يُعرف إدمان وسائل التواصل الاجتماعية أنه حالة مرضية نظرية جاء نتيجة الاستخدام المرضي لوسائل التواصل الاجتماعي، الذي يؤدي إلى اضطرابات في السلوك. وهي ظاهرة قد تكون منتشرة تقريبًا لدى جميع المجتمعات في العالم بسبب توافر أجهزة الهواتف الذكية ليس في كل بيت فحسب وإنما في كل يد، حتى أطفال اليوم لم يسلموا من هذا النوع من الإدمان، وربما ترجع ظاهرة الإدمان على وسائل التواصل لعدة أسباب، من أهمها: الملل، الفراغ، الوحدة، المغريات التي توفرها تلك الوسائل للفرد وغيرها الكثير، بحسب ميول الفرد. وإدمان وسائل التواصل سلوك مَرَضي قهري متصل ببعض استخداماتها، يعطل الحياة الطبيعية ويسبب ضغوطًا شديدة على الحياة الاجتماعية والعمل، كما أنه يُعد مشكلة نفسية وسلوكية عالمية. وقد صدر مؤخرًا (2021) حول هذاالموضوع دراسة بعنوان (العلاقات الأسرية في ظل الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي) للباحث عبدالغني أحمد علي الحاوري، عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ببرلين. لنحاول أن نستعرض بعض ما جاء في هذه الدراسة. يقول الباحث في مقدمة الدراسة إنه لم يعد خافيًا على أحد الانتشار الهائل الذي حققته وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط لدى المجتمعات والأسر المتقدمة، وإنما لدى الشعوب النامية والمتخلفة، فبحسب بعض الإحصائيات فقد بلغ عدد مستخدمي الفيس بوك مليارين وثلاثمائة مليون، وبلغ عدد مستخدمي الواتس أب مليارا وثلاثمائة مليون، ومثله اليوتيوب، وأقل بقليل منهما التويتر. هذا الإقبال الكبير على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد قاصرًا على فئة بعينها أو جماعة بذاتها، أو طبقة من طبقات المجتمع، بل تكاد كل فئات المجتمع وشرائحه صغارًا وكبارًا ذكورًا وإناثًا، مثقفين وغير مثقفين يستخدمون تلك الوسائل ويشتركون في واحدة أو أكثر من حسابات هذه الوسائل الاجتماعية. والأسرة –بشكل عام– وحدة من وحدات المجتمع التي باتت تستخدم هذه الوسائل الاجتماعية بشكل يومي، وأصبح الأب والأم والأبناء والبنات منهمكين في استخدام هذه الوسائط الاجتماعية من بداية يومهم وحتى نهايته، لا يبدأون يومهم إلا باستعراض آخر ما وصلتهم من رسائل، ولا ينامون إلا بعد متابعة جديدها، حتى أثناء الأكل –وهي الأوقات الرسمية التي تلتقي فيها الأسرة– يتناول الأب أو الام أو أحد الأبناء الأكل بيده اليمني، وفي يده اليسرى يحمل الهاتف ويتصفح جديد المجموعات ويرد على رسائل الأصدقاء، ثم يواصل الباحث ويقول: هذا الإفراط في استخدام هذه الوسائل الاجتماعية أدى إلى فتور العلاقات داخل الأسرة وأصبحت في حدودها الدنيا، واختفت الكثير من اللقاءات والاجتماعات والحوارات الأسرية التي كانت تُعقد داخل الأسرة قبل ظهور هذه الوسائل، بل انقرضت الكثير من الأنشطة الثقافية والعلمية والترويحية والدينية التي كانت تجمع الأسرة بين الفينة والأخرى، وهو الأمر الذي يستدعي من الباحثين والمختصين الاهتمام بدراسة هذه المشكلة في محاولة منهم لتقديم رؤى تتجاوز هذه التعقيدات ولا تقفز على معطيات العصر ومتطلباته. وفي واحد من مباحث الدراسة يقارن الباحث بين العلاقات الأسرية قبل وبعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها في البيت، فيقول: لا شك أن القارئ الكريم، وخاصة إن كان من جيل التسعينيات وما قبلها يعرف كيف كانت تبدو عليه العلاقات الأسرية قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن هنا لا نقول إنها أفضل أو أسوأ بقدر ما نحاول تقديم صورة عن تلك الروابط والأنشطة التي كانت سائدة أو قائمة لدى كل أسرة، فالغالبية تدرك أن العديد من الأنشطة سواءً الروحية أو الترفيهية أو العلمية أو الثقافية أو غيرها من الأنشطة كانت تمارس داخل كل أسرة بمفردها أو بين عدة أسر مجتمعة، ثم يستعرض الباحث العديد من الأنشطة التي كانت تمارس في الأسر العربية قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: 1- الأنشطة العلمية والثقافية: هناك العديد من الأنشطة الثقافية والعلمية ذات الطابع الفكري التي كانت تعقد داخل الأسرة بشكل مستمر، سواءً كانت في إطار الأسرة الواحدة أو في إطار عدة أسر مجتمعة، وقد تكون تلك الأنشطة على شكل مسابقات ثقافية أو تحديات فكرية كالألغاز أو حل الكلمات المتقاطعة، حيث يقسم أفراد الأسرة إلى قسمين إما الذكور في فريق، والإناث في فريق آخر، أو أي شكل آخر من التقسيم، لتبدأ بعد ذلك الأنشطة، وقد تكون برعاية وإشراف الوالدين أو أحدهما، وربما تتم بدون رعايتهما. 2- الأنشطة الفنية: كانت الأسرة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي غنية بالكثير من الأنشطة الفنية مثل: الرسم والنشيد والنحت التي كانت تزخر بها العديد من البيوتات والأسر، وكان الأبوان مهتمين بمتابعة أنشطة أبنائهم الفنية، وإذا تطلب الأمر يقومان بشراء بعض المواد والمستلزمات التي تتطلبها تلك الأنشطة أو تلك الهوايات. 3- الأنشطة الترويحية: هذه الأنشطة أيضًا كانت تمتلئ بها الأسر قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي كالألعاب بمختلف أنواعها مثل الألعاب ذات الطابع الشعبي التقليدي أو الألعاب الوافدة الحديثة مثل: كرة القدم، ألعاب الشطرنج، الألعاب الورقية بأنواعها، الدومنة وغيرها من الألعاب. 4- الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية: كانت الأسرة قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي تزخر بالعديد من الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية، واهتمت بتشجيع أفرادها على انتاج العديد من المنتجات مثل: الملبوسات أو مستلزمات الطبخ والأكل أو تلك المتعلقة بالنسيج والخياطة الخاصة بالفرش والاثاث وملبوسات أفراد الأسرة وغيرها التي عملت على سد بعض حاجات الأسرة، وأحيانًا كانت تأخذ منحى تسويقيا. 5- الأنشطة الجمالية: هناك الكثير من الأنشطة الجمالية التي كانت تتم داخل الأسرة كأنشطة التزيين التي كانت تضيف لمسات جميلة على المنزل مثل: بعض التشكيلات الورقية، أو بعض اللوحات ذات المغزى الجمالي أو ما شابه ذلك من تشكلات كانت تهتم بها الأسرة، وخاصة البنات التي كن يتميزن بحسهن الجمالي أكثر من الذكور، وبالتالي كانت الكثير في زوايا البيوت أو غرف الطعام تزخر بالتشكيلات الجميلة التي تضفي منظرًا جميلاً على المنزل. ونكتفي هنا بذكر بعض تلك الأنشطة التي ذكرها الباحث، والتي كانت تمارس في الأسر قبل إدمان وسائل التواصل الاجتماعي في المنزل، لنتحدث عن تأثير هذه الوسائل على الأسر بعد انتشارها، إذ يستعرض الباحث بعض المظاهر التي ظهرت وانتشرت بين الأسر، إذ نشير إلى بعض منها، وهي: 1- تغير طريقة تعامل الأفراد: فبدلاً من أن تجتمع في لقاء عام، وتتحاور فيه، فإن كل فرد يتجه إلى زاوية من زوايا البيت، أو إلى غرفته الخاصة ويبدأ في استخدام هاتفه الجوال، والدخول على مواقع التواصل الاجتماعي للحديث مع هذا وذلك، وإجراء الحوارات حتى أن بعض الحوارات الأسرية تتم من خلال هذه الوسائل، إذ يتم الاتفاق داخل الأسرة على إجراء بعض الأنشطة أو توجيه بعض الأوامر. 2- كل فرد يعيش في عالمة الافتراضي: أصبح الأفراد يجتمعون في بيت واحد، لكن كل واحد منهم يعيش في عالمه، وهذه من المشاكل التي جاءت بها هذه الوسائل وهي ملاحظة في أغلب البيوت فأجسادهم في نفس البيت، لكن قلوبهم في عوالم مختلفة، فكل واحد يعيش في عالمه الافتراضي الذي بناه وشيد أعمدته وكون أركانه يومًا بعد آخر. 3- الاغتراب الاجتماعي: بسبب استغراق الفرد في عالمه الافتراضي فإنه يصل إلى مرحلة الاغتراب عن واقعه الاجتماعي، وهنا تكمن المشكلة لأنه في هذه الحالة يفقد الكثير من المهارات الأسرية والشخصية والاجتماعية، ويصبح غير قادر على مواكبة التطورات والأحداث والمهارات، وهو الأمر الذي يبتعد فيه كل يوم عن أسرته، ويقترب أكثر من المشاكل والمخاطر المتمثلة في الإدمان والانحراف والجريمة والتفكير في الانتحار. 4- الصراع المستمر بين الآباء والأبناء: الكثير من الأسر تنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها رعبًا أو كابوسًا تسلط عليها، فالأب والأم يظلان في عراك مستمر مع الأبناء بسبب هذه الوسائل، لأنها إما أبعدتهم عن مهامهم وواجباتهم الأسرية فانشغلوا عنها، أو قصروا في القيام بما عليهم من واجبات تجاه الأسرة والمجتمع، أو لأنها شغلتهم عن أهدافهم الرئيسية ومستقبلهم الحقيقي المتمثل في الجانب الدراسي والأكاديمي، أو لأنها – وهذا هو الأخطر- سهلت لهم الدخول إلى بعض المواقع المشبوهة أو لأنها في أحسن الأحوال جعلتهم يستخدمونها فقط للترفيه والمحادثات غير المجدية والنكات فأفرطوا في استخدامها ليصل استخدام البعض منهم إلى ما يقارب عشر ساعات يوميًا. 5- انشغال الآباء عن القيام بأدوارهم: بعض الآباء لا يقل استخدمًا لوسائل التواصل الاجتماعي عن أبنائهم، وهو ما يمثل عقبة أمام أي حل، فالأبناء يقتدون بآبائهم ويمارسون نفس السلوك الذي يمارسه آباؤهم، والآباء في هذه الحالة كأنهم يرسلون برسالة إلى أبنائهم مفادها: لا عليكم إن أنتم أفرطتم أو أدمنتم استخدام هذه الوسائل، وليس عليكم ذنب إن أنتم قصرتم في واجباتكم المدرسية، أو فرطتم في بعض علاقاتكم الأسرية والاجتماعية، فهذه هي الرسائل التي سيفهمها الأبناء من استخدام آبائهم المفرط لها. ثم يختم الباحث دراسته بالعديد من الارشادات الأسرية والضوابط لكيفية استخدام هذه الوسائل قبل بلوغ مرحلة الإدمان، وبعد مرحلة الإدمان، ودور المؤسسات المجتمعية والمدارس والإعلام ودور العبادة، وأخيرًا وأولاً أولياء الأمور، فهم القدوة ولهم دور مهم لا يستهان به. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :