الزمان: 1405هـ/ 1985م، المكان: الجميع متسمرون أمام شاشة التلفاز لمتابعة ذلك الحدث الاستثنائي الذي لم يكن بالطبع حدثاً عادياً وعابراً، وبصفة خاصة كان الأمر يمثل لنا- بوصفنا طلاباً على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة- أنموذجاً ملهماً بشكل لم نعتده من قبل، أتذكر كيف أن التلفزيون السعودي- قبل البث الفضائي للقنوات التلفزيونية- كان يعيش وقتها أزهى فتراته الإعلامية من ناحية الإعداد البرامجي والمشاهدة والمتابعة باعتبار المواد التي كانت تعد وتقدم من الولايات المتحدة الأمريكية تلك البرامج والتقارير الإخبارية التي كانت تغطي ذلك الحدث الجديد من قبل المراسلين الاستعدادات التي سبقت انطلاق الرحلة الفضائية عبر المكوك الفضائي (ديسكفري- 51G -STS)، أما الأمر المدهش آنذاك فكان أن الأمير سلطان بن سلمان سيكون أحد رواد هذه المركبة الفضائية كأول رائد فضاء عربي ومسلم، لقد كنا نشعر بالفخر والاعتزاز ونحن نشاهد تلك الاستعدادات الضخمة التي كانت تجرى على قدم وساق في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) والاختبارات الدقيقة والفحوصات الطبية والإجراءات الصعبة والتدريبات الشاقة والمحاضرات المكثفة التي كان يمر بها رواد الفضاء ليكونوا مناسبين ومهيئين وجاهزين لتلك الرحلة الفضائية المرتقبة كانت هذه التهيئة المتواصلة تجرى بمركز ليندون جونسون للفضاء في مدينة هيوستن بولاية تكساس. ويأتي اليوم الذي ستنطلق فيه المركبة ديسكفري فيكون الوطن في حالة ترقب مفعم بالدعوات والأمنيات لسموه، وعبر الأقمار الصناعية يتم النقل المباشر من أمريكا للحدث الكبير في فجر التاسع والعشرين من رمضان عام 1405هـ من مركز كيندي الفضائي بولاية فلوريدا، كانت دقات قلوب الملايين تزداد تسارعاً مع ساعة التوقيت التي في جانب الشاشة فكانت دقائقها وثوانيها تتحرك تنازلياً إلى ساعة الصفر حيث انطلق المكوك في صورة مهيبة ليعلن بعدها علماء ناسا من المحطة الفضائية الدولية بعد دقائق من القلق الشديد نجاح الانطلاق ومن ثم وصوله إلى مداره حول الأرض بعد ذلك. وتأتي التفاصيل الإعلامية اليومية لتقارير ديسكفري ورائد الفضاء الأمير سلطان بن سلمان في رحلته المذهلة في الفضاء لتتحدث عن صيامه أثناء الرحلة وقراءته للقرآن الكريم وإجرائه للتجارب والبحوث العلمية وتحركه في المكوك في وضع انعدام الجاذبية ثم المكالمة الشهيرة التي تمت بينه وبين الملك فهد رحمه الله التي تابعها الملايين. وفي فجر السادس من شوال 1405هـ تهبط المركبة الفضائية ديسكفري بأول رائد فضاء عربي مسلم مع الرواد الآخرين لرحلة فضائية استمرت 7 أيام وساعة واحدة وثماني وثلاثين دقيقة، ولا تسل- قارئي العزيز- عن مهرجان الفرح السعودي المترع بمشاعر المجد الوطنية التي أعقبت وصول سموه الكريم في كل بيت وشارع وقرية ومدينة ومنطقة والاحتفال الرسمي والاحتفاء الشعبي بهذا المنجز العظيم. في الأسبوع الفائت يحل سموه الكريم ضيفاً عزيزاً على الأحساء وأهلها فيتخلل الزيارة جولة في عدد من المواقع السياحية والتاريخية الأحسائية، ويؤكد سموه أن الأحساء تمتلك مقومات تاريخية وطبيعية كبيرة واصفاً إياها بالاستثنائية، وأنه بصفته رئيسا للهيئة العامة للسياحة والآثار سيعمل والهيئة مع شركائها في الأحساء على إعداد ملف لتسجيل الأحساء ضمن قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو. والأكيد أن العناية الفائقة بالسياحة والآثار في المملكة قد وصلت إلى مستوى مرموق تحت إشراف ومتابعة سموه ونلحظ- كمتابعين- أن هناك عملاً علمياً دؤوباً لشخصية وطنية تعشق التحدي فمنذ المشاركة في الرحلة الفضائية قبل ثلاثة عقود إلى تسلم ملف السياحة والآثار في الوطن والمنجز النوعي يتواصل بصورة لافتة. أثناء الزيارة يثني سموه على أهل الأحساء بقوله: إن أجمل ما في الأحساء أهلها الذين يتمتعون بدماثة الأخلاق وإكرام الضيف وهم يستحقون منا جميعاً أن نخلص لهم بالعمل والتضحية وننظر معهم وبهم للمستقبل والتطور ونحن نعمل كفريق واحد في ذلك. قلت: باسم كل أحسائي أشكر لسموه هذه الإشادة الكريمة والثناء العاطر، والجميل حقاً- يا صاحب السمو- هو من يرى دوماً من حوله جميلاً.
مشاركة :