تستضيف باريس اليوم اجتماعا لسبعة وزراء دفاع دول غربية (فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وهولندا،و إيطاليا وأستراليا) سيترأسه الوزيران الفرنسي جان إيف لو دريان، والأميركي آشتون كارتر لغرض تقويم العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا. وجاء في بيان صادر أمس عن وزارة الدفاع الفرنسية أن الوزراء المعنيين «سيدرسون الوسائل الكفيلة بتكثيف العمليات العسكرية» ضد التنظيم المذكور وذلك بعد مرور 16 شهرا على انطلاقها في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2014. وبررت باريس اقتصار الدعوات على الدول المذكورة بأنها تمثل «المساهمين العسكريين الكبار» في التحالف الدولي الذي يقوده الولايات المتحدة الأميركية والذي يتشكل نظريا من نحو 60 بلدا. وتأتي الدعوة المشتركة الفرنسية الأميركية في ظل الحراك السياسي والعسكري الذي تقوم به فرنسا منذ العمليات الإرهابية التي ضربت العاصمة باريس منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتعزيز فرنسا لقواتها الجوية العاملة في إطار التحالف بانضمام حاملة الطائرات شارل ديغول إلى منظمة التحالف معززة بمساهمات أوروبية وتحديدا ألمانية وبريطانية. وتعتبر باريس أنها «في حالة حرب» ضد «داعش», أن غرضها المعلن هو «تدميرها» وفق ما أكده كبار المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس. لكن الجانب الآخر المهم للاجتماع أنه الأول من نوعه الذي يجمع البلدان الأساسية في التحالف منذ أن بدأت روسيا عملياتها الجوية المكثفة ضد «داعش» في سوريا. وسيكون الاجتماع كذلك فرصة للتداول في الوضع الاستراتيجي والعسكري وآخر التطورات الحاصلة ميدانيا وسياسيا. بيد أن اللافت في الاجتماع هوة غياب وزير الدافع الكندي رغم أن كندا كانت من أوائل الدول التي انضمت إلى التحالف. ولم تقدم باريس أو واشنطن أي تبرير لعدم دعوة أوتاوا إلى الاجتماع. وتفيد معلومات غير رسمية أن غياب كندا سببه رغبة الحكومة الكندية الجديدة في «تخفيف» مساهماته العسكرية في الحرب ضد تنظيم داعش، بينما غرض الاجتماع المعلن هو تحديدا الارتقاء بالمساهمات العسكرية وتكثيف العمليات الجوية ووحدات الكوماندوز الموجودة. وسبق للرئيس الأميركي أن اعترف بالحاجة لأن يقوم التحالف بـ«المزيد» رغم النجاحات التي تحققت ضد «داعش» في العراق وأهمها استعادة سنجار والرمادي. ومن المواضيع التي يرجح تناولها في اجتماع اليوم المساعدات العسكرية الإضافية التي تستطيع بلدان التحالف تقديمها للمجموعات المحلية التي تحارب «داعش» سواء في سوريا أو العراق إن كان ذلك بشكل تسليح أو تدريب أو توفير معلومات استخبارية أو إرسال مزيد من قوات الكوماندوز كما فعلت واشنطن في الفترة الأخيرة. ولم تستبعد مصادر رسمية فرنسية أن يدرس الوزراء الحاجة للتدخل العسكري في ليبيا، حيث يتمدد تنظيم داعش ويستهدف وضع اليد خصوصا على «المثلث النفطي». وبعد تشكيل الحكومة الجديدة المنبثقة عن وساطة دولية، تنتظر البلدان الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا طلبا رسميا من الحكومة الجديدة لتوفير الدعم الأمني والعسكري لها ما سيمكنها من توفير الغطاء الشرعي لعميلات عسكرية جوية ضد «داعش» في ليبيا. وليس سرا أن واشنطن تطالب شركاءها في التحالف أن يقوموا بـ«المزيد». وفي كلمة له بداية الأسبوع، أعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أنه يتعين «دمج» كل الإمكانيات العسكرية التي يستطيع شركاء التحالف توفيرها، منوها بأن بعضهم «قدم الكثير»، بينما «الآخرون بإمكانهم تقديم المزيد». لكن كارتر امتنع عن تحديد الأطراف التي يعنيها. وفيما أعلن وزير الدفاع الفرنسي أنه «يتعين على العراقيين أن يحرروا يوما ما الموصل»، أشار نظيره الأميركي إلى أن الهدف «الرئيسي» للتحالف هو «طرد داعش من الرقة والموصل»، لكنه سارع إلى القول إن تحرير الموصل «لن يكون سهلا أو سريعا». وفي كلمة مطولة له في جامعة السوربون أول من أمس حضرتها «الشرق الأوسط»، وكرسها للتغيرات والتحديات الاستراتيجية التي تهدد فرنسا ومعها أوروبا، اعتبر لو ديريان أنهما تعيشان «منعطفا استراتيجيا» وأول مظاهره وأهمها هو «الإرهاب المعسكر» الذي اسمه «داعش»، وهو يتميز بالعنف الآيديولوجي و«النمو في بيئة في دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية حاضنة» سواء أكان في العراق أو سوريا أو ليبيا أو أفريقيا، كما أنه يستفيد بقوة من وسائل التواصل الحديثة ويتوسل «الهمجية المنظمة» سلاحا. ووصف لو دريان «داعش» بأنه «جيش إرهابي» ما يميزه عن الحركات الإرهابية السابقة. وبحسب لو دريان، فإن «داعش المعولمة» تعتمد على قوات يتراوح عديدها في سوريا والعراق ما بين 30 و40 ألف مقاتل تتوافر لديهم الأسلحة بما فيها الكيماوية والتمويل والتنظيم. ويمتد «قوس الأزمات» على ثلاث قارات «آسيا وأفريقيا وأوروبا». واعتبر لو دريان أن تهديد تنظيم داعش «خطير، ومتعاظم ودائم» وهو يمتد من منطقة باكستان أفغانستان إلى أفريقيا، مرورا بالخليج ووصولا إلى ليبيا. ويرى وزير الدفاع الفرنسي أن «كل الشرق الأوسط مهدد وفي خطر». فالحرب الأهلية، وفق لو دريان، تضرب في العراق وسوريا واليمن وليبيا فيما التوترات تهدد لبنان والأردن ومصر وتونس «إما لأسباب داخلية أو بسبب الجوار»، أو تمدد الإرهاب أو بسبب النزاعات الطائفية وأولها الانقسام السني الشيعي، وأخيرا النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. بيد أن هناك مخاطر أخرى تهدد هذه المنطقة من العالم منها النمو الديموغرافي السريع الذي يقابله تباطؤ النمو الاقتصادي واحتدام المشكلات السياسية واهتزاز الديمقراطية.. ما يفضي - وفق المسؤول الفرنسي - إلى «أزمات مستفحلة وعميقة» في هذه المنطقة من العالم.
مشاركة :