يعيش لبنان منذ أمس الأول على وقع ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لرئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في مشهد لم يكن يتخيله اكثر المتفائلين، بسبب العداوة التاريخية بين الرجلين التي توّجتها «حرب الإلغاء» التي أعلنها عون في تسعينيات القرن الفائت للقضاء على جعجع وحزبه. صحيح بأن بداية تقارب حصلت بين عون وجعجع منذ يونيو 2015 توّجت ب»إعلان نوايا» مشترك، لكن أحدا من حلفاء الطرفين وخصوصا الرئيس سعد الحريري و»حزب الله» لم يتخيلا أن تصل الأمور الى ما وصلت إليه أمس الأول من إعلان ترشيح جعجع لعون من مقره في معراب وبحضور عون وأركان «التيار الوطنيّ الحرّ». يكسر هذا الترشيح الإستقطاب الحاد الذي حصل منذ اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005 والذي أدى الى وجود اصطفافين: 8 آذار و14 آذار، ليخلط أوراق اللعبة السياسية اللبنانية بشكل غير مسبوق وسط شغور رئاسي مستمر منذ مايو 2014 وهو بدأ يرخي بثقله على عمل المؤسسات كلّها سواء السلطة التشريعية أو الحكومة. وفي حين أعلن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية استمراره بترشيحه توقعت أوساط سياسية مارونية واسعة الإطلاع أن « يجمع عون وجعجع بقية الأحزاب المسيحية حول خطوتهما في خطوة لتوحيد المرشح المسيحي للرئاسة». وأمس زار جعجع البطريرك الماروني بشارة الراعي، وقال إثر اللقاء أن النائب سليمان فرنجية «لطالما كان يقول إنه إذا كانت للعماد ميشال عون حظوظ فأنا معه وأتمنى أن يطبق ما كان يقوله في السابق». أضاف جعجع:»علاقتي بالرئيس سعد الحريري ما زالت كما كانت دائما وما يجمعنا ب»تيار المستقبل» الكثير، واعتقد أنه من خلال التبادل المستمر معه سنتوصل الى موقف أقله لناحية حضور جلسات الإنتخابات ما يتيح إجراء الإنتخابات». من جهته لفتت زيارة رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل لرئيس المجلس النيابي نبيه برّي في عين التينة وتصريحه بعد اللقاء قائلا: « يجب الحفاظ على حلفائنا ووضع أسس تخرجنا من الماضي إلى أفق أوسع»، وقال:»أمامنا حالة إنفراج في الرئاسة ولنستغل الفرصة وسنحافظ على حلفائنا». *الحوار مستمرّ من جهة ثانية، يبدو بأنّ لبنان قد تمكّن من إعادة تثبيت الحوار الداخلي بين الفريقين الأساسيين أي 8 و14 آذار ما سينعكس حكما جلسات مقبلة للحكومة وتعيينات أمنية أبرزها في المجلس العسكري. وتشير المعلومات الى أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه برّي تمكّن من إعادة «تربيط الشبك اللبناني» ومنع الأمور من الإنزلاق الى التشنّج الداخلي الذي يتخذ صورا مذهبيّة بشعة. هذا الحوار هو «شبكة أمان بحسب وصف أحد النواب المقربين من برّي، مشيرا ل»الرياض» أن لبنان استفاد من اللحظة الإقليمية الصعبة لتفادي أيّ صدام داخلي، وكان جهد إستثنائي للقوى السياسية من أجل تفعيل العمل الحكومي وسط شغور رئاسي متماد». ويشير النائب الى أنّ «هذا التفعيل الحكومي مرشح للتصاعد ولا سيّما مع «تجاوب «التيار الوطني الحر» وإسهام جميع الأطراف اللبنانيين بالدفع في الإتجاه التوافقي. ولعلّ العنصر الأهمّ يتمثل بأن الرئيس نبيه بري قرر إعطاء صلاحية تعيين العنصر الشيعي في المجلس العسكري للعماد ميشال عون الذي رفض مشاركة الأفرقاء المسيحيين بتعيين العنصرين الآخرين وهما مسيحيين. أما العقدة الثانية والمتمثلة بآلية العمل في مجلس الوزراء فيبدو بأنها حلّت أيضا بعد اقتناع «التيار الوطني الحرّ» بأن الإحتكام الى الشارع لا يجدي نفعا بل هو يعقّد الأمور بلا أيّ طائل فبقيت الآلية المعمول بها إستنادا الى دستور. في المقابل، ثمة تجاوب من الفريق الآخر مع «العونيين» نظرا لأهمية التعيينات على صعيد القيادات الأمنية والتي لم تكن لتحصل لولا موافقة وزيري «التيار الوطني الحرّ». وتشير أوساط سياسية مقربة من قوى 14 آذار ل»الرياض» الى أنّ «العمل ضمن جوّ بارد وغير محموم هو قرار داخلي لبناني كي لا تنعكس الحرارة التي يولدها الإشتباك الإقليمي القائم حاليا على الداخل اللبناني». وتخلص الأوساط السياسية بالقول الى أن الهمّ الرئيسي اليوم يتمثل بملء الشغور الرئاسي المتمادي وانتخاب رئيس للجمهورية لأنّ الوضع لا يطاق، وحجم الأضرار بات يتضاعف بشكل يومي، لذا فإن جميع الأفرقاء يتعاطون مع كل خطوة أو فرصة بجدية وصولا الى الانتخاب ومنها فرصة ترشيح رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية». وبالتالي «فإنّ عملية تفعيل عمل الحكومة يسهم في إعادة طرح الأفكار البنّاءة في الموضوع الرئاسي اللبناني أو في مواضيع أخرى».
مشاركة :