أولت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيام الاتحاد على يد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أهمية خاصة للعناية باللغة العربية والمحافظة عليها انطلاقاً من إيمانها بحماية الهوية الوطنية التي تشكل اللغة العربية أحد أبرز مكوناتها. وتعزز رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، هذه العناية البالغة باللغة العربية من خلال كل المبادرات والجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة للحفاظ على اللغة العربية وتمكينها في جوانب الحياة اليومية كافة، وجعلها في المكانة التي تليق بها بين اللغات القادرة على مواكبة موجات التحديث والتطور العالمية. وقد أخذت الإمارات على عاتقها مهمة النهوض بلغة «الضاد» وتمكينها من خلال استراتيجية عمل متكاملة تشرف على تنفيذها جهات ومؤسسات وطنية عدة، أطلقت مبادرات تصب جميعاً في مصلحة تمكين اللغة العربية. وتتخذ الجهود والمبادرات التي تبذلها دولة الإمارات لدعم اللغة العربية طابعاً تحفيزياً لمختلف الفئات العمرية، مع التركيز خاصة على فئة الأطفال والشباب، بهدف تكريس اعتزاز أبناء الإمارات والعالم العربي بهويتهم، وإرثهم الحضاري العريق وتاريخهم المجيد. وفي هذا السياق، أشاد خبراء في مجال اللغة العربية والمعاجم اللسانية بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على اللغة العربية وخدمتها، والتي تهدف إلى النهوض بلغة «الضاد» والارتقاء بها، وأكدوا أن الحفاظ على لغة القرآن الكريم هو حفاظ على الدين وعلى تاريخ وحضارة العرب. وأكد الخبراء لـ«الاتحاد» بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل عام، أن خدمة الإمارات للغة العربية نابعة من سعيها للحفاظ على الهوية والتراث العربي في نفوس الأجيال الجديدة، مقدمين كل شكر والتقدير للقيادة الرشيدة على الاهتمام البالغ بلغة القرآن الكريم، وشددوا على أن هذه الجهود والمواقف النبيلة سيذكرها التاريخ لدولة الإمارات، وستسجل في أنصع صفحاته الخالدة. «أبوظبي للغة العربية» وأشاد الخبراء في الدراسات اللسانية واللغوية بالجهود المتميزة التي يبذلها مركز أبوظبي للغة العربية، والمبادرات والمشروعات التي ينجزها باطراد، والتي من شأنها السير بلغة الضاد أشواطاً بعيدة إلى الأمام على طريق التحديث والتمكين والتثمين، خاصة أن منشورات وفعاليات المركز تلقى تجاوباً واسعاً وإشادة كبيرة لدى قطاعات كثيرة من المثقفين وجمهور قراء اللغة العربية في مختلف البلدان العربية وخارجها أيضاً على صعيد عالمي. مركز الشيخ زايد وبداية، أكد الدكتور محمود كامل الناقة، أستاذ المناهج وتعليم اللغة العربية بجامعة عين شمس، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة لها جهود ومبادرات كثيرة يصعب حصرها في خدمة اللغة العربية والحفاظ عليها، لافتاً إلى أن هذه الجهود تنم وتترجم اهتمام الدولة بتعليم العربية لأبنائها وللناطقين بغيرها من اللغات الأخرى، مثمناً ومقدراً هذه الجهود التي يصعب حصرها في عجالة. وأشار عضو مجمع اللغة العربية في تصريح لـ«الاتحاد» إلى جوانب مجهودات الدولة في تعليم اللغة العربية ونشرها عبر العالم مثل إنشاء مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للدراسات العربية والإسلامية في العاصمة الصينية بكين، ومركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة الأزهر، مثمناً فوز مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية بجائزة أحسن مبادرة مبذولة في الوطن العربي عن تعليم اللغة العربية. وأشاد محمود الناقة بمبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومبادرته العالمية في الحفاظ على اللغة العربية من خلال مشروع «تحدي القراءة العربي»، بالإضافة إلى مسابقات الشعر العربي التي تقام في الإمارات مثل مسابقتي «أمير الشعراء» و«شاعر المليون» وغيرهما، وكذلك مسابقات كتب الأطفال، مشيراً إلى حرص الجامعات في الإمارات على تدريس متميز للغة العربية لجميع الطلبة في الكليات المختلفة. وثمن الدكتور محمود الناقة اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، باللغة العربية، حيث تبنى مجامع اللغة العربية في الوطن العربي، وأنشأ مقراً لاتحاد المجامع اللغوية العربية في مدينة 6 أكتوبر ويضم مقراً لمجمع القاهرة وهو «أبو المجامع»، بالإضافة إلى مشاركته في المؤتمرات السنوية للمجامع اللغوية، ودعمه للجوائز الثرية للمجهودات المبذولة في تعليم اللغة العربية، وكذلك تبنيه لمعجم الشعر العربي ومعجم اللغة العربية والمعجم التاريخي للغة العربية. منارة ثقافية وقال الدكتور محمود كامل الناقة: «يمثل مجمع اللغة العربية بالشارقة الذي أنشئ عام 2016 بأمر من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، منارة ثقافية في علوم اللغة العربية، إذ تجرى فيه الدراسات والبحوث المتعلقة باللغة العربية والإشراف عليها ونشرها، إضافة إلى بحث ودراسة كل ما من شأنه أن يرتقي باللغة العربية، وإحياء التراث العربي والإسلامي، والعمل على توثيقه، ودراسة المصطلحات العلمية والأدبية والفنية والألفاظ الحضارية». ويعد «المعجم التاريخي للغة العربية» أحد المشروعات المهمة التي تبناها صاحب السمو حاكم الشارقة، ويهدف للنهوض بهذه اللغة والارتقاء بها وخدمتها والحفاظ عليها للأجيال القادمة، وكذلك التعريب والترجمة العربية، وإيجاد الألفاظ الجديدة المتوائمة والمتماشية مع هذا العصر، ويعد المشروع المعرفي الأكبر للأمة الذي يؤرّخُ للمرة الأولى تاريخ مفردات لغة الضاد وتحولات استخدامها عبر 17 قرناً منذ عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الحاضر. أخبار ذات صلة عبدالله بن زايد: تعزيز المكانة الريادية للإمارات وطموحاتها المناخية تم نموذج عالمي لأفضل الخدمات مدونة علمية جليلة والمعجم التّاريخي مدونة علمية جليلة، حيث يضمّ جميع ألفاظ اللغة العربية، ويبيّن أساليبها، ويوضح تاريخ استعمالها أو إهمالها، وتطوّر دلالاتها ومبانيها عبرَ العصور، ويُعنى بذكر الشّواهد ومصادرها مع التّوثيق العلمي لكل مصدر، فهو معجم لغويّ موسّع يكشف عن تاريخ اللغة العربيّة، وعن تاريخ الأمّة العربيّة وحضارتها. وأطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة 19 مجلداً جديداً من المعجم مؤخراً، وتغطي أربعة أحرف هي «الحاء والخاء والدال والذال»، ليصبح العدد الكلي للحروف التي تمّ تحريرها إلى الآن 9 أحرف، من الهمزة إلى الذال، وبذلك ارتفع عدد المجلدات المنجزة من المشروع إلى 36 مجلداً. تعاون عربي وقال عضو مجمع اللغة العربية لـ«الاتحاد» إن خدمة اللغة العربية من خلال المجهودات التي تقوم بها الإمارات، هي خدمة للقرآن الكريم، حيث نمكن الناس من الاتصال بكتاب الله وبالسنة النبوية، ونمكن غير الناطقين باللغة العربية من المسلمين وغير المسلمين من الاتصال بالثقافة العربية والإسلامية، ومعرفة الدين الإسلامي على حقيقته السمحة، مؤكداً أن هذه المجهودات وراءها رؤية حكيمة مستنيرة. واختتم الناقة كلامه مطالباً بضرورة التعاون بين الدول العربية لخدمة لغتها الأم في نشاطاتها المختلفة ومشروعاتها المتعددة في ميدان رعاية اللغة العربية وتعليمها ونشرها، موجهاً كلمة للمسؤولين العرب قائلاً: «ينبغي أن تُسن القوانين الواضحة والصارمة للالتزام باستخدام اللغة العربية في الدوائر الحكومية والإعلانات وأسماء المحال، حتى لا تطغى اللغات الأجنبية على لغتنا الأم في أوطانها». ميثاق العربية ويعتبر ميثاق اللغة العربية الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في أبريل 2012، علامة فارقة في مسيرة الإمارات وجهودها لحماية اللغة العربية نظراً لحزمة المبادرات القيمة والعملية التي تضمنها، بهدف تعزيز حضور «لغة الضاد» في كل المجالات الحياتية. وفي عام 2012 أيضاً أسس المجلس الاستشاري للغة العربية التابع لوزارة الثقافة، بهدف جعل الإمارات مركزاً للامتياز في اللغة العربية انطلاقاً من رؤية الإمارات 2021. وأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حزمة من المبادرات التحفيزية لرفعة اللغة العربية وترسيخ مكانتها محلياً وإقليمياً ودولياً، ومنها تأسيس لجنة تحديث تعليم اللغة العربية، وإطلاق معجم محمد بن راشد للغة العربية المعاصرة، وجائزة محمد بن راشد للغة العربية، ومبادرة تحدي القراءة العربي، ومبادرة الوسم «بالعربي» وغيرها. تثمين اللغة الأم ومن جانبه، أكد الدكتور أحمد زارع المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر، حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على اللغة العربية من خلال الجهود المبذولة والمبادرات العالمية التي تقدمها خدمة للغة «الضاد»، ومنها مبادرة ومسابقة تحدي القراءة العربي، حيث فاز في إحدى السنوات بهذه الجائزة طالب من الأزهر الشريف، مؤكداً أن هذه المبادرات تؤكد حرص القيادة الإماراتية على أن تكون اللغة العربية دائماً في صدارة الاهتمام. واعتبر المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر في تصريح لـ«الاتحاد» أن هذه الجهود نابعة من شعور قادة الإمارات بضرورة المحافظة على اللغة العربية وحمايتها من أي تهميش أو ضرر قد تتعرض له، منوهاً إلى أن ما يحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أحياناً من إهدار للغة الضاد، والاعتماد على بدائل أخرى من اللهجات العامية وما يسمى بـ«الفرانكو»، تهدد اللغة العربية، وتعرضها للضعف مع الأجيال الجديدة. وأضاف زارع: «حينما تأتي الإمارات بهذه الجهود التي تدعو إلى القراءة وإلى الحفاظ على اللغة العربية، فإنما تحرص على أن تبقى اللغة العربية هي اللغة الأم للعرب جميعاً، لأنها اللغة التي تحوي تراثنا وهويتنا وتحافظ عليها، ولأهمية كل ذلك في مواجهة عصف رياح العولمة العاتية التي تريد أن تستقطب التراث العربي والثقافة الأصيلة، وتستهدف الهوية العربية». وأكد زارع أن خدمة الإمارات للغة العربية نابعة من سعيها للحفاظ على الهوية العربية والتراث العربي في نفوس الأجيال الجديدة، مقدماً التحية والشكر لقادة الإمارات القائمين على الاهتمام باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، مؤكداً أن الحفاظ على اللغة العربية هو حفاظ على الدين الإسلامي والهوية الإسلامية وتاريخ وحضارة العرب، مضيفاً: «هذه الجهود سيذكرها التاريخ لدولة الإمارات وستسجل في أنصع الصفحات هذه المواقف النبيلة». نشر العربية بطريقة راقية أكدت الدكتورة إيمان أحمد هريدي، المشرف الأكاديمي على مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، أن المبادرة بالحفاظ على اللغة العربية ونشرها مكرمة تُنسب للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مشيرةً إلى أن إطلاق اسم الشيخ زايد على مركز تعليم اللغة العربية بجامعة الأزهر جاء نتيجة لمكارمه الكثيرة في صون وتثمين لغة الضاد. وقالت المشرف الأكاديمي خلال حديثها لـ«الاتحاد»، إن مركز الشيخ زايد للغة العربية الذي تم إنشاؤه بتمويل من مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، يُعد صدقة جارية للشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، تُكتب له مدى الزمن، ويأخذ بها حسنات من كل لسان تحول إلى لسان عربي مُبين، مؤكدةً أن المركز متميز وفريد من نوعه على مستوى العالم، وأنه يُتيح للطالب الأجنبي ممارسة اللغة العربية بين أهلها. واعتبرت هريدي إنشاء المركز بالأزهر الشريف دليلاً على الشراكة الراسخة بين الدولتين الشقيقتين العريقتين الإمارات ومصر، حباً وتحقيقاً لأهداف تعليم اللغة العربية، ونشراً للثقافة العربية بطريقة راقية عصرية تستحقها هذه اللغة، مثمنةً اهتمام دولة الإمارات العربية باللغة العربية. وقد تم إنشاء مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في مصر عام 2010 من خلال مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية، وهو مكون من مكتبة وقاعة محاضرات ومبنى الإدارة، وبلغت تكلفته في ذلك الوقت 3 ملايين و400 ألف دولار، ويعد أكبر مركز على مستوى الوطن العربي يعمل على نشر اللغة العربية على أوسع نطاق.
مشاركة :