يحتفظ الجنوب السوري في درعا والسويداء بمناطق ما زالت خارجة عن السيطرة الفعلية لقوات النظام، وهو أمر سهّل لكثير من الشباب الانسحاب إليها هرباً من التجنيد الإجباري الذي تفرضه السلطات السورية. وقد حاول النظام «الاستثمار» في هذا الجزء المعطّل من الشعب السوري، فأصدر في أبريل (نيسان) 2021 قانوناً يختص بمحافظة درعا يمنح بموجبه الشباب المستنكف عن الخدمة الإلزامية مهلة سنة واحدة ينالون فيها «تأجيلاً إدارياً» بدءاً من تاريخ التسجيل لدى السلطات المعنية. وتبعت ذلك قرارات متضاربة مثل قرار بمنع السفر، في 23 مايو (أيار)، تلاه قرار جديد يسمح بالحصول على «إذن سفر» من مراكز التجنيد. ويقول أحد أعضاء لجان التفاوض في درعا لـ«الشرق الأوسط» إن هناك جانباً مادياً وراء القرارات الخاصة بالسفر، مشيراً إلى حصول النظام على كميات من المداخيل، بطرق مباشرة أو غير مباشرة، بعد تدافع آلاف الشباب للحصول على جوازات سفر. وأدى ذلك إلى أزمة غير مسبوقة، حيث نشأت، كما هي العادة في سوريا، سوق سوداء قادت لاستشراء الفساد في إدارة الهجرة والجوازات. ولجأ الشبان الراغبون في الحصول على جواز سفر إلى دفع ملايين الليرات السورية لاستصداره في أسرع وقت ممكن بغية اللحاق بركب المهاجرين أو المسافرين إلى خارج البلاد. وفي الإجمال، لا يملك الشباب غير الراغب في الخدمة الإلزامية والمطلوب عسكرياً أو احتياطياً ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و42 سنة، أكثر من خيارين؛ الهروب خارج البلاد بأساليب مختلفة سواء أكانت قانونية عن طريق الحدود أو غير شرعية بعمليات تهريب البشر، أو الفرار إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وقال أحد شباب ريف درعا، الرافضين للالتحاق بالخدمة العسكرية، إن ظاهرة الانشقاق أو العزوف عن الخدمة العسكرية بدأت مبكراً مع بداية الأحداث السورية في درعا، ولم تكن حكراً على الأفراد المكلفين بخدمة العلم، وإنما ظهرت في بدايتها بين صفوف الضباط ممن رفضوا إطاعة الأوامر في قمع الاحتجاجات. لكنه أضاف أن دوافع العزوف والفرار الآن عن الخدمة العسكرية «تبدو مختلفة عما كانت في بداية الثورة، فدخول الشباب إلى الخدمة الإلزامية يعادل رميه بنفسه إلى المجهول. وستمضي سنوات طوال من عمره دون مستقبل يتطلع إليه. فخدمة البعض امتدت لتطاول 10 سنوات وهي الخدمة الإلزامية مع إضافة الاحتياطية. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم حالة الضياع التي يشعر بها الشباب. فلا مستقبل ينتظرهم ولا أفق للخلاص بعد التسريح من الخدمة، هذا إذا بقوا على قيد الحياة». ويحتاج الشباب إلى مبلغ مالي يقدر بين 10 و16 ألف دولار أميركي للوصول إلى دول اللجوء. وبعض الراغبين في ترك سوريا غامر ببيع عقارات وأرض وسيارات وبيوت في سبيل الحصول على مال يسدد به تكاليف رحلة الهجرة. ويرى ناشطون سوريون في السويداء أن مسألة التجنيد الإجباري التي يقودها النظام خلقت حالة من الصدام بين السلطة من جهة والمجتمع من جهة أخرى، وصلت في مناطق بعينها في الجنوب السوري (بمحافظتي درعا والسويداء) إلى حد وقوف بعض المجموعات المسلحة في مواجهة أي قوة للنظام تحاول إجبار الشباب على الخضوع للخدمة الإلزامية. ويقولون إن بعض القوى الناشطة في جنوب البلاد ما زالت حتى اليوم ترفض سحب الشبان للخدمة العسكرية الإجبارية، منها «حركة شيوخ الكرامة» في السويداء وقوات «اللواء الثامن» في درعا.
مشاركة :