يشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) إلى أن معظم دول العالم بدأت بالفعل في وضع خطط واستراتيجيات من أجل أن تكون من الدول المصدرة للهيدروجين بحلول عام 2050م. وتظهر النتائج إلى أن أكثر من 50% من الدول تنوي استخدام مصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين، وهو ما يسمى كذلك بالهيدروجين الأخضر. أما بقية الدول فهي إما مازالت محايدة بالطرق التي تريد استعمالها، أو أنها تسعى إلى تطوير تقنية احتجاز الكربون وتخزينه مع الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري. ولذا فإن من المتوقع أن يشهد قطاع الطاقة تحولاً كبيراً نحو تطبيقات إنتاج وتخزين الهيدروجين الأخضر كمصدر من مصادر الطاقة المتجددة. وقد يكون من الضروري قبل الشروع في الحديث عن تبعات هذا التحول، أن نتناول ما هو المقصود بالهيدروجين الأخضر؟ يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر كوقود بديل عن طريق عملية تسمى التحليل الكهربائي، وذلك عن طريق تمرير تيار كهربائي لفصل جزيئات الماء إلى ذرات هيدروجين وأوكسجين. حيث تكون الكهرباء المستخدمة في العملية عن طريق أحد مصادر الطاقة المتجددة، ويكون المنتج الثانوي الوحيد هو الماء. ما يعني أن العملية بأكملها خالية من الكربون وانبعاثاته، إضافة إلى كونها أكثر استدامة. وبهذا فإن إنتاج الهيدروجين الأخضر يعد أفضل الطرق الممكنة من الناحية البيئية للاستثمار في الهيدروجين بالمقارنة بطرق إنتاج كل من الذي يسمى بالهيدروجين الرمادي أو الهيدوجين الأزرق. والجدير بالذكر أن الصعوبات التي تواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر أكبر من غيرها من الأنواع، وذلك بسبب أن تقنيات التحليل الكهربائي للمياه مكلفة نسبيا، وبالأخص أنها تتطلب مياه محلاة عالية النقاء. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر، إلا أن التوقعات تشير إلى أنه كلفته سوف تنخفض في العشر السنوات القادمة، حيث إن العديد من الدول والشركات توليه اهتماماً كبيراً. فقد تعهدت وزارة الطاقة الأمريكية في عام 2020م بتقديم 100 مليون دولار على مدار خمس سنوات لتطوير أبحاث تقنيات إنتاج الهيدروجين وخلايا الوقود. كما تظهر دراسة أوروبية حديثة أن إيداعات براءات الاختراع لتقنيات إنتاج الهيدروجين الأخضر زادت بمعدل 18% منذ عام 2005م، وهذا يظهر حجم الاهتمام العالمي في هذه التطبيقات، وبالأخص أن العالم يتوجه بشكل متسارع نحو التطبيقات الصديقة للبيئة في ظل خطط واعدة للوصول إلى الحياد الصفري الكربوني. ودول الخليج ليست بمنأى عن التغيرات الدولية في قطاع الطاقة، حيث إنها في الوقت الحالي تمتلك ما يعادل 30% من احتياطات العالم من النفط الخام، و20% من احتياطات الغاز الطبيعي. وذلك يؤهلها إلى أن تكون لاعباً أساسيا في سوق الطاقة العالمي، ولكن إذا ما أرادت أن تواصل دورها الريادي في هذا القطاع الحيوي، فينبغي عليها أن تواكب المتغيرات السريعة لهذا القطاع، وأن تزيد من وتيرة استثماراتها في الصناعات الواعدة، والتي يعد من أهمهما تطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر. وقد يكون مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية من المشاريع التي يحق لجميع دول الخليج أن تفخر بها، حيث يعد هذا المشروع أكبر منشأة متجددة في العالم لتحويل الهيدروجين إلى الأمونيا. وتبلع كلفة المشروع حوالي 5 مليارات دولار أمريكي، ومن المتوقع البدء في المشروع في عام 2025م. ومؤخراً كذلك، أطلقت سلطة عمان رؤيتها الاستراتيجية من أجل الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، والتي تسعى من خلالها إلى إنتاج ما لا يقل عن مليون طن سنويا بحلول عام 2030م، وإلى ما يقارب من 8 ملايين طن في عام 2050م. وعلى العموم فإن توجه دول الخليج نحو التطبيقات الحديثة سيتطلب وقتاً، إذ إنها بحاجة إلى اتخاذ خطوات جريئة لتغير العديد من الصناعات القائمة المرتبطة بالصناعة النفطية. بالإضافة إلى تشجيع التنافسية في السوق المحلية عن طريق زيادة إدماج دور القطاع الخاص، وتكريس بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودعم الابتكار وتنمية قدراتها البشرية. ويمكن للهيدروجين الأخضر أن يلعب دوراً رئيسياً في هذه المعادلة إذا ما تم التخطيط له وفق رؤية شمولية مشتركة لأجل أن يكون مكملاً وداعماً لخطط التحول التي تشهدها دولنا الخليجية في الوقت الراهن. { مدير برنامج الطاقة والبيئة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
مشاركة :