وجع الشعوب العربية على المسرح الكويتي!

  • 1/20/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عدت قبل أيام من تجربة فنية مسرحية إبداعية نفذت في دولة الكويت، تحت عنوان مهرجان المسرح العربي، وهو مهرجان سنوي تنظمه الهيئة العربية للمسرح، التي تتخذ من إمارة الشارقة مقرا لها. فعلى مدار أسبوع كامل اشتعلت أضواء المسارح الكويتية ليل نهار، وهي تستضيف المسرحيين العرب وتستقبل وجهات نظرهم المسرحية على تنوعها وتعدد مستوياتها، وهو ما دفعني في هذا المقال إلى محاولة وضع قراءة موجزة للخطاب المسرحي العربي الذي ضمّه المهرجان، ومختصرا لما يتبناه المسرحيون العرب من أفكار وتصورات حول الواقع وتداعياته. هذا التجمع المسرحي العربي الذي حط رحاله بالكويت عبّر عن مدى انعكاس الواقع على المسرح والمسرحيين، وأكد أن المبدع لا يمكنه أن يكون منفصلا عن واقعه مهما حاول ذلك، وهو أمر مطلوب مع ضرورة أن يتوازى مع وعي عميق بهذا الواقع ومعطياته، وبكيفية نقله، وبآلية تشظي وقائعه إلى رؤى أبعد وأوقع. لفتتني بحق سمة عامة انتظمت المهرجان، تمثلت في كون هذه التجربة المسرحية أعربت عن حرص بعض المسرحيين العرب على التعبير عن قضايا أوطانهم وربطها بقضايا إنسانية شمولية. فالعرض السوري - على سبيل المثال - لم يغفل واقعه السياسي المرير الذي تمر به سوريا، فبنى أعضاء الفريق تجربة (مدينة في ثلاثة فصول) على هذا الدمار الذي تنتجه الحرب، والمأساة التي تلحقها بالشعوب، لكنني أقول: من الضرورة بمكان ألا ينقل المسرح القضايا فحسب، بل مطلوب منه أن يحدد موقفه منها، ويبين معسكره الذي ينتمي إليه خطابه، على اعتبار أن المسرح فن اللامهادنة واللاحيادية، إنه فن الموقف الواضح الشفاف، والقرار الناصع، مع أو ضد، وجمهور المسرح لا يمكن أن يكون تائها في فكرة تعرض عليه، فلا يعرف العرض إن كان مع الجبهة هذه أو الجبهة تلك. لفتني أيضا العروض المسرحية التونسية التي صنعت لواقعها المسرحي ملامح بارزة حتى بات الجمهور يميز المسرح (التوانسي) - كما يطيب لي تسميته - عن غيره من المسارح العربية، لكن هذا الملمح لم يعد ملمحا فنيا فقط، بل دخل حيّز صاحب الملمح الفكري الموحد، وهو - كما أراه - اتساع مساحة القلق من عنف الإنسان ضد نفسه بشكل عام، أو تونس المعنفة بشكل خاص. فأشكال العنف وصوره المؤذية في كل ما يمس الحياة أصبحت الشغل الشاغل في مسرح تونس، وهذا يؤكد على أن المسرح سيظل ما حيينا مجال التصوير الفعلي لقضايانا المصيرية، إذا توافرت لدى فنانه رؤية متعمقة للأشياء من حوله، ونظرة خاضعة للفحص والمراجعة والتمحيص. في جانب آخر عبّر بعض العروض المشاركة عن صناعة الطغاة، ورصد الخزعبلات الأسطورية والخرافات التي تبني مجتمعات كاملة أحيانا، فتصنع بطولات واهمة من مجرد قناعات تافهة. الحقيقة أن المسرحيين العرب في هذا التجمع المسرحي صوروا قضايا أوطانهم وقضايا الإنسان كل حسب وجهة نظره، وترجموا معاناة الشعوب العربية التي ينتمون إليها ترجمة تختلف في مستوياته الفنية والفكرية وتتفق في قدرة المسرح على أن يكون فاعلا ومؤثرا وصوتا إعلاميا مدويا لواقع الناس ولهمومهم، لهذا شاهدنا الثورات العربية متجسدة أمامنا بكل نتائجها المخيبة للآمال، وشاهدنا انعكاسات التطرف الفكري، ورصدنا الإرهاب، والفقر ومشاريع الفساد التي دمرت في الإنسان العربي آماله وطموحه وبنت رصيدا للوجع له بداية وليس له نهاية، وهذا أمر يرفع من أسهم المسرح حين يتحيز لقضايا الشعوب ويسخر كافة امكاناته وطاقاته ليكون مرآة لنبضها، فقط كان لزاما على المسرحي البحث عن اطار جديد ومتجدد لهذا الطرح، وأن يعلي من شأن طرحه وفهمه وتأويله. فالقضايا المصيرية ليست مجالا للاجتهادات، وليست ميدانا للطرح الباهت، بل لا تقبل مطلقا التعامل معها بمجرد رغبة في أن نسلط الضوء على الحدث!.

مشاركة :