واشنطن – يترقب المجتمع العلمي بحماس الثلاثاء اعلانا تاريخيا لوزارة الطاقة الأميركية يعول عليه لتغيرر وجه الطاقة النووية للأبد وتحويلها لطاقة نظيفة ورخيصة ولا متناهية في آن. والإنجاز المرتقب وحسب صحيفة "واشنطن بوست علامة فارقة في مشروع أنفقت عليه مليارات الدولارات على مدى عقود، في مسعى إلى تطوير تكنولوجيا تنتج طاقة وفيرة عبر استخدام "الطاقة الاندماجية". ومبدأ الاندماج النووي هو الذي يسمح للشمس والنجوم بتوليد الطاقة. ولكن نظرا لأن الضغط المرتفع جدا في قلب النجم غير ممكن على كوكب الأرض، فإن تفاعلات الاندماج تتطلب درجات حرارة أعلى من الشمس. على سبيل المثال، قد تصل درجة الحرارة داخل مفاعل اندماج إلى أكثر من 120 مليون درجة مئوية، أي ما يوازي 10 أضعاف درجة حرارة داخل نواة الشمس، والتي تبلغ حوالي 15 مليون درجة مئوية. تعمل محطات الطاقة النووية الحالية من خلال الانشطار – وهو تقسيم الذرات الثقيلة لتوليد الطاقة. وخلال الانشطار، يصطدم النيوترون بذرة يورانيوم ثقيلة، ويقسمها إلى ذرات أخف ويطلق الكثير من الحرارة والطاقة في نفس الوقت. من ناحية أخرى، يعمل الاندماج في الاتجاه المعاكس - فهو ينطوي على سحق ذرتين (غالبا ذرتي هيدروجين) معا لإنشاء عنصر جديد (غالبا الهيليوم) بنفس الطريقة التي تولد بها النجوم الطاقة. في هذه العملية، تفقد ذرتا الهيدروجين كمية صغيرة من الكتلة، والتي يتم تحويلها إلى طاقة، ونظرا لأن سرعة الضوء التي تجري بها العملية كبيرة جدا، فحتى كمية صغيرة من الكتلة المفقودة يمكن أن تؤدي إلى كم كبير من الطاقة. وتمكن الباحثون من قبل من دمج ذرتي هيدروجين معا بنجاح، ولكن الأمر كان يتطلب دائما طاقة أكبر للقيام بالتفاعل مقارنة بالطاقة الناتجة عنه. والآن من المتوقع أن يعلن الباحثون في مرفق الإشعال الوطني في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا أنهم حققوا مكاسب صافية للطاقة عن طريق إطلاق أشعة الليزر على ذرات الهيدروجين، ما يعني أن الطاقة الناتجة عن التفاعل أكبر بكثير من الطاقة التي استهلكها. وتضغط أشعة الليزر البالغ عددها 192 ذرات الهيدروجين إلى حوالي 100 ضعف كثافة الرصاص وتسخنها إلى حوالي 100 مليون درجة مئوية. وتتسبب الكثافة العالية ودرجة الحرارة في اندماج الذرات وتكوين الهيليوم. وقالت الباحثة ميلاني ويندريدج، وهي عالمة فيزياء بلازما والرئيس التنفيذي لشركة Fusion Energy Insights إنه "إذا كان هذا ما نتوقعه، فهو مثل لحظة اقلاع طائرة الأخوين رايت" في إشارة إلى لحظة تغير مفصلية للتكنولوجيا. ويشير العلماء إلى الاختراق الحالي باسم "اكتساب الطاقة الصافية العلمي" - مما يعني أن المزيد من الطاقة قد خرجت من التفاعل أكثر مما تم إدخاله بواسطة الليزر. أي أن كسب الطاقة تحقق فقط باحتساب طاقة الليزر المستخدم في العملية، وليس كل التحضيرات المرتبطة بها. ويحتاج العلماء والمهندسون الآن إلى التفكير بإنتاج الطاقة على مستوى ضخم لقياس "أرباح الطاقة" المتوقعة الناتجة عن العملية. لذلك لا يزال يتعين على الباحثين الوصول إلى "هندسة صافي كسب الطاقة"، أو النقطة التي تستهلك فيها العملية بأكملها طاقة أقل من ناتج عن التفاعل. وسيتعين عليهم أيضا معرفة كيفية تحويل الطاقة الناتجة - حاليا في شكل طاقة حركية من نواة الهيليوم والنيوترون - إلى شكل قابل للاستخدام للكهرباء. ويمكنهم القيام بذلك عن طريق تحويله إلى حرارة، ثم تسخين البخار لتشغيل التوربينات وتشغيل المولد. وفي الوقت الحالي، يمكن للباحثين أيضا إجراء تفاعل الاندماج مرة واحدة فقط في اليوم. بينهما، يتعين عليهم السماح لأشعة الليزر بأن تبرد واستبدال ذرات الاندماج. ولكي تكون العملية ناجحة تجاريا يجب أن يستطيع العلماء القيام بالعملية عدة مرات في الثانية الواحدة. هذه التكنولوجيا أكثر أمانا من الانشطار النووي، لأن الاندماج لا يمكن أن يخلق تفاعلات جامحة أو يسبب خطر كوارث كبيرة، كما أنه لا ينتج منتجات ثانوية مشعة تحتاج إلى تخزينها بأمان، أو انبعاثات كربونية ضارة، لإنه ببساطة ينتج الهيليوم الخامل والنيوترون. ومن غير المحتمل أن ينفد الوقود إذ أن وقود الاندماج هو مجرد ذرات هيدروجين ثقيلة يمكن العثور عليها في مياه البحر. وحول موعد جهوزية هذه التقنية للاستخدام التجاري، يجادل خبراء الاندماج الحاليون بأنها ليست مسألة وقت ، ولكنها مسألة إرادة - إذا قامت الحكومات والجهات المانحة الخاصة بتمويل الاندماج بقوة، كما يقولون، فقد يكون النموذج الأولي لمحطة توليد الطاقة الاندماجية متاحا في عام 2030. يذكر ان دراسة سويسرية جديدة وجدت أن كمية الطاقة التي يمكن أن تنتجها المفاعلات النووية الاندماجية (توكاماك) أكبر بكثير من الكميات التي توقعتها دراسة سابقة قبل 30 سنة. وقد سمحت هذه الدراسة باكتشاف خطأ في المعادلات الرياضية التي سمحت بقياس كثافة بلازما الهيدروجين التي يمكن أن تتحملها مفاعلات الاندماج النووي.
مشاركة :