بدأت شركة «سينتي مارين كوربوريشن» كشركة صغيرة، حيث كانت تشتري وتبيع عددا محدودا من السفن في تسعينات القرن الماضي. لكن سينتي مارين، وهي شركة صينية مملوكة للدولة، انهمكت في توسيع نشاطها بالاستدانة على مدار السنوات القليلة الماضية، فافتتحت حوض بناء السفن الخاص بها، ووقعت طلبات تبلغ قيمة الواحدة منها مئات ملايين الدولارات. والآن، تقف الشركات الغارقة في الديون مثل «سينتي مارين» في مهب متاعب اقتصادية في الصين التي تواجه في الآونة الأخيرة حالة من عدم الاستقرار سواء في العملة أو أسواق المال والسلع. ومؤخرا جدا، وجدت «سينتي» نفسها أمام القضاء، حيث طلب أحد أكبر المصارف في الصين تصفية الشركة لتغطية القروض المستحقة. وتقوم الجهات الحكومية ذات الصلة بالتحقيق في دقة التقارير المالية للشركة، بينما جرى تجميد حساباتها المصرفية مؤخرا، ولم يتم التعامل على أسهمها في بورصة شنزن منذ أغسطس (آب). قال ماثيو فلين، استشاري الشحن البحري في هونغ كونغ: «الوضع صعب جدا». وبناء السفن جزء من قائمة طويلة من الصناعات الصينية، بما في ذلك الصناعات الحديدية، وتعدين الفحم، وصناعة السيارات، التي أفرطت في الاقتراض من البنوك الحكومية من أجل توسعة نشاطاتها خلال أيام الازدهار، فساهمت في دفع معدل نمو وصل 10 في المائة على مدى 3 عقود. لكن معدل النمو انخفض الآن لنحو 7 في المائة، وبدأ الكثير من الشركات يعاني نقصا حادا في السيولة المالية. لقد أصاب الاتجاه الذي يمضي فيه الاقتصاد الصيني المستثمرين في أنحاء العالم بالقلق، وجعلهم يترقبون أسعار النفط. أما الشركات التي تعاني مشكلات مثل «سينتي مارين»، فتلقي بظلال غائمة على المستقبل. وقد تمكنت الشركات الصينية المملوكة للدولة على مدار سنوات من رفع أسعار منتجاتها بانتظام لمساعدتها على الوفاء بديونها. غير أنه مع انسحاب المستهلكين وبداية الضغوط بفعل الانكماش الاقتصادي، تضطر الشركات لخفض الأسعار، بينما يتعين عليها سداد نفس المستحقات من الديون. وتضع هذه الأزمة الطاحنة التي تمر بها الشركات جهود الحكومة لإدارة الاقتصاد في مأزق كبير. فمن أجل وقف انهيار النمو، تتحرك السلطات بإجراءات حفز، مثل بناء المزيد من خطوط السكك الحديدة للقطارات فائقة السرعة، وتشجيع المصارف المملوكة للدولة على مواصلة الإقراض. غير أن الصين تظل في وضع صعب حتى مع زيادة مستويات الإقراض، حيث يساهم انهيار الشركات في مفاقمة الضغوط. في العام الماضي، زاد إجمالي الديون كافة في الصين - على الأسر والشركات والحكومة - بمقدار يساوي 12 في المائة من إجمالي اقتصاد البلاد. أما إجمالي الإقراض، فزاد في ديسمبر (كانون الأول) بأسرع معدل له منذ يونيو (حزيران)، بحسب ما توضح الأرقام التي نشرها المصرف المركزي يوم الجمعة الماضي. وتتحرك الشركات العاملة في القطاعات الصناعية، وهي التي تلقت معظم الإقراض، في بيئة محفوفة بالمخاطر. ويعني تدني أو انهيار الأسعار أن الشركات تحتاج لزيادة حادة في حجم مبيعاتها سنويا ليكون لديها عائد يكفي لتغطية الديون المستحقة عليها. لكن زيادة الأسعار يصبح أمرا مشوبا بالصعوبة في ظل اقتصاد متباطئ. وليست الصين البلد الوحيد الذي يعاني من انهيار الأسعار في قطاعه الإنتاجي. فهذه الأسعار تعاني تراجعا كذلك في الولايات المتحدة منذ عام، وهذا في خضم تراجع أسعار النفط وغيره من السلع. غير أن ما يجعل الوضع في الصين غير معتاد، هو أن الشركات تتعامل مع ارتفاع حاد في تكلفة العمالة، حيث تزداد أجور العمالة اليدوية بنسبة 10 في المائة سنويا، مع تفضيل الشباب والعمال الأصغر سنا لوظائف الأعمال المكتبية. كما أن الاستثمار الزائد على الحد في الكثير من القطاعات يؤدي إلى عدد مبالغ فيه من المصانع، وغير ذلك من الأعمال التي تنافس بنفس المبيعات محدودة السعر. وبحسب سابين باور، مدير أول لشؤون المؤسسات المالية في مكتب «وكالة فيتش للتصنيف» في هونغ كونغ، فإن «المزيج من ارتفاع تكلفة العمالة وانخفاض الأسعار يمثل تحديا حقيقيا». على امتداد الساحل الصيني، في المرافئ وعلى طول الأنهار الساحلية، اشترت الشركات مساحات واسعة من الأراضي، واشترت رافعات، واستأجرت أعدادا كبيرة من فنيي اللحام. وتوسعت الصين من كونها تمثل خمس القدرة العالمية لبناء السفن في 2008 حتى أصبحت تمثل خمسي هذه القدرة بحلول العام الماضي. وكانت مراقبة الجودة مشكلة منذ البداية. قال باسل كراتزاس، وهو سمسار بحري في مانهاتن: «في الصين، عند بناء ما يفترض أن يكون نسختين طبق الأصل لسفينة واحدة في مكانين متجاورين تماما، تجد النتيجة سفينتين مختلفتين.. أما في اليابان، فيمكنهم بناء 10 سفن ويكونون جميعا شيئا واحدا». ومع انهمار الشكاوى على الكثير من أحواض بناء السفن في الصين، أصبحت المنافسة حامية الوطيس. تشترط أحواض السفن في اليابان وكوريا الجنوبية الحصول على دفعة أولى بقيمة 20 في المائة من سعر الطلبات، علاوة على ضمان من أحد المصارف الدولية بسداد بقية التكلفة إذا أفلس المشتري. ورغم أن أحواض بناء السفن الصينية اشترطت الحصول على دفعات مسبقة بنفس القيمة، فإنها لم تشترط أية ضمانات، وقبلت بطلبات من شركات صورية لا تتمتع بالقوة المالية. وقد تسبب هذا بوضع خطير لأحواض بناء السفن الصينية. ففي حال شهدت أسعار السفن تراجعا حادا، يمكن أن يغامر المشترون بخسارة الأموال التي سددوها كدفعات أولى، ولا يسددون بقية ثمن الحاوية، تاركين حوض بناء السفن عالقا في المشروع. ومع تراجع الطلب العالمي على السلع في السنتين الماضيتين، انخفضت أسعار السفن بأكثر من 20 في المائة، بل وأكثر في بعض الحالات. وبالنسبة إلى حاويات الشحن ذات حمولة 58 ألف طن التي كانت أحواض بناء السفن الصينية تعمل على بنائها، فقد تهاوت أسعارها من 30 مليون دولار في 2013 إلى 16 مليون دولار الآن. واختار المشترون الذين اشتروا بسعر مرتفع، خسارة دفعاتهم الأولى بدلا من تسديد بقية ثمن الحاويات التي تم الانتهاء من بنائها بعد أن تراجع سعرها. وتمتلئ أحواض السفن الصينية الآن بهياكل سفن غير مكتملة، أشبه بديدان حديدية عملاقة مقطوعة لنصفين. وتفتقر الكثير من أحواض بناء السفن للأموال اللازمة لاستكمال بناء السفن وتبيعها بتخفيضات في محاولة لتغطية بعض التكاليف. وحتى المشترون المتمتعون بالقوة المالية يتراجعون عن إكمال الصفقات. فلدى «سينتي مارين» 4 سفن غير مكتملة البناء، تراجعت شركة «بريشس شيبينغ» في بانكوك عن الحصول عليها. وانسحبت «بريشس شيبينغ» بعد نزاع على الجودة أدى لرفع قضية تحكيم في لندن. كما رفع مصرف «بنك أوف تشاينا» دعوى قضائية ضد شركة «سينتي مارين» يوم الثلاثاء في نانجنغ بمقاطعة جيانغسو، حيث يقع حوض بناء السفن. وطلب المصرف تعيين مصف، حيث تدين «سينتي مارين» للبنك بقروض بقيمة 81 مليون دولار فعليا. وقالت ما، وهي مسؤولة بشركة «سينتي مارين»، لم تشأ ذكر لقبها، إن المحكمة عقدت جلسات استماع في الأسبوع الماضي، لكنها أضافت أنها ليست على علم بأية قرارات. ولم يصدر أي تعقيب من المصرف أو المحكمة. ومن النادر أن تلاحق المصارف الحكومية الديون بمثل هذا النهج الحاد. بدورها، تقوم السلطات بشكل دوري بإرسال إشارات حول إغلاق مثل هذا النوع من الشركات الذي يطلق عليه «الزومبي». ذكرت صحيفة «بيبولز ديلي»، وهي الصحيفة الرئيسية الناطقة باسم الحزب الشيوعي أن «الشركات الزومبي ليست بجديدة، لكن مع تعرض الاقتصاد لضغوط تدفعه للتراجع، يصبح الوضع الصعب والخطير لهذه الشركات واضحا». لكن المصارف عادة ما تقوم بجدولة الديون وإقراض المزيد، وبخاصة للشركات المملوكة للدولة مثل «سينتي مارين»؛ إذ إن المساهم الأكبر في الشركة هو مقاطعة جيانغسو. وقد ترددت الحكومة في الإقدام على إغلاق كلي للشركات، بسبب مخاوف من أن يؤدي تسريع أعداد ضخمة من العمال إلى احتجاجات. * خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :