من كان يظن أن الحقيقة ستدرك الخيال إلى هذا الحد؟ وجد علماء الفيزياء الفلكية آثاراً لكواكب خارجية مشابهة لتلك التي تصورتها ملحمة حرب النجوم، فهيا بنا إلى زيارة مباشرة إليها. أول ما يسترعي الانتباه لدى مشاهدة ملحمة حرب النجوم، هو تنوع العوالم بشكل مدهش ولا يصدق، كاعتدال الكوكبين نابو وألدورند والقمر أندور ونباتاته المورقة، وتاتوين الجاف مع شمسيه، ومصطفار بجحيم حممه ومحيط كامينو العملاق، والمدينة العائمة في غازات كوكب بيسبان. أما عن الأقمار القابلة للسكن والكواكب المحيطية والكواكب ذات الحمم البركانية فحدث ولا حرج، فالكثير من هذه العوالم ولدت من بنات أفكار وخيال جورج لوكاس في سبعينات القرن الماضي، وكانت على ما يبدو مجرد أوهام أو خيالات جديرة بكتب الخيال العلمي التي يقرؤها الهواة للترويح عن النفس. ولكن بعد 45 عاماً من تخيلها وتصميمها، وبعد مرور 20 عاماً على أول اكتشاف كوكب خارج المجموعة الشمسية، ها هي هذه الأجرام تصبح مفاهيم علمية حقيقية. وعلينا أن نتذكر فقط أنه مع ظهور المجموعة الأولى من ملحمة حرب النجوم في عام 1977، كان الحديث عن كواكب تقع خارج النظام الشمسي مجرد فكرة علماً بأنه لا يوجد أحد من اختصاصيي الفيزياء الفلكية كان يشك بوجودها، لكنها لم تكن اكتُشفت بعد. ثم تسارعت الأمور، ففي عام 1992، اكتشف الفلكيان ألكسندر فولشتين، وديل فريل كوكبين يدوران حول نجم ميت. وفي عام 1995، كشف كل من ميشيل مايور وديدييه كيلوز، من مرصد جنيف، عن أول كوكب يقع خارج المجموعة الشمسية يدور حول نجمه، 51b Pegasi. ومع تطور طرق الكشف عن هذا النوع من الكواكب، عمل علماء الفلك مع الوقت على اكتشاف المزيد من الكواكب الخارجية، إلى أن وصل عددها الآن إلى أكثر من 1970 كوكباً فضلاً عن الكشف عن تنوع لا يصدق. ويقول جيرمي لوكونت، المتخصص في مناخ الكواكب الخارجية في CNRS، وبمعهد الفيزياء الفلكية في مدينة بوردو الفرنسية: وراء جرأة الابتكارات التخيلية التي أُنشئت، هناك عدد لا يحصى من الأجرام التي وصفتها السلسلة قبل أن تكتشف على أرض الواقع. ويضيف لوكونت: العوالم الخارجية فتحت حقلاً جديداً في البحث فمع القليل من المعلومات التي يمتلكونها (الكتلة والحجم والمدار، ونوع النجم)، بدأ علماء الفيزياء الفلكية بتصميم نموذج لجيوفيزيائية ومناخ هذه العوالم الغريبة ما حدا باختصاصيي علم الكواكب إلى دمج جميع هذه الغرائب الخاصة بالعوالم الخارجية في أبحاثهم. وهنا ظهرت من خلال أجهزة الكمبيوتر كواكب هجينة، ونصف غازية، ونصف أرضية مغطاة بالمحيطات وذات حرارة عالية بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري عليها، أو على العكس من ذلك تماماً حيث نجد منها المتجمدة وذات الصخور الغريبة بطقس غير مستقر. باختصار، ظهر إلى الوجود نيبو وتاتوين ومصطفار وكامينو. ويبدو أن رؤية لوكاس كانت صحيحة فالآلة الكواكبية بلغت على ما يبدو حد اللانهاية وبالتالي عمل على غرس ديكورات لنجوم حقيقية بحدس صحيح، فكل واحد من كواكب حرب النجوم لديه ما يعادله في مجرتنا. ومثال على ذلك كوكب نابو، المعروف في حرب النجوم أنه كوكب الملكة أميدالا الذي ارتكزت عليه أول حلقتين من الملحمة، يقع عند الحدود المتوسطة لقطاع Chommel النجمي، أما توأمه الفعلي فهو كوكب كبلر 452b الذي اكتشف قبل بضعة أشهر، في يوليو/تموز 2015، والواقع على بعد 1400 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة الدجاجة. والحقيقة أنه منذ أن بدأ علماء الفلك بالبحث عن الكواكب الخارجية، كانوا يأملون العثور على كوكب مثل نابو التخيلي، سواء كان من ناحية الحجم المناسب أو من ناحية كونه صخرياً ويقع على مسافة مناسبة من نجمه ليأوي مياه سائلة على سطحه ويكون صالحاً للسكنى. وفي عام 2014، عثر هؤلاء على ما يشبه الأرض، أي كوكب كبلر f186 يدور حول نجم قزم أحمر، ولكن في يوليو الماضي تم الكشف عن مرشح أفضل وهو الكوكب كبلر 452b الذي يدور في المنطقة القابلة للسكنى حول نجم يشبه الشمس، وتتراوح نسبة كونه كوكباً صخرياً بين 42 و62%، ولم يزل على العلماء حساب كتلته لمعرفة كثافته والتحقق ما إذا كان يشبه نابو ويحوي شلالات وأنهاراً وغابات وجبالاً. الكوكب الثاني الذي تخيله صاحب حرب النجوم، هو بيسبان Bespin الواقع في الحافة الخارجية، لقطاع Anoat. وتظهر مدينته العائمة، وهي مدينة الغيوم، في الجزء الخامس من السلسلة حرب النجوم: الإمبراطورية تعيد الضربات. فبيسبان كوكب غازي عملاق وثقيل، ويقع في نطاق رصد التلسكوبات إلا أنه لإثبات أن يمتلك مدينة، ومنطقة ذات مناخ معتدل، يجب أن يدور بعيداً عن نجمه كما هو الحال بالنسبة لأرضنا عن الشمس، ما يعني أنه يجب أن نتتبعه 11 سنة على الأقل للكشف عنه. والواقع أن التلسكوبات وجدت العديد من هذا النوع من الكواكب، من بينها HD 154345b وهو يشبه تقريباً بيسبان، وبالكاد أصغر من كوكب المشتري ويدور حول نجم كالشمس، على بعد 59 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة هرقل، لكنه يحصل على كمية من الضوء تقل عما تتلقاه الأرض من الشمس، أما غلافه الجوي في العمق فهو أكثر دفئاً، وهذا لا يكفي لدعم فرضية وجود الماء السائل عليه على حد قول جيرمي لوكونت، فمدينة الغيوم يمكن أن تكون على عمق 200 كم، حيث يخيم ضغط لا يزيد على بضعة بارات. ونصل الآن إلى تاتوين، أو الكوكب ذي الشمسين. هذا الكوكب الصحراوي الذي شهد مولد عائلة سكاي ووكر في حرب النجوم، على الأرجح هو الأكثر رمزية في هذه الملحمة النجمية، لأنه يظهر في كل الأجزاء باستثناء الجزء الخامس، وهو يقع في الحافة الخارجية. ويقول جيرمي لوكونت: دراسة هذه النظم المعقدة بدأ للتو، واكتشفت عشرات من الكواكب الصغيرة حول نجوم مزدوجة، تقع في مجال رصد التلسكوبات ومن بينها ما يشبه تاتوين، ولكن ليس توأمه. والكوكب المقصود هو كبلر 453B، الذي اكتشف في أغسطس/آب الماضي في كوكبة القيثارة على بعد 1400 سنة ضوئية من الأرض. كما أنه يدور في المنطقة القابلة للسكنى لزوج من النجوم المكونين من قزم أحمر ونجم يشبه الشمس، وذلك على مسافة جيدة يمكن من خلالها أن يستفيد من درجات حرارة معتدلة. وبالنظر إلى حجمه، فإنه يبدو أكثر شبهاً بكوكب نبتون من كونه كوكباً صحراوياً رملياً، ولكن يمكنه إيواء قمر صخري. والآن، هيا بنا لنلقي نظرة على الكوكب مصطفار الجهنمي أو الكوكب البركاني، الذي كان بمثابة النقطة الأساسية النهائية التي ركزت على الجزء الثالث من ملحمة حرب النجوم. يقع مصطفار عند الحافة الخارجية للمجرة وبالتحديد في القطاع أترافيس Atravis. وهنا يمكن للمرء أن يفكر في كورو B7 الصخري الشهير، ذي السطح السائل تماماً، ولكن لا حياة يمكن أن تتحمل درجات الحرارة عليه كما يؤكد جيرمي لوكونت، الذي يرى أن النسخة المطابقة تقريباً لعالم أكثر عدائية هو جليسي E581، الذي اكتشف في عام 2009 ويقع على بعد 20 سنة ضوئية من الأرض في كوكبة الميزان، ويدور بالقرب من كوكبين آخرين وبالقرب من نجمه، بحيث يقابله دائماً بنفس الوجه، وهذا ما يفسر الليل الدائم الذي يسود على الكوكب مصطفار ودرجات حرارته المعتدلة. يقول جيرمي لوكونت، إن درجة الحرارة الفعلية على جليسي E581 تبلغ 280 درجة مئوية من جهة الشمس ولكن من الجانب المظلم، يجب أن تكون أكثر برودة من ذلك بكثير، خصوصاً أن مداره الخارج عن المركز إلى حد كبير، سيجعله خاضعاً لقوى المد والجزر الشديدة التي ستعمل بالتالي على دلك نواته الصخرية، محدثة نشاطاً بركانياً واسع النطاق. أما على الكوكب المحيطي كامينو Kamino فنجد مخلوقات رشيقة السيقان تصنع الأسلحة لجيش الإمبراطورية في الجزء الثاني من الملحمة. ويقع كامينو خارج حدود المجرة، ويشبهه كبلر E62 الذي اكتُشف في عام 2013 في كوكبة القيثارة، على بعد 1200 سنة ضوئية من الأرض، وهذا الكوكب يدور في المنطقة القابلة للسكنى حول نجم قزم برتقالي من النوع (K). مما لا شك فيه، أن هناك الكثير من الكواكب المشابهة لكامينو، بين الكواكب الخارجية. ويقول جيرمي لوكونت: اختراع هذا المفهوم من الكواكب المغطاة بالمياه، جاء لشرح اكتشاف الكواكب المتوسطة بين الأرض ونبتون فهي كبيرة جداً، كي تكون صخرية وصغيرة جداً كي تكون غازية. ويضيف لوكونت، أنه من الصعب أن نحدد أياً منها هو القريب من كامينو، لأن الحدود بين الكواكب الصخرية والغازية والمحيطية تستند على تكوين هذه الكواكب، التي لا يزال من الصعب معرفة تركيبها بدقة، فيمكن أن يكون جليسي 1214 (نصف قطره يعادل 2.7 من نصف الأرض) أو كبلر B 22 (نصف قطره يعادل 2.4 من نصف قطر الأرض)، ولكن إذا كان لنا أن نصدق أحدث دراسة حول هذا الموضوع، فيبدو من الظاهر أن نصف قطره يتجاوز 1.6 نصف قطر الأرض، ما يعني أن كوكباً غازياً يشبه كامينو يجب أن يكون كبلر E62 وهو كوكب صغير يدور حول نجم برتقالي. وأخيراً، نصل إلى الكوكب هوث، الملجأ الجليدي للمتمردين، ومسرح المعركة الحاسمة في الجزء الخامس من الملحمة. يدور هذا الكوكب في منطقة Anoat أي على طرف المجرة وهو يشبه كبلر b 441 الذي اكتشف قبل عام واحد فقط، على بعد 900 سنة ضوئية من الأرض، والواقع في كوكبة التنين. ويحلل جيرمي لوكونت، المسألة قائلاً: نظراً للمناخ الذي يبدو أنه يسود على هوث، يجب أن يكون الكوكب موجوداً عند الحافة الخارجية من المنطقة القابلة للسكنى، أو حتى خارجها، والكوكب الذي يناسب تماماً هذا الوصف هو (كبلر b 441) وبسبب الشكوك المتعلقة بالقياس، فإنه من المستحيل القول ما إذا كان يدور في المنطقة القابلة للسكنى أو خارجها فإذا كان يقع أقرب إلى نجمه الصغير من الأرض بالنسبة إلى الشمس، فهذا يعني أن (كبلر b441) يجب أن يكون محصوراً في فلكه، مثل القمر حول الأرض، إلا أن دراسة أظهرت أن قوى المد والجزر كافية لتسريع الدوران، وبالتالي توليد معادلة النهار/ الليل، التي كادت أن تكلف لوك سكاي ووكر حياته، في السلسلة.
مشاركة :