هذا الإنجاز "أنسانا أي شيء آخر ... الغلاء وكل شيء. نريدهم أن يسيروا إلى الأمام ... تغيرت نفسيتي الحمد لله!"، يقول الحاج محمد الذي يعمل نقالا للبضائع بمدينة سلا. ويضيف الرجل الخمسيني، متكئا على دراجته ثلاثية العجلات في سوق الصالحين بالمدينة المجاورة للعاصمة، باسما "سوف تتبدل الأمور إلى الأفضل، أنا متفائل". يستطرد زميله التهامي (57 عاما) "الكرة أنستنا كل شيء ... نتمنى أن يسير المنتخب إلى الأمام وبعدها يفعل الله خيرا". يقاسي الرجلان مثل غيرهم من ذوي الدخل المحدود، جراء غلاء أسعار الوقود وبعض المواد الغذائية في الأشهر الماضية بسبب تضخم بلغ نحو 8,1 بالمئة نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. لكنهما اليوم في غاية السعادة، وخرجا للاحتفال بانتصارات المنتخب التي وحدت المغاربة على اختلاف مشاربهم. هذا فيما تسابق الأوفر حظا من الفئات الوسطى والعليا لشراء تذاكر الرحلات الخاصة التي أطلقتها الخطوط الجوية المغربية على أمل حضور نصف نهائي تاريخي ضد فرنسا الأربعاء، هو الأول لفريق إفريقي وعربي في تاريخ المونديال. منذ أسبوعين تشهد شوارع المدن المغربية احتفالات كثيفة عقب كل مباراة، جمعت مواطنين من مختلف الأعمار، وشارك في إحداها حتى الملك محمد السادس في مشهد نادر. عند مدخل سوق الصالحين الواقع وسط أحياء شعبية بمدينة سلا يقول أيوب (28 عاما) إنه ما زال مُتعبا من احتفالات السبت. ويضيف "يا لها من فرحة أن نكون سببا في إسعاد العرب والأفارقة". مثل الكثيرين زادت ثقته مع توالي الانتصارات وكبر طموحه "لم لا الفوز بالكأس!". "درس في الحياة" في بلد تحظى فيه الكرة بشعبية عارمة تجاوز صدى هذه "الملحمة" رقعة البساط الأخضر، في تعليقات تأمل تكرار الإنجاز في ميادين الإنماء الاقتصادي، أو في مقالات تشيد باستعادة المغاربة شعورا "باستعادة الافتخار بالذات"، كما رأت مجلة "تيل كيل" لهذا الأسبوع، أو "الصعود والندية" إزاء أوروبا، كما كتبت صحيفة الأحداث المغربية الثلاثاء. في سياق هذه المقارنات يأمل أيوب، الذي يعمل بائعا جائلا، تحقيق الإنجاز الرياضي نفسه على الصعيد الاقتصادي الذي شهد ركودا هذا العام، بسبب تداعيات جفاف أثر على القطاع الزراعي الأساسي في البلد، والحرب في أوكرانيا. وعلى الرغم من انتعاش صادرات السيارات والفوسفات والسياحة، فإن تداعيات الجائحة ما زالت مؤثرة وقد أعادت مستوى الفقر إلى المعدل الذي كان عليه في العام 2014. علما أن المملكة تراهن، منذ ما قبل الجائحة، على تحقيق هدف كبير في أفق العام 2030 يتمثل في بلوغ معدل نمو لا يقل عن 6 نقاط سنويا، ما من شأنه أن يمكن على الخصوص من تقليص الفوارق الاجتماعية والإقليمية الحادة في البلاد. رغم اختلاف قوانين الكرة والاقتصاد، رأت صحيفة "ليوكونوميست" أن "مسار المنتخب الوطني درس في الحياة، يتناقض مع الانهزامية التي تنهك جزءًا من شبابنا"، ووجدت فيه مصدر إلهام وتحفيز للعمل. فيما تساءلت مجلة "ماروك إيبدو" في افتتاحيتها هذا الأسبوع "ألا يمكننا أن نحقق ما حققناه في الكرة في مجال التنمية البشرية؟". ويرى الصحافي والباحث في سوسيولوجيا الرياضة هشام رمرام "أن الانتماء للمنتصر يمنح الناس شعورا بالفخر، كل مغربي يرى نفسه في الركراكي أو بونو... ويتمنى المستوى نفسه من النجاح في كافة الميادين". بعيدا عن هذه المقارنات يقول منير (31 عاما)، الذي يعمل تاجرا للأثواب في سوق الصالحين، "هناك الكرة، وهناك السياسة.. نحن نتابع الكرة لأن أداء الفريق الوطني ممتع"، مؤكدا أنه سيحتفل حتى لو فشل أسود الأطلس في التأهل للنهائي. بدوره يرى رشيد صموكي، الذي يمارس رياضة ألعاب القوى، أن "المغاربة فرحوا لأنهم رأوا فريقا يقاتل من أجل العلم الوطني". ويضيف - بينما كان مارا بمحاذاة السوق الذي أصلح مؤخرا وشيدت بجواره ملاعب رياضية لشباب الأحياء المجاورة - أن هذه الانتصارات تأتي "بعد إخفاقات كثيرة"، حيث غاب أسود الأطلس عن المونديال 20 عاما بين 1998 و2018. فضلا عن توحيد المغاربة في الاحتفالات خلقت بعض التفاصيل في مسار المنتخب الإجماع حتى بين سياسيين لا تثير الكرة شغفهم، إذ نوه الناشط المناهض للتطبيع مع إسرائيل سيون أسيدون على فيسبوك، برفع العلم الفلسطيني بعد مباراة اسبانيا. فيما زادت صور لاعبين يحتفلون مع أمهاتهم بعد المباريات الإعجاب "بالقدوة" التي يمثلونها بالنسبة للشباب.
مشاركة :