عاد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى مناكفة حزب الله والتهديد بنقض تفاهم مار مخايل في سياق ضغوطه على حليفه الإستراتيجي للقبول به رئيسا للبنان خلفا لصهره ميشال عون. وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها باسيل بنقض التفاهم وفي كل مرة يعود أدراجه تحت تبريرات المصلحة الوطنية بينما يقول مراقبون إن الأمر متعلق بمصلحته الشخصية. بيروت - قللت أوساط لبنانية من تلويح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بفك الارتباط بحزب الله ونقض تفاهم مار مخايل الذي أدى إلى تحالفهما وأوصل الرئيس السابق ميشال عون إلى قصر بعبدا. وقالت الأوساط إن باسيل دأب على التصعيد ضد حليفه حزب الله كلما زادت عزلته في إطار مناورات مكشوفة للمزيد من الضغط، إذ أن فك ارتباط حزبه بحزب الله سيزيد من دفعه إلى الهامش على اعتبار أنه المستفيد الأكبر من التحالف مع الجماعة الشيعية لا العكس. وأكدت أن لدى حزب الله العديد من الآليات لتجاوز فيتو التيار الوطني الحر على المرشحين الرئاسيين الأكثر حظا لتولي المنصب خلفا لعون وهما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش حوزيف عون. واعتبر باسيل الاثنين أن “تفاهم مار مخايل مع حزب الله على المحك، وذلك نتيجة القيام باتفاق وعدم تحقق نتائجه”. ولفت إلى أن “ما حصل كبير جدا ولا يخصّ فريقين في لبنان، ففي بلد في لبنان تعقد حكومة تصريف أعمال لاتخاذ قرارات قسم كبير منها غير ملحّ بغياب رئيس وبغياب 8 وزراء”. جبران باسيل: معادلة إما سليمان فرنجية أو جوزيف عون مرفوضة جبران باسيل: معادلة إما سليمان فرنجية أو جوزيف عون مرفوضة وأكد باسيل في حديث تلفزيوني أنه “لا قيمة لأي تفاهم وطني، لا فقط بين طرفين، يناقض الشراكة المتوازنة، وبعدم احترام الشراكة نصبح بمشكلة ميثاق”. ولفت إلى أن “معادلة إما رئيس تيار المردة فرنجية أو قائد الجيش جوزيف عون مرفوضة، بمعنى أن تخييرنا بين اسمين فقط أمر غير مقبول، والموضوع ليس موضوع سلطة بل هو موضوع وجودي ولا يمكن فرض تسويات علينا من دون احترام موقفنا، وفي موضوع قائد الجيش الموضوع ليس موضوع اسم ولا يتعلق بالاسم بل يتعلق بأننا نكرس أن كلّ قائد جيش عندما يصل إلى المنصب يصبح همّه رئاسة الجمهورية، والأزمة اليوم ليست أمنية بل اقتصادية ومالية وسياسية”. ويأتي تصعيد باسيل بعد أن شارك حزب الله في مجلس وزراء الأربعاء الماضي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي للنظر في عدد من المراسيم الخدمية المستعجلة، وقال التيار إنه تلقى وعدا بعدم مشاركة حزب الله فيه وهو ما نفاه الحزب في وقت لاحق. وقال حزب الله في بيان الخميس إنه لم يَعِد أحدًا بعدم حضور الجلسات الطارئة للحكومة، وذلك ردا على اتهامات بالغدر ونكث الوعود وجهها له حليفه باسيل. وأوضح الحزب أنه “لم يقدّم وعدا لأحد بأن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع”. وأضاف أنه “لم يقدّم كذلك وعدا للتيار الوطني الحر بأنّه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراؤه (التيار)”. وتابع “قلنا بوضوح إنّ الحكومة لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة، وفي حال اجتماعها، فإنّ قراراتها ستؤخذ بالإجماع”. ولا يمكن النظر إلى تداعيات جلسة مجلس الوزراء بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي، نظرا إلى أن الاعتراضات عليها من جانب القوى المسيحيّة تحديدا ستعزز ضرورة الإسراع في الذهاب إلى انتخاب رئيس جديد، وهو ما كان التيار الوطني الحر من أبرز الداعين إليه، في حين أن موقف حزب القوات اللبنانية بالإضافة إلى مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تأخذ منحى تصاعديا بوجه من يصفهم بالمعرقلين. ولم يذهب حزب الله إلى الإعلان عن تبني ترشيح فرنجية بشكل رسمي حتى الآن، مراهنا على عامل الوقت، في سياق السعي لتأمين الأرضية المناسبة لانتخابه، سواء كان ذلك عن طريق إقناع التيار الوطني الحر بالسير به أو من خلال بروز معطيات دولية وإقليمية تصب في صالحه. وتشير مصادر سياسية إلى أنه بعد الأزمة التي برزت بعد جلسة مجلس الوزراء بات من الصعب تصور التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر على اسم فرنجية، خصوصا أن وزراء تيار المردة كانوا من بين الذين ساهموا في تأمين نصاب انعقاد الجلسة. ولفتت المصادر إلى أنّ التوتر في العلاقة بين الحزب والتيار، خصوصا بعد المواقف التصعيديّة من جانب الأخير، لن يكون مساعدا في هذا المجال. ومن بين الكتل النيابية المعارضة، هناك من يعتبر أنه من الممكن الاستثمار في هذا الخلاف، خصوصا لناحية السعي لفتح قنوات اتصال، ولو بصورة غير مباشرة، مع باسيل بهدف الاتفاق على اسم لرئاسة الجمهورية، لاسيما أن حزب الله عاجز في ظلّ هذا الخلاف عن تأمين الأغلبيّة اللازمة لتأمين فوز مرشحه في الاستحقاق الرئاسي. لدى حزب الله العديد من الآليات لتجاوز فيتو التيار الوطني الحر على المرشحين الرئاسيين الأكثر حظا لتولي المنصب وفي المقابل هناك من يعتبر أن هذا الواقع يعطي حزب الله أيضا القدرة على الذهاب إلى خيارات بديلة بعيدا عن التيار الوطني الحر، منها الاتفاق مع الأفرقاء الآخرين حول كيفية مقاربة الاستحقاق الرئاسي، لكن المصادر السياسية المطلعة تشدّد على أن هذا الأمر من المستبعد أن يكون على اسم فرنجية، نظرا إلى أن غالبية القوى المعارضة تعتبر أنه من المرشحين المحسوبين على فريق واحد، بينما التسوية من المفترض أن تكون على مرشح وسطي. وبين السيناريوهين، تلفت المصادر نفسها إلى أن هناك سيناريو ثالثا يقوم على معادلة الذهاب إلى معالجة الخلافات القائمة بين حزب الله والتيار الوطني الحر لمنع تفاقم الأمور، لكنها تستبعد أن تكون هذه المعالجة على أساس الاتفاق على السير بترشيح فرنجية وبالتالي من المفترض أن ينطلق البحث أيضا من عمليّة طرح الخيارات البديلة على بساط البحث، الأمر الذي كان التيار قد أبدى استعداده لأن تكون بالتفاهم مع فرنجية. وتشير أوساط مقربة من حزب الله إلى أن من بين الخيارات المطروحة للتسوية السياسية مع باسيل هو حصول تياره على حصة وازنة داخل الحكومة اللبنانية الجديدة مقابل القبول بتسوية رئاسية. وتؤكد الأوساط أن حزب الله يريد الدفع بفرنجية لرئاسة الجمهورية دون خسارة حليفه باسيل وهي معادلة صعبة، لكنها ليست مستبعدة في ظل تقلبات باسيل وفي ظل سيناريوهات مماثلة استطاع حزب الله تسويتها في نهاية المطاف بعد أن استغرقت وقتا طويلا. وعلى مدى 79 عاما لم تنتقل السلطة في لبنان من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13، حيث حصل بعد استقلال لبنان شغور رئاسي ثلاث مرات. ويتزامن الفراغ الرئاسي مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، في وقت يشهد فيه لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850.
مشاركة :