة إلى سلوك إدارته تجاه الشرق الأوسط التي اتسمت بـ«لا مبالاة» بأمن المنطقة واستقرارها، دفعت الدول إلى إعادة انتشار علاقاتها الدولية وإنشاء تحالفات ترعى مصالحها عبر تنويع مصادر أسواقها في مجالات متطورة عدة. وبعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية التي أعطت الديموقراطيين الغلبة غير المتوقعة في مجلس الشيوخ وخسارة بسيطة في الكونغرس، تعزز موقع بايدن وإدارته مما لا يفرض عليه تغيير توجهاته العامة التي اتبعها في النصف الأول من إدارته. وهذا يدل على أن السياسة التي يتبعها بايدن وفريقه لن تتغير تجاه الشرق الأوسط وحيال الصين وروسيا. يعتبر بايدن أن روسيا خطرة لأنها مستعدة للمواجهة العسكرية ولا تتردد بالولوج إليها مهما كانت النتائج. والدليل على ذلك، الحرب الأوكرانية التي تدور رحاها بين الغرب مجتمعاً من جهة، وروسيا من جهة أخرى، من دون أن يستخدم الطرفان كامل قواهما وقدراتهما المدمرة. فروسيا تحارب 40 دولة، مجتمعة في غرفة عمليات عسكرية واحدة في قاعدة رامشتاين الألمانية وتخطط للمعارك ولكل الخطوات التي يجب القيام بها على الأرض الأوكرانية، وتمد القوات بالمعدات والاستخبارات اللازمة في محاولة لهزيمة روسيا. ولا يتم إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة المدمرة بعيدة المدى لكي لا تخرج موسكو عن روعها وترد بأسلحة فتاكة أكثر تدميراً تجر الدول المشاركة إلى مكان آخر من الممكن أن يتدحرج إلى تصعيد أكبر بين دول العالم. ومن الجدير ذكره أن الضربات الأوكرانية - الأطلسية التي تصيب العمق الروسي، ليست بعيدة عن تخطيط وتنفيذ الحلف الغربي (بأيدٍ أوكرانية)، الحلف الذي قال إنه يدير المعركة. لكن هذه الضربات مدروسة تبعث رسائل إلى روسيا بأن الغرب يستطيع خرق الأنظمة الروسية ودفاعاتها والتصعيد أكثر إذا أراد. إلا أن موسكو هي الأخرى ترسل رسائلها التي تتمثل بالقصف بعشرات الصواريخ الدقيقة الإصابة والتي تقول إنها تستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك إذا اضطرت لذلك. وفي نهاية الأمر، مازالت روسيا تتقدم في أرض المعركة وتحتل نحو 100.000 كليومتر مربع من أوكرانيا، والرسائل والتكتيكات الغربية وكميات السلاح المتدفقة، لم تغير من واقع الأرض شيئاً سوى تأخير التقدم الروسي وليس منعه من تحقيق أهدافه. وأثبتت أميركا أنها حققت أكثر أهدافها، إلا أنها، بتحقيق هذه الأهداف، أضعفت حلفائها الغربيين الذين لم يعد هناك ذخائر في مخازنهم وهم غير مستعدين لحرب مماثلة. وقد اهتز الاقتصاد الأوروبي بقوة وتأثرت مصادر الطاقة التي أضرت بالاقتصاد وبالصناعة التي اعتمدت لسنوات طويلة على المصادر الروسية الرخيصة من الغاز والنفط. وهذا ما أعطى زخماً قوياً لدول أخرى، حليفة لأميركا مثل الهند وباكستان وغيرهما، التي رفضت فرض العقوبات على روسيا وانتعشت صناعتها على حساب الانهيار المتدحرج للصناعة الأوروبية من خلال شراء الطاقة الروسية بأسعار رخيصة بينما تشتريها أوروبا بأسعار مرتفعة جداً. وبسبب هذا الصراع، ارتفع سعر الغاز الأوروبي عشر مرات عن السعر الذي تدفعه باكستان والهند والصين والدول الأوراسية، ما سيساعد التنمية الاقتصادية والصناعية الآسيوية وتغيير مبادئ الأسواق العالمية التي سيطرت عليها الدول الغربية لعقود مضت. ومما لا شك فيه أن روسيا تستفيد من هذه العلاقة، إذ عززت تعاونها مع الهند لبناء وتأجير ناقلات النفط، وتصنيعها لتستغني عن مؤسسات التأمين التي تسيطر عليها الشركات الغربية التي تلتزم بالعقوبات، بما فيها العقوبات الأخيرة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي بما يختص النفط الروسي ونقله عبر البحار. وها هي الصين - التي تعتبرها الولايات المتحدة الخصم الاقتصادي والعسكري - توسع مواطئ قدمها، ويشارك رئيسها شي جينبينغ في قمة خليجية مهمة في الرياض، حيث وقعت السعودية عقوداً بقيمة 29.3 مليار دولار، معلناً انطلاقة تاريخية جديدة للعلاقة بين الشرق الأوسط وآسيا. والثمن الذي ستدفعه أميركا، هي مشاهدة عمالقة الطاقة من دول الخليج في تعاون متطور (30 في المئة من احتياجات الصين النفطية تأتي من الخليج) مع عملاق الاقتصاد والصناعة الصيني الذي يحتاج إلى النفط لتنويع مصادره، التي تتمثل أيضاً بروسيا وإيران والعراق، والذهاب أبعد من ذلك بعرض التبادل التجاري بالعملة المحلية، اليوان، بدل الدولار المهيمن. وإذا حصل ذلك في المستقبل، فسيكون هزة بقوة «تسونامي» للعملة الخضراء، وضربة أخرى لها بعد أن قررت روسيا بيع الطاقة بعملتها الروبل ونشط التبادل التجاري بين دول آسيا المتعددة بالعملة المحلية، من دون أن يضعف الدولار في الوقت الراهن. من جانبها، أعربت الرياض عن اهتمامها بالانضمام إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية التي تضم نحو 100 دولة والمتلائمة مع خطط التنمية السعودية المتطورة والمتجددة مع دول آسيا. ومن غير المسموح عدم ذكر قرار «أوبك+» الأخير الذي حافظ على تخفيض الإنتاج بمليوني برميل يومياً، كجزء من سياسة دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط للمحافظة على توازن في أسعار السوق بالدرجة الأولى. ولا يستبعد أن تعلن موسكو تخفيضاً إضافياً قبل نهاية السنة للجم انخفاض الأسعار كما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين. وهذا دليل آخر على التناغم العربي - الروسي مع التغييرات الحاصلة في العالم وصراع الجبابرة في عالم أصبح متعدد الأقطاب. وها هي دول الشرق الأوسط تثبت للعالم أنها قوى تتمتع بإرادة واستقلالية القرار وانها منفتحة على تعدد الأقطاب والتنوع بما يخدم مصلحتها ومن دون أن تعطي حقوق الاستثمار والاستفادة من المصادر الطبيعية ومن سياسة المنطقة لأي طرف دولي دون غيره مهما تعاظم أو تراجع دوره. فتحت الحرب الأوكرانية، الأبواب أمام دول عدة، أرادت الانفتاح على العالم ومدّ الجسور بين الشرق الأوسط وآسيا وتوجهت لترسيخ علاقات مع الصين، ثاني أكبر دولة اقتصادية في العالم، ومع روسيا التي تتحدى الأحادية العالمية التي احتكرتها أميركا لعقود طويلة.ومما لا شك فيه أن أميركا مازالت الدولة الأقوى في العالم والتي تمتلك 750 قاعدة عسكرية في 80 دولة على امتداد القارات المختلفة. لا نجاح للوساطة الروسية مع «قسد» ولا دخول تركياً قريباً إلى سورية 6 ديسمبر 2022 المحكمة الخاصة الغربية ضد روسيا... سترتدّ على أوروبا والغرب! 4 ديسمبر 2022 إلا أن سياسة الرئيس جو بايدن التي دفعت روسيا نحو الحرب بهدف تدمير اقتصادها، بالإضافة إلى سلوك إدارته تجاه الشرق الأوسط التي اتسمت بـ«لا مبالاة» بأمن المنطقة واستقرارها، دفعت الدول إلى إعادة انتشار علاقاتها الدولية وإنشاء تحالفات ترعى مصالحها عبر تنويع مصادر أسواقها في مجالات متطورة عدة.وبعد ظهور نتائج الانتخابات الأميركية التي أعطت الديموقراطيين الغلبة غير المتوقعة في مجلس الشيوخ وخسارة بسيطة في الكونغرس، تعزز موقع بايدن وإدارته مما لا يفرض عليه تغيير توجهاته العامة التي اتبعها في النصف الأول من إدارته. وهذا يدل على أن السياسة التي يتبعها بايدن وفريقه لن تتغير تجاه الشرق الأوسط وحيال الصين وروسيا.يعتبر بايدن أن روسيا خطرة لأنها مستعدة للمواجهة العسكرية ولا تتردد بالولوج إليها مهما كانت النتائج. والدليل على ذلك، الحرب الأوكرانية التي تدور رحاها بين الغرب مجتمعاً من جهة، وروسيا من جهة أخرى، من دون أن يستخدم الطرفان كامل قواهما وقدراتهما المدمرة.فروسيا تحارب 40 دولة، مجتمعة في غرفة عمليات عسكرية واحدة في قاعدة رامشتاين الألمانية وتخطط للمعارك ولكل الخطوات التي يجب القيام بها على الأرض الأوكرانية، وتمد القوات بالمعدات والاستخبارات اللازمة في محاولة لهزيمة روسيا.ولا يتم إمداد القوات الأوكرانية بالأسلحة المدمرة بعيدة المدى لكي لا تخرج موسكو عن روعها وترد بأسلحة فتاكة أكثر تدميراً تجر الدول المشاركة إلى مكان آخر من الممكن أن يتدحرج إلى تصعيد أكبر بين دول العالم.ومن الجدير ذكره أن الضربات الأوكرانية - الأطلسية التي تصيب العمق الروسي، ليست بعيدة عن تخطيط وتنفيذ الحلف الغربي (بأيدٍ أوكرانية)، الحلف الذي قال إنه يدير المعركة. لكن هذه الضربات مدروسة تبعث رسائل إلى روسيا بأن الغرب يستطيع خرق الأنظمة الروسية ودفاعاتها والتصعيد أكثر إذا أراد.إلا أن موسكو هي الأخرى ترسل رسائلها التي تتمثل بالقصف بعشرات الصواريخ الدقيقة الإصابة والتي تقول إنها تستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك إذا اضطرت لذلك.وفي نهاية الأمر، مازالت روسيا تتقدم في أرض المعركة وتحتل نحو 100.000 كليومتر مربع من أوكرانيا، والرسائل والتكتيكات الغربية وكميات السلاح المتدفقة، لم تغير من واقع الأرض شيئاً سوى تأخير التقدم الروسي وليس منعه من تحقيق أهدافه.وأثبتت أميركا أنها حققت أكثر أهدافها، إلا أنها، بتحقيق هذه الأهداف، أضعفت حلفائها الغربيين الذين لم يعد هناك ذخائر في مخازنهم وهم غير مستعدين لحرب مماثلة.وقد اهتز الاقتصاد الأوروبي بقوة وتأثرت مصادر الطاقة التي أضرت بالاقتصاد وبالصناعة التي اعتمدت لسنوات طويلة على المصادر الروسية الرخيصة من الغاز والنفط.وهذا ما أعطى زخماً قوياً لدول أخرى، حليفة لأميركا مثل الهند وباكستان وغيرهما، التي رفضت فرض العقوبات على روسيا وانتعشت صناعتها على حساب الانهيار المتدحرج للصناعة الأوروبية من خلال شراء الطاقة الروسية بأسعار رخيصة بينما تشتريها أوروبا بأسعار مرتفعة جداً.وبسبب هذا الصراع، ارتفع سعر الغاز الأوروبي عشر مرات عن السعر الذي تدفعه باكستان والهند والصين والدول الأوراسية، ما سيساعد التنمية الاقتصادية والصناعية الآسيوية وتغيير مبادئ الأسواق العالمية التي سيطرت عليها الدول الغربية لعقود مضت.ومما لا شك فيه أن روسيا تستفيد من هذه العلاقة، إذ عززت تعاونها مع الهند لبناء وتأجير ناقلات النفط، وتصنيعها لتستغني عن مؤسسات التأمين التي تسيطر عليها الشركات الغربية التي تلتزم بالعقوبات، بما فيها العقوبات الأخيرة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي بما يختص النفط الروسي ونقله عبر البحار.وها هي الصين - التي تعتبرها الولايات المتحدة الخصم الاقتصادي والعسكري - توسع مواطئ قدمها، ويشارك رئيسها شي جينبينغ في قمة خليجية مهمة في الرياض، حيث وقعت السعودية عقوداً بقيمة 29.3 مليار دولار، معلناً انطلاقة تاريخية جديدة للعلاقة بين الشرق الأوسط وآسيا.والثمن الذي ستدفعه أميركا، هي مشاهدة عمالقة الطاقة من دول الخليج في تعاون متطور (30 في المئة من احتياجات الصين النفطية تأتي من الخليج) مع عملاق الاقتصاد والصناعة الصيني الذي يحتاج إلى النفط لتنويع مصادره، التي تتمثل أيضاً بروسيا وإيران والعراق، والذهاب أبعد من ذلك بعرض التبادل التجاري بالعملة المحلية، اليوان، بدل الدولار المهيمن.وإذا حصل ذلك في المستقبل، فسيكون هزة بقوة «تسونامي» للعملة الخضراء، وضربة أخرى لها بعد أن قررت روسيا بيع الطاقة بعملتها الروبل ونشط التبادل التجاري بين دول آسيا المتعددة بالعملة المحلية، من دون أن يضعف الدولار في الوقت الراهن.من جانبها، أعربت الرياض عن اهتمامها بالانضمام إلى «مبادرة الحزام والطريق» الصينية التي تضم نحو 100 دولة والمتلائمة مع خطط التنمية السعودية المتطورة والمتجددة مع دول آسيا.ومن غير المسموح عدم ذكر قرار «أوبك+» الأخير الذي حافظ على تخفيض الإنتاج بمليوني برميل يومياً، كجزء من سياسة دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط للمحافظة على توازن في أسعار السوق بالدرجة الأولى. ولا يستبعد أن تعلن موسكو تخفيضاً إضافياً قبل نهاية السنة للجم انخفاض الأسعار كما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين.وهذا دليل آخر على التناغم العربي - الروسي مع التغييرات الحاصلة في العالم وصراع الجبابرة في عالم أصبح متعدد الأقطاب.وها هي دول الشرق الأوسط تثبت للعالم أنها قوى تتمتع بإرادة واستقلالية القرار وانها منفتحة على تعدد الأقطاب والتنوع بما يخدم مصلحتها ومن دون أن تعطي حقوق الاستثمار والاستفادة من المصادر الطبيعية ومن سياسة المنطقة لأي طرف دولي دون غيره مهما تعاظم أو تراجع دوره.
مشاركة :