يقف المنتخب الكرواتي «الشجّاع» وقائده المخضرم لوكا مودريتش بين النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي وفرصته الأخيرة لمنح بلاده لقبها الأول منذ 1986، حين يتواجهان اليوم على ملعب لوسيل في نصف نهائي مونديال 2022. عندما دخلت كرواتيا نهائيات النسخة الثانية والعشرين كانت خارج الحسابات، لاسيما أن معظم نجومها الذين قادوها لنهائي عام 2018 تقدموا في العمر، وعلى رأسهم القائد مودريتش (37 عاماً). لكن رجال المدرب زلاتكو داليتش خالفوا التوقعات وقادوا البلاد إلى نصف النهائي الثالث في ست مشاركات، بعدما عرفوا كيف يديرون مباراتي ثمن وربع النهائي بروح قتالية عالية سمحت لهم بتعويض تخلفهم أمام اليابان ثم أمام البرازيل في الوقت الإضافي، قبل أن يحسموا الأمور بركلات الترجيح بفضل الحارس المتألق دومينيك ليفاكوفيتش. فبعد مشوار «هادئ» إلى حد كبير في دور المجموعات، حيث تأهل رجال داليتش في المركز الثاني ضمن منافسات المجموعة السادسة خلف المغرب بتعادلين وانتصار، جاء دور ليفاكوفيتش ليفرض نفسه بطلاً في الدور ثمن النهائي حين فطر قلوب اليابانيين في ركلات الترجيح. صد ابن الـ27 عاماً ثلاث ركلات ترجيحية للمنتخب الآسيوي، الذي سطر إنجازين في دور المجموعات بفوزه على البطلين السابقين، المنتخبين الألماني والإسباني، بنتيجة واحدة 2-1، وحرمهما من بلوغ ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخه. وقعت كرواتيا «الهَرِمة» على البرازيل في ربع النهائي، فرأى كثر أنها مباراة في متناول نيمار ورفاقه. لكن لاعبي داليتش عرفوا كيف يتعاملون مع الضغط ونجحوا في جر «السيليساو» إلى ركلات الترجيح، مانحين حارس دينامو زغرب فرصة جديدة للعب دور البطل، فكان على الموعد منذ الركلة الترجيحية الأولى التي نفذها نجم ريال مدريد الإسباني رودريجو. هذه الركلة الترجيحية الضائعة تركت أثرها الكبير على لاعبي المدرب تيتي، موازاة مع نجاح الكروات في تنفيذ ركلاتهم الترجيحية الأربع الأولى، فوصل قلب دفاع باريس سان جرمان ماركينيوس وهو تحت ضغط كبير، إدراكاً منه بأن عليه التسجيل وإلا سينتهي الحلم بلقب أول منذ 2002 وسادس في تاريخ العملاق الأميركي الجنوبي. لكن الرهبة التي خلفّها ليفاكوفيتش بدت جلية تماماً على عيني المدافع البرازيلي الذي حطم آمال بلاده بمواصلة الحلم بعدما سدد في القائم الأيسر، مطلقاً فرحة كرواتية مجنونة، فيما غرق زملاؤه والجماهير البرازيلي بالدموع. المهمة الكرواتية لن تكون سهلة بالتأكيد، إذ أن جر فريق المدرب ليونيل سكالوني إلى ركلات الترجيح قد لا تثمر لأن أبطال العالم مرتين يملكون في صفوفهم سلاحاً مماثلاً بشخص إميليانو مارتينيس، الذي كان بطل التأهل إلى دور الأربعة بصده ركلتين ترجيحيتين للمنتخب الهولندي في إنجاز كبير ضد فريق كان مستعداً لما يعتبر ركلات الحظ من خلال الاعتماد على التكنولوجيا والعلم. بالنسبة لميسي الذي أظهر أمام هولندا غضباً غير مألوف في مسيرة ابن الـ35 عاماً، ما يؤكد حجم اندفاعه لتحقيق حلم منح الأرجنتين لقبها الأول منذ 1986 والثالث في تاريخها، فـ «نحن بين أفضل أربعة منتخبات في البطولة، لأننا أظهرنا مباراة بعد مباراة أننا نعرف كيف نلعب كل مباراة بنفس الكثافة والرغبة في القتال والتركيز، نركض جميعاً على الرغم من المعاناة والتعب ونفعل ذلك من أجل كل هؤلاء الناس الذين يرافقوننا هنا». وتوقع أن تكون «مباراة كرواتيا قوية، أثبتت كرواتيا أنها منتخب جيد بفوزها على البرازيل، وشاهدنا أنه اذا تركتها تلعب، تملك لاعبين جيدين جداً يحتفظون بالكرة، خصوصاً في منتصف الملعب. إنها منتخب يعمل منذ فترة طويلة مع هذا المدرب داليتش». ويعود الطرفان بالذاكرة إلى مونديال 2018 حين تواجها في دور المجموعات، ووقتها حققت كرواتيا فوزاً بعيد المنال تماماً في النسخة الحالية، إذ اكتسحت العملاق الأميركي الجنوبي بثلاثية نظيفة سجلها أنتي ريبيتش ومودريتش وإيفان راكيتيتش. في حينها، تصدرت كرواتيا المجموعة بتسع نقاط كاملة واضطر ميسي ورفاقه إلى الانتظار حتى الجولة الختامية لحسم تأهلهم بالفوز على نيجيريا 2-1. وفي هذه النسخة، انتظر الأرجنتينيون أيضاً حتى الجولة الأخيرة لحسم التأهل بعد السقوط الصادم افتتاحاً أمام السعودية (1-2). وعندما وصلت كرواتيا إلى نصف النهائي عام 1998 في مشاركتها المونديالية الأولى بعد الاستقلال عن يوغوسلافيا، مرت أيضاً بالأرجنتين، لكن النتيجة كانت حينها لصالح «ألبيسيليتسي» بهدف سجله إيكتور بينيدا في دور المجموعات. لكن موقعة اليوم في لوسيل ترتدي أهمية أكبر بكثير بالنسبة للمنتخبين، لأن بطاقة النهائي على المحك، حيث يسعى ميسي إلى تكرار سيناريو 2014 حين قاد بلاده إلى المباراة الختامية للمرة الخامسة في تاريخها بعد 1930 و1978 و1986 و1990، على أمل أن ينجح في تعويض ما فاته قبل ثمانية أعوام حين سقط أمام الألمان 0-1. وعلى غرار ميسي الذي يخوض على الأرجح النهائيات الأخيرة، يمني مودريتش النفس بأن تكون مشاركته المونديالية الأخيرة مماثلة لعام 2018 حين وصل ببلاده إلى النهائي قبل الخسارة أمام فرنسا 2-4. بالنسبة للمدرب داليتش «الشجاعة» كانت مفتاح وصول كرواتيا إلى هنا، متعهداً بأنها «ليست النهاية» وفريقه لن يتوقف عند إنجاز بلوغ نصف النهائي للمرة الثانية توالياً لأن «هذه هي كرواتيا - الكبرياء، الشجاعة، الإيمان والوطنية».
مشاركة :