اسكمالًا للحلقات الرمضانية التي تلتقي فيها صحيفة “مكة” الإلكترونية بوجوه بارزة في المجتمع المكي للحديث عن أجواء تراثية وتاريخية وعادات وتقاليد اجتماعية تنشّط الذاكرة وتعيد الماضي إلى الحاضر لتتعارف الأجيال الجديد على أصالة وعراقة آبائهم وأجدادهم وظروف حياتهم. وفي هذا اللقاء، يتحدث ضيفنا خالد عبدالله بخاري، عن محطات هامة في حياته في زقاق البخارية بحارة المسفلة وأبرز المواقف والأحداث التاريخية التي عايشها ولا تزال تسكن في ذاكرته: 1- في البدء نتعرف على ابن مكة؟ أهلا وسهلا بكم وبصحيفة مكة الإلكترونية واسمي خالد عبدالله بخاري أبو تركي من مواليد مكة المكرمة 1959م. 2- في أي حارة كانت نشأتكم أ. خالد؟ ولدت ونشأت في مكة المكرمة في زقاق البخارية بحارة المسفلة. 3- أين تلقيتم تعليمكم؟ تلقيت تعليمي في مرحله الروضة في ” الكتاب ” وتعلمت حفظ القرآن الكريم، وبعدها انتقلت إلى المدرسة المنصورية الابتدائية في حارة أجياد، وأكملت المرحلة المتوسطة في مدرسة خالد ابن الوليد، وبعدها انتقلت إلى المرحلة الثانوية في مدرسة الملك عبدالعزيز في حي العزيزية وتخرجت منها في العام 1397هـ، والتحقت بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ولم أكمل دراستي الجامعية؛ بسبب حصولي على برنامج وظيفي في الخطوط السعودية في ذلك الوقت. 4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة؟ أيام الحارة بمكة المكرمة لا تنسى وهناك الكثير من الذكريات فقد كانت أسرتي بسيطة الحال وهذا هو حال أغلب الأسر في ذلك الزمان ولا نشعر بأي فرق بيننا، وكنا نسكن في منطقة معروفة بزقاق البخارية؛ نظرا لتواجد رباط خاص بهم في تلك المنطقة والقريبة جدا من الحرم مابين طريق المسيال والهجلة وذلك من الجهة الجنوبية للحرم المكي الشريف وأمام باب الملك عبدالعزيز تحديداً. 5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها؟ في ذلك الوقت، وفي تلك الظروف المعيشية المتواضعة كان آخر تطلعاتي أن يكون عندنا تلفزيون..! أسوة ببعض الجيران الميسورين في الحارة. 6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟ أهم القواعد في تربية الأبناء هو تعليمهم على حفظ القرآن الكريم، والصدق، والأمانة، واحترام الوالدين، وكبار السن، وعدم رفع النظر عند الحديث معهم والإنصات لهم. 7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟ حب عمل الخير والفزعة لمن يطلبها في المواقف الصعبة فقد تربينا على مساعدة الآخرين، والقيام بالأعمال الخيرية من زمان وبقيت مغروسة في ذاكرتنا وفي فكرنا حتى الكبر. 8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس..ماهي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟ ” اللي يقدم السبت يلاقي الأحد ” وهذا من الأمثال التي تربينا عليها ولن ننساها؛ لأنها تدل على المبادرة في عمل الخير. 9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها؟ وآخرها؟ البداية كانت وظيفة مأمور مراقبة الحجز المركزي بالخطوط الجوية السعودية، ثم تدرجت في عدة وظائف في مجال برامج أنظمة التسويق الآلية، وأخيرا انتهى المشوار الوظيفي مع الخطوط السعودية على وظيفة مدير الشؤون الإدارية في العلاقات العامة. 10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟ شهر رمضان المبارك هو شهر أنزل فيه القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر، وهو من المواسم الدينية التي يحرص عليه المسلمون في جميع أصقاع الدنيا من صيام وصلوات. ولكن أيضا هناك عادات إسلامية واجتماعية جميلة خاصة بهذا الشهر الفضيل فالكل يتسابق فيه على عمل الخير، وإخراج الصدقات، والزكاة، وزياره الأهل والاجتماع على الفطور أو السحور وإقامة الفعاليات والأنشطة الترفيهية في كل حارة وفي المنازل طوال ليالي شهر رمضان المبارك. أما بالنسبة لشهر الحج فإنه موسم خدمة حجاج بيت الله الحرام وتقريبا جميع أهل مكة المكرمة شركاء في هذا الشرف العظيم وهو خدمه ضيوف الرحمن، وتسهيل إقامتهم، وأداء فريضة الحج بكل يسر وسهولة من لحظة وفودهم وحتى مغادرة آخر حاج. 11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة..كيف كان دور العمدة في الحارة؟ هذا طبيعي بحكم التوسع الكبير في المساحة، وأعداد السكان، والطفرة الكبيرة التي شهدتها بلادنا العزيزة وقيام الحكومة _حفظها الله _بتأسيس منظومة إدارية على أعلى المستويات مواكبه بذلك أكثر الدول تقدما. وأما عن دور العمد في الماضي فقد كان كبيرا في مساعدة الدولة_وفقها الله _على تطبيق الأنظمة، واللوائح والتعليمات وذلك من خلال التواصل الاجتماعي المباشر ومعرفته بأحوال جميع سكان الحارة. 12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة؟ هناك الكثيرين من القامات الاجتماعية والاعتبارية في كل حارة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر وليس تقليلا من الباقين فجميعم لهم مكانتهم ومنهم العمدة حمزة غلام، والعمدة سليمان بيطار رحمهم الله جميعا. 13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟ من المواقف المؤثرة والتي لا أنساها ما حييت هو يوم وفاة الوالدة _ رحمها الله _ فقد كان الوالد والوالدة في زيارة لأختي التي تقيم في مدينة أبها وذلك في إجازة الحج وقدر الله أن تأتيها المنية هناك يوم ثمان ذو الحجة عام 1435هـ وقررنا إحضار الجثمان ودفنها في مكة المكرمة وقد أخفينا خبر وفاتها عن الوالد؛ نظرا لظروفه الصحية وكان من الصعب علينا إخبار الوالد _ رحمه الله_ بوفاتها فقلنا له بأن الوالدة” تعبانة” وتم نقلها بالإسعاف برا إلى جدة؛ نظرا لأنها تعاني من آلآم في القلب ولا تستطيع ركوب الطائرة وحجزنا له على رحلة من أبها يوم تسع ذو الحجة وكانت الوالدة _رحمها الله _في التابوت مع العفش على نفس الطائرة وعند الوصول إلى مكة المكرمة كنت أول من أخبره بأن الوالدة قد انتقلت إلى رحمة الله تعالى وبعدها بسنة توفي الوالد _رحمه الله _ وأسأل الله أن يتغمدهما بواسع رحمته وأن يسكنهما فسيح جناته وأموات المسلمين. 14- المدرسة، والمعلم، والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟ حقيقة المدرسة هي البيت الثاني للطالب، والمعلم هو الأب الروحي والقدوة، والطالب هو الابن البار الذي يحفظ المعروف للمدرسة والمعلم. 15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك؟ لم يكن هناك الكثير من وسائل الإعلام في الزمن الماضي فقد كانت الصحف المحلية “أم القرى” و” الندوة “محدودة الانتشار ولا يتابعها إلا المثقفون، وبعض الموظفين. وهناك الإعلام المسموع والمرئي بواسطة جهاز الراديو، أو التلفزيون وهذا متاح للطبقة الغنية والارستقراطية في المجتمع. ولذا فقد كانت المجالس الشعبية في الحارات، وحلقات الدرس في الحرم والمساجد هي أقوى وسيلة في التأثير على المجتمع ونقل المعلومة. 16-تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة؟ وكيف كانت؟ كما هو الحال في مشاركة الأحزان تكون المشاركة في الأفراح حيث كان أهل الحارة يستعدون للأفراح وخاصة الزواج الذي يستمر لمدة ثلاث أيام ويتم مشاركة جميع أهل الحارة بدون بعث العزيمة وتجهيز مكان الفرح كلا بما لديه من الفرش المتاح، وتقديم “الرفد” من المساعدات المادية، والعينية حيث كان البعض يقدم على قدر استطاعته مثل كيس رز، أو سكر، وتنكة سمن والبعض يقدم ذبائح.. الخ. 17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها؟ نعم، كان أهل الحارة في الزمن الماضي يكادون أن يكونوا أسرة واحدة ويد واحدة وعلى قلب رجل واحد في السراء والضراء والحمد لله على نعمه وآلائه. 18-الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتموها هل تتذكرونها؟ وما الأبرز من تفاصيلها؟ حادثة الفاسق جهيمان والتي احتل فيها الحرم المكي وتسبب في إيقاف الطواف وغلق أبواب الحرم لأكثر من شهر وقتل الأبرياء من المواطنين، ومن رجال الأمن رحمهم الله جميعا. 19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة المسفلة؟ جميع الحارات في مكة المكرمة تتشابه في الألعاب الشعبية ومنها لعب المزمار، والكبت، و البربر، والكبوش.. الخ. 20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقولة عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة؟ نعم، ولكن هذا من حكمة الله سبحانه في الخلق أن يكون هناك الفقير والغني حتى تتم معادلة السنة الكونية بين الخلق كلهم. والفقير ليس فقير المال ولكن الفقير هو فقير القناعة والإيمان بالله تعالى. وكلنا فقراء إلى الله سبحانه. 21 -; ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟ أنتم القدوة في فعل الخير، وإتباع العادات والتقاليد التي تعلمناها من آبائنا وأمهاتنا، والتربية الصحيحة، واحترام الآخرين، والحفاظ على القيم والمبادئ، والمبادرة إلى متابعة أبنائنا وبناتنا، وتوجيههم نحو الطريق القويم في هذه الحياة. 22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟ حقيقة لا يعجبني التباعد الاجتماعي بين الجيران في الحي الواحد، وأحيانا في مبنى سكني واحد. وأود أن أذكر نفسي أولا ثم أذكرهم بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عن حقوق الجار في المعاملة الحسنة وفضل التسامح والتقارب والتكاتف وتفقد أحوالهم. 23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟ بفضل من الله تعالى تفرغت بعد التقاعد؛ للقيام بالأعمال التطوعية الإنسانية وذلك بالانضمام إلى جمعية “سفراء التطوع الخيرية”َ مع مجموعة مباركة من الأفاضل، والمشاركة في الأعمال الخيرية وخدمة الدين، والوطن، والمجتمع وساهمت في الكثير من الفعاليات والأنشطة مع الجمعيات الخيرية وخاصة في الظرف الاستثنائي متمثلا في هذه الجائحة الصحية العالمية”كورونا” بتوزيع السلال الغذائية، وتوزيع المعقمات والكمامات ولله الحمد والمنة. 24- لو عادت بكم الأيام أ. خالد ماذا تتمنون؟ الحمد لله على كل حال ولكن كنت أتمنى لو أتممت دراستي الجامعية ولكن الحمد على كل حال. 25- بصراحة..ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر؟ عدم صلة الرحم بين الناس، والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي بين الأسرة والأقارب. 26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم؟ نعم، الحياة جميلة ولا تخلو من المواقف الطريفة وحيث أنني ولله الحمد في كل جمعة وسبت من شهر رمضان المبارك أقوم بتجهيز الفول وتوزيعه مجاناً على الجيران، والأحبة؛ بنية إفطار صائم بركة شهر رمضان المبارك ولكن هناك من يأتي ليأخذ الفول ويصر على دفع ثمنه بحجة أنه ليس فقيرا وأنا أصر على عدم أخذ اي مقابل وندخل في جدال طريف كعادة الصائمين في رمضان قبل الإفطار. 27- أ.خالد لمن تقولون لن ننساكم؟ إلى رجال سلمان جنودنا البواسل على الحد الجنوبي وعلى جميع حدود مملكتنا الحبيبة، وإلى الجيش الأبيض من رجال الصحة، ورجال الحرس الوطني، ورجال الأمن العام، وجميع المخلصين من أبناء هذا الوطن الذين وقفوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص في وجه هذا الوباء العالمي “جائحة كورونا”. وأخيرا أقول لن ننساكم لوالدي رحمهم الله وغفر لهم وأموات المسلمين. 28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم؟ كل مواطن أو مقيم على ثرى هذه الأرض الطيبة ولم يلتزم بتعليمات حكومتنا الرشيدة في أهمية التباعد الاجتماعي؛ للحد من انتشار هذا الوباء العالمي واسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرفع هذه الغمة عن هذه الأمة. 29- أ. خالد لكم تجربة إدارية في الخطوط السعودية كيف تصفونها؟ نعم لقد تدرجت في العديد من الوظائف وكان هناك الكثير من الرغبة والطموح وبذل العطاء والتضحيات على مدار أكثر من 40 عاما في خدمة هذا الكيان الشامخ حتى وصلت إلى هذا المنصب القيادي ولله الحمد والمنة. 30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا.. وتقول لمن سامحناكم؟ نقول سامحونا لكل من قصرنا في حقهم بقصد أو بغير قصد، ونقول سامحناكم وحللناكم لكل أخطأ في حقنا بقصد أو بغير قصد. 31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة أ. خالد بخاري؟ أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرفع هذه الغمة عن الأمة، وأن يحفظ بلادنا العزيزة، وولاة أمرنا من كل شر إن شاء الله تعالى..”خلك في البيت وكلنا مسؤول”. وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :