يقول الفيلسوف جان جاك روسو: «القوانين الجيدة تؤدى إلى خلق قوانين أفضل.. والقوانين السيئة تؤدى إلى قوانين أسوأ»! بمعنى آخر يمكن القول إن القوانين الجيدة تمنح الناس الفرصة للعيش بصورة أفضل وأكثر سعادة وأمانا، لذلك يبقي للقانونيين في أي مجتمع دور جوهري في النهوض به، وبأوضاعه بشكل عام، وفي توفير الحماية، وتحقيق المصلحة العامة، فالقانون والنظام أمران أساسيان لضمان البقاء. من بين هؤلاء عائشة محمد عبد الملك، رئيسة الشؤون القانونية في شركة ممتلكات، امرأة من طراز خاص، عشقت القانون، وتفوقت في مجاله، حتى استحقت عن جدارة أن يتم اختيارها ضمن لائحة أفضل المستشارين القانونيين في منطقة الشرق الأوسط للمرة الثانية، وذلك نتاج بصمتها الخاصة التي تركتها في هذا الحقل. في كتاب بعنوان «امرأة من طراز خاص» يقول مؤلفه كريم الشاذلي إن المرأة التي تطمح إلى ارتياد القمة، يجب أن تلتفت إلى عادات خمس، وهي المبادرة، والإقدام، وصناعة حياتها، وتمهيد دربها، والثقة بالنفس، من دون أن تنتظر ما قد يُمنُّ به عليها شخص ما، هنا تقترب بشدة من تحقيق النجاح. نعم، هذا بالفعل ما تجسده تجربة هذه المرأة على أرض الواقع، خاصة وأنها عاشت أجواء أسرية أسهمت كثيرا في صناعة مستقبلها، وتشكيل شخصيتها، وهذا ما سوف نتعرف عليه تفصيلا من خلال الحوار التالي: *كيف أثرت نشأتك في مسيرتك؟ -لقد كنت طفلة مرحة واجتماعية بشكل كبير، وأدرك جيدا معنى الترابط الأسري، وأحترم الجو العائلي والحوار فيما بين أفراده، ولأنني كنت أصغر الأبناء، فكانت علاقتي بأبي وأمي وثيقة بشدة، وتقوم على التحاور، وكان لذلك أثر بالغ على نضوجي في عمر مبكر، وعلى تمتعي بثقة في النفس، وقد تعلمت من والدي الكثير من القيم الجميلة. *ما تلك القيم؟ -لقد شاهدت على مر مشواري كيف كان أبي داعما لوالدتي ويكن لها كل التقدير والاحترام، فقد تزوجت وهي تحمل شهادة الثانوية العامة فقط، ولكنها كانت تتمتع بطموح علمي كبير، فلم يقف أمام هذا الطموح وقدم لها كل المساندة والتشجيع حتى إنها استطاعت أن تحصل على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه وهي زوجة وأم، لذلك هما يمثلان لي قدوة في كل شيء، ولا يفوتني هنا أن أؤكد ما غرسه أبي في من قيمة العلم، وهو ما أثبتته عمليا تجربته مع والدتي، وكان دائما يقول لي إن العلم هو سلاح أي امرأة، ويدفعني نحو تحقيق ذاتي. *لماذا المحاماة؟ -لقد اخترت دراسة تخصص المحاماة في مرحلة الجامعة في وقت كانت نسبة النساء فيه محدودة، لذلك كانت نظرتي أنه من المجالات المميزة والمختلفة، وجاء اختياري له كنوع من التحدي، ثم قررت المواصلة وحصلت على درجة الماجستير بامتياز رفيع من بريطانيا في قانون الشركات والقانون التجاري. *أول محطة عملية؟ -كانت أول محطة عملية لي في مكتب خاص للمحاماة، حيث حصلت على رخصة المحاماة كمشتغلة، ثم أكملت دراسة رسالة الماجستير التي تفرغت لها عاما كاملا، ثم عدت إلى البحرين والتحقت بشركة ممتلكات منذ حوالي عشر سنوات، وقد لاحظت أثناء عملي في مكتب المحاماة أن القطاع القانوني يغلب عليه العنصر الرجالي، حيث كنت أتعامل مع رؤساء أقسام الشؤون القانونية في جهات مختلفة وأجد أن أغلبهم من الرجال من أصحاب الخبرة الطويلة في هذا المجال، أما اليوم فالوضع اختلف وحدثت طفرة كبيرة فيما يتعلق بدور المرأة في القطاع القانوني بشكل عام. *أهم تحدٍ واجهك لكونك امرأة؟ -لا شك أنني واجهت تحديا كامرأة قانونية في البداية، ولكن مع الوقت وتعلم مهارات التعامل، وإتقاني لإدارة بيئة العمل شيئا فشيئا، تغلبت على ذلك، وأذكر أنني في أحد الاجتماعات كنت المرأة الوحيدة بين 12 رجلا، ومع ذلك أثبت وجودي وبكل ثقة بالنفس وباحترافية في التعامل، وقد قوبلت بكل احترام وتقبل من الجميع، هذا فضلا عن تحدٍ آخر كبير. *وما التحدي الآخر؟ -لقد جاءت ترقيتي إلى منصب رئيس الشؤون القانونية بالشركة أثناء حملي في الشهر الثامن لطفلي الأول، ومثل ذلك تحديا كبيرا لي خاصة على المستوى الإنساني، فقد كنت على وشك دخول تجربة الأمومة لأول مرة وهي صعبة ومجهولة بالنسبة إلي، الأمر الذي أكد لي مدى ثقة المسؤولين في جهودي ودعمهم لي، فمثل لي دافعا قويا لإثبات أنني بقدر هذه الثقة والمسؤولية وبالفعل تحقق ذلك على أرض الواقع، بدليل استحقاقي هذه الجائزة التي حصلت عليها مؤخرا. *ماذا وراء استحقاقك للجائزة؟ -من المؤكد أن هذه الجائزة جاءت نتاج وحصاد سمعة جيدة، وأداء متميز وإنجازات عديدة في القطاع القانوني، الأمر الذي أكد لي أنه شغفي الذي بالفعل وجدت نفسي فيه، ولا شك أن المشاريع الاستراتيجية التي نفذت من خلال شركة ممتلكات والدعم القانوني لها كان وراء حصولي على هذه المكانة على مستوى الشرق الأوسط وللمرة الثانية. *كيف ترتبين أولوياتك في الحياة؟ -أعترف بأنني أجد نفسي دائما في صراع مستمر، وذلك من أجل تحقيق التوازن في حياتي بين مختلف المسؤوليات والواجبات، ولكن الأمر المؤكد هو أن العائلة تأتي أولا بالنسبة إلي، وهذا لا يمنع أنه في بعض الأوقات والظروف تفرض احتياجات العمل أن تطغي بعض الشيء لفترة محددة، وأحيانا يحدث العكس، المهم هو إدراك ذلك في الوقت المناسب من أجل تحريك الميزان للكفة المطلوبة لتعويض أي تقصير قد يحدث اضطراريا في مرحلة من المراحل. *أهم قيمة حرصتِ على غرسها في أبنائك؟ -من أهم القيم التي أحاول غرسها في نفوس أبنائي قيمة العائلة ووضعها في قمة سلم الأولويات، والحرص والحفاظ على الترابط فيما بين أفرادها، وكذلك التزام مبدأ احترام الآخر، في الوقت الذي نتمسك فيه بشدة بمبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا، بمعني تقبل الاختلاف دون خلاف، سواء فيما يتعلق بالجنسيات أو الأديان أو المذاهب، ومراعاة خصوصيات كل منها. كيف ترين الجيل الجديد؟ لعل أكبر خطر يهدد الجيل الجديد هو التكنولوجيا الحديثة، والانفتاح اللامحدود في العصر الحالي، لذلك أحرص دائما علي الرقابة غير المباشرة لأبنائي، سواء في وجودي أو أثناء انشغالي من خلال والدي، وبصفة عامة أجد هذا الجيل طموحا بشدة، لكنه يرغب في الوصول السريع، لذلك يجب تأكيد تقديم النصح لهم بالاجتهاد والكفاح من أجل تحقيق أهدافهم، وبأن مواجهة العثرات لا تمثل فشلا مطلقا، وأنه لا يجب أن نستسلم لها، وهذا ما مررت به فعليا على المستوي الشخصي، ولم يحدث قط أن توقفت عند أي تحديات، بل كانت دافعا إلى أن أقرأ وأتعلم وأستلهم الخبرة من أصحابها، وأستفيد منها ، وهذا هو سر نجاحي بفضل الله سبحانه وتعالى. *متى تفشل المرأة؟ -بشكل عام يمكن القول إن المرأة تفشل إذا فقدت الثقة في نفسها، ومن ثم استسلمت سريعا لأي عقبات، وأود أن أؤكد هنا على أمر مهم وهو أن المرأة العاملة بحاجة إلى إرشاد وتوجيه، خاصة فيما يتعلق بكيفية إحداث التوازن في حياتها، وهو ما نجده متوفرا في الدول المتقدمة حيث نجد مكاتب المحاماة العالمية توفر هذه الخدمة من خلال أناس متخصصين في ذلك لتوجيه المرأة العاملة الأم، حتى لو كانت نسبة النساء العاملة بها منخفضة مقارنة بالرجال، وتقدم النصح لها حول كيفية مواجهة أي تحديات قد تعترض طريقها ومن ثم تحقيق طموحها. *رسالة لأي أم؟ -أود أن أقول لأي أم إن الأمومة شعور فطري جميل، لكنه لا يجب أن تجعل منه حاجزا بينها وبين تحقيق ذاتها وطموحها، نتيجة الشعور بالذنب تجاه أبنائها في بعض الأحيان لو قصرت في حقهم، بل تسعي إلى إحداث الموازنة بقدر الإمكان، فكل مشكلة لها حل، صحيح إنه أحيانا تصبح مسؤوليات المرأة أكبر من طاقاتها، ومن ثم تمر بلحظات من الضعف أو الإحباط، إلا أن الحل هنا ليس التوقف عن المسيرة وإنما إعادة برمجة وتخطيط أفضل، وشخصيا حين يحدث معي ذلك أجد نفسي أضع خطة ليوم واحد فقط، هنا يتحقق نوع من الارتياح والهدوء، وهذا انطلاقا من كوني شخصية نظامية تخطط لكل شيء منذ طفولتي . *طموحك القادم؟ -أتمنى أن أترك بصمة مميزة في العمل من خلال قيادة مشاريع استراتيجية وطنية، وأن أصبح قدوة يفخر بها أبنائي وعائلتي، ولا يفوتني هنا أن أؤكد على دعم زوجي الشديد والمستمر لي عبر مشواري، والذي أراه أحد عوامل نجاحي الأساسية في كل خطوة خطوتها طوال مسيرتي، وعلى الصعيد القانوني أطمح في تحديث كل القوانين القديمة لمواكبة العصر والمستجدات ومنها على سبيل المثال القانون التجاري.
مشاركة :