أجندة التغيير في الشرق الأوسط ضرورة ملحة

  • 1/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أطاح حراك الشعب التونسي، في مطلع العام 2011، برئيس البلاد الأسبق زين العابدين بن علي، الذي حكم تونس لقرابة ربع قرن، إلا أن الأحداث اللاحقة لم تكن سهلة.. حيث عرقل الإرهاب مسيرة التقدم الاقتصادي والمضي نحو إصلاح سياسي أكثر رسوخاً. لكن في العام 2015، أصبحت تونس البلد العربي الأول على الإطلاق الذي يخضع لحكم حرّ بالكامل، وفق تقدير منظمة بيت الحرية لمراقبة الحريات المدنية. لكن، للأسف، ظلت تونس حالة خارجة عن المألوف في مشهد التظاهرات السلمية الحاشدة التي عمّت دولا عربية أخرى، ودعت الحكام للرحيل في أحداث الربيع العربي للعام 2011، دون أن تصل إلى نهايات سعيدة. انفجرت الأوضاع في ليبيا واليمن، وسيطرت الميليشيات المتناحرة على أجزاء من المدن الأساسية أو كلها، بعضها تدعمه قوى أجنبية، وآخر يرفع لواء التنظيمات المتشددة للقاعدة أو داعش. أما سوريا فقد غرقت في أتون الحروب الأهلية، وباتت مدنها الأساسية بحكم المدمرة، ومساحاتها الزراعية الخصبة مهجورة، وملايين من سكانها نازحين وملايين غيرهم مهاجرين، ومئات الألوف في عداد القتلى، فيما لا تلوح في الأفق بوادر حل للأزمة. أما العراق فأصبح أقرب إلى دويلات منقسمة، شيعية جنوباً وكردية في الشمال والشمال الشرقي للبلاد، فيما دائرة الحرب ذات الغالبية السنية غرباً يسيطر عليها تنظيم داعش. خرج السودانيون والجزائريون من حروب أهلية طاحنة، ليجدوا أنهم لا يزالون تحت سيطرة جماعات مدعومة من الجيش. أما الفلسطينيون المنقسمون إلى فصائل متناحرة فهم في حالة من الضعف والعزلة أكثر من أي وقت مضى. ضرورة التغيير باختصار، لم يسبق للعرب أن عاشوا ظروفاً أصعب من هذه الظروف، سيما بعد انهيار الآمال التي حركتها أحداث الربيع العربي من اتباع سياسات جامعة أكثر، وتشكيل حكومات متجاوبة، وزيادة فرص العمل وتقليل المحسوبيات التي تقوض الاقتصاد. ويبدو بالتالي أن أحداث الربيع العربي لم تجرّ سوى الويلات، وقد درجت بعض الأوساط على تقليد روسيا وإيران في تحميل الفشل لسياسيي الغرب، الذين لولا مساندتهم لبعض الأنظمة القديمة، وتدخلهم لدعم مقاتلي ليبيا، وافتراضهم أن الرئيس السوري بشار الأسد ليس سوى بيدق آخر على وشك السقوط، و التعامي عن صعود خطر التشدد، لكانت الأمور أفضل حالاً. تماماً كما كانت أحداث الربيع العربي أكثر من مجرد مجموعة أحداث قومية، فإن المرحلة الراهنة تتخذ طابع المسألة الدولية. إذا برزت حركات احتجاجية جديدة اليوم، فإن مطالبها ستتخطى رحيل أحد رموز السلطة، أو انتخاب هيئة بعيدة عن أيدي السطوة الفعلية. ما الذي يمكن أن يندرج كذلك ضمن أجندة التغيير؟ ينبغي في المقام الأول النظر إلى تنظيم داعش الوحشي، الذي تشكل دولته المزعومة من عدة نواحٍ إعادة إنتاج للأنظمة الأوتوقراطية السابقة، المثقلة هذه المرة بمظاهر متشددة يجدها المسلمون منفرة. لا تزال الصيغة المطروحة في المنطقة اليوم تفتقر لمكونات أساسية، كاحترام حقوق الإنسان ومبدأ التعددية، وإنشاء أجهزة محاسبة، ووضع آلية لإرساء القوانين المراعية لإرادة الشعب ومصالحه. وقد أظهرت أحداث الربيع العربي أن تلك العناصر تشكل أسس النجاح، أكثر مما تفعل مسألة الإطاحة بالحكام، أو إجراء انتخابات متعجلة. في ظل الهدوء المسيطر على بلدان كتونس ومصر، والسلام الهش الذي لا بد سيعم العراق، وسوريا واليمن، وفي غضون المهلة الدائمة الترقب للشعوب العربية الأخرى المترقبة للتغيير، لا بد من تحويل الاهتمام إلى الأسس المؤسسية. وإن كان هناك من موسم مستقبلي لولادة جديدة تفضي إلى صيف دائم، فلا بد من المرور بمرحلة تغيير الأجواء الراهنة أولاً. مشهد لا يكفي أن الإحباط يعمّ أرجاء المنطقة سياسياً، حيث تجثم الضغوط الديموغرافية بثقلها المتعنت، في ظل بلوغ نسبة الأشخاص الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاماً، 60 بالمئة من السكان. وقد أظهرت أرقام منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة في أوساط الشباب في الشرق الأوسط قد ارتفعت من 25 بالمئة عام 2011 إلى 30 بالمئة الآن، أي ضعف معدل البطالة الموجود في العالم. وفي حين لا تزال معايير التعليم الحكومي وإدارة القضاء كئيبة، فإن النمو الاقتصادي في حالة بطء أو جمود، كذلك الانقسامات الطائفية والمماحكات الطبقية قد تعمقت، وشكلت أرضية خصبةً للمتشددين الساعين لفرض وجهة نظرهم المتشددة.

مشاركة :