«نايت كرولر» يكشف الجانب المظلم من الإعلام الأميركي

  • 1/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مع غزارة الإنتاج في هوليوود بتنا نرى كثيراً من الهراء في الأفلام حيث أصبح سهلاً على المشاهد المتمرس أن يرصد أداءً سيئاً أو إخراجاً محدود البصيرة، أو حتى جملاً من كلمات حمقاء تبدو كأنها حكم من وجهة نظر بعض الاستوديوهات. نتحدث هنا عن افتقاد السينما عامل الواقعية الذي أصبح قطعاً نادراً في الرؤية الحديثة للسينما الأميركية. فلنأخذ على سبيل المثال داي هارد 2 حيث يمكن القول بسهولة إنه أفضل أفلام ريني هارلن وهو تحفة في التنفيذ ناهيك عن المستوى العالي في التصوير والأداء والمؤثرات.. ولكن رغم كل ذلك لم يتمكن هارلن من سد ثغرة تتعلق بمصداقية القصة وهي باختصار شديد أنه لو لم تتمكن طائرة من الهبوط في مطار ما بسبب أزمة -سيطرة إرهابيين عليه- فستحول مسارها إلى مطار آخر ولن تمضي وقتها في التحليق حول المطار المتأزم بانتظار الفرج. مشكلة انعدام الواقعية في هوليوود تحدث غالباً بسبب النهايات السعيدة التي يجبر المنتجون الكتاب على وضعها إرضاءً للجمهور وخشية تكون مشاعر سلبية ضد الفيلم وقت طرحه. فيلم نايت كرولر وهو من نوع نيو نوار سجل حالة استثنائية إذ إنه خالف كل المذكور في المقدمة أعلاه، فتميز بقصة جميلة وسرد حاذق وحوارات ذات مغاز عميقة لكن نهايته غير مرضية أو ربما تركت المشاهد في حالة من الغضب. قصة البداية نايت كرولر يتناول موضوعين رئيسين مترابطين، الأول أن الحقيقة هي وهم والثاني هو الجانب المظلم للإعلام الأميركي عند كشف الحقائق. الموضوع الأول نرى ملامحه من البداية.. حيث يعرض علينا الكاتب والمنفذ دان غيلروي - كتب The Bourne Legacy و Real Steel- وهما فيلمان متواضعان مقارنة بهذا، لقطات لمدينة لوس أنجليس تبدو بعض معالمها كأنها سراب من بعيد،والمقصود من اللقطة أن ليس كل شيء كما يبدو عليه. يبدأ الفيلم بمشهد لص يحاول قطع سياج لموقع بناء، لا نرى منه سوى ظهره والمقصود من اللقطة إضفاء طابع من الغموض عليها، وتتضح معالم اللص أكثر عند اقتراب شرطي منه لسؤاله عما يفعله، تسقط عين اللص على ساعة الشرطي فنعلم فوراً أنه يريد سرقتها، يراوغ اللص الشرطي بالكلام وهو يقترب منه ببطء قبل الانقضاض عليه وضربه ثم تنتهي اللقطة. غيلروي يترك للمشاهد تقرير مصير الشرطي، فالهدف من تلك اللقطة كشف جانب من شخصية اللص وهو أنه لن يدع شخصاً يقف في طريق تحقيق أهدافه. قدر اللقطة التالية توضح لنا أن اللص واسمه لويس بلوم الذي يجسده الممثل جيك ييلنهيله سرق ساعة الشرطي وأكمل عملية السرقة ونرى المسروقات على مقعد سيارته الخلفي، وبعد أن باع بلوم مسروقاته في مكان لشراء الخردوات يحاول الحصول على وظيفة في المكان ذاته، والرد عليه جاهز: لا نوظف لصوصاً. هنا يعلم المشاهد أن بلوم لص محتال معروف في وسطه. يضع القدر حادثاً مرورياً على طريق بلوم واللقطة نفسها إسقاط نفهم منها أنها ترمز للحظة مفصلية في حياة هذا اللص، ففيها يتعرف إلى جو لودر بيل باكستون وهو مصور حوادث متعاون. وبعد حوار لبلوم معه نفهم أن هؤلاء مصوروا حوادث متعاونون أي أنهم يدخلون على موجات أجهزة الشرطة اللاسلكية ويتعرفون على الحوادث التي تقع وأماكنها ويسبقون الشرطة لتصويرها ثم بيعها على محطات التلفزة المهتمة. نشرات الأخبار بلوم يستلهم من لودر فيشتري كاميرا وجهاز التقاط موجات الشرطة بصورة غير قانونية ويبدأ عمله الجديد كمصور ليلي وفي الفيلم لهم تسمية خاصة وهي المتسلل ليلاً أو Nightcrawler . وهو عنوان الفيلم. يبدأ بلوم بدخول مواقع الحوادث واستراق السمع من المصورين الآخرين ليفهم طريقة عملهم وأهمها كيفية التفاوض على سعر الفيلم وما الذي يجعل لمادة فلمية معينة قيمة أكثر من غيرها، وتأتيه الإجابة باختصار وبوضوح شديد: كل ما ازداد نزيف الضحايا في الحوادث، كلما ارتفع السعر وارتفعت معه فرص ترشح المادة لصدارة نشرات الأخبار. يلتقي بلوم بنينا رومينا رينيه روسو وهي منتجة لنشرة أخبار ليلية ومن هنا يأخذنا الفيلم إلى نقطة مفصلية أخرى حيث إن شخصية نينا تكشف الموضوع الرئيس الآخر في الفيلم وهو الإعلام الأميركي وكيف يستغل الأحداث ويحور الحقائق لصالح كسب مشاهدين. نينا تواجه مشكلة مع رئيس عملها وهي أن نشرة الأخبار التي تشرف عليها تعاني انخفاضاً حاداً في نسب المشاهدة، وبالتالي لقاؤها مع بلوم يصبح لقاء مصالح استراتيجية بالدرجة الأولى، هو يريد كسب المال وهي تريد رفع نسب المشاهدة. انتهازية في الوقت نفسه يتعرف بلوم إلى ريك ريز أحمد وهو رجل يبحث عن وظيفة بأي ثمن ومن اللقاء الأول يعلم المشاهد أن الأول سيستغل الثاني. تمضي أحداث الفيلم ونرى بلوم يركز على اللقطات الدموية إلى درجة أنه يتلاعب بمسرح الحادث قبل وصول الشرطة بل حتى أصبح يخفي أدلة ليبرزها لاحقاً ويصنع منها مادة تثير شهية نينا التي أصبحت هي الأخرى تفهم أن ما يفعله بلوم غير قانوني لكنها تؤيده كونها هي الأخرى انتهازية وبحاجة إليه ولو كان ذلك على حساب أخلاقيات المهنة. عودة إلى موضوع الفيلم الأول وهو أن الحقيقة هي وهم، نرى ذلك: أولاً: من خلال شخصية بلوم نفسه فهو ليس سوى لص ولا علاقة له بالصحافة، فهو فقط يتلاعب بالحقائق لصنع مادة خبرية ونراه يتشدق بكلام المثقفين الذي يقرأه من الإنترنت والذي يعتبر مصدر معلوماته الأول لإبهار نينا. ونراه كذلك لا يتردد في الاعتداء على أي شخص يحاول الوقوف في وجهه وقتله لو اضطر من أجل استغلال الحادث لصالحه وكسب آلاف الدولارات من محطة نينا. ثانياً: نينا منتجة الأخبار التي باعت أخلاقيات مهنتها في سبيل الحصول على مواد بلوم المصورة إلى درجة أنها أخفت جانباً هاماً من إحدى القصص خشية أن تخسر تعاطف الناس واهتمامهم بالنشرة وبالتالي فموضوع الفيلم الرئيس ينطبق على شخصيتها كذلك. ثالثا: في المشهد الذي يقول فيه بلوم لنينا أنا أمضي معظم وقتي على الكمبيوتر هو إسقاط على عادات أبناء جيل اليوم في العالم كله، فأبناؤنا اليوم يجلسون أمام هذه الأجهزة بالساعات يستقون معلومات من الإنترنت فتصبح عقولهم كالإسفنجة أي تمتلئ بمعلومات خام وبحاجة إلى تنقية لإخراج غير المفيد منها، في الوقت ذاته هم عاجزون عن تكوين علاقات اجتماعية بسبب هذا الإدمان. ومعنى الإسقاط هنا أن الإنترنت لا تصنع بالضرورة مثقفاً وأكبر مثال على ذلك بالطبع شخصية بلوم المنطوي والمنعزل والعاجز عن تكوين علاقات طبيعية مع غيره. رابعاً: وهو أكبر إسقاط في الفيلم أن الإعلام الأميركي ليس حقيقياً وإنما مزوراً للحقائق من أجل كسب مشاهدين لدرجة أن شخصية مثقفة ومتعلمة مثل نينا تعلم أنها تتعامل مع محتال لا يتوانى عن التلاعب في الأدلة ودخول بيوت الضحايا دون إذن والتلاعب كذلك بالأغراض الشخصية لهم من أجل صنع قصة والتأثير على الرأي العام، ورغم ذلك ليس لديها أي مشكلة في التعامل معه. خامسا: وهي نقطة مرتبطة بالنقطة السابقة كأن الفيلم يريد أن يقول لنا في نهايته إن الإعلام أصبح مهنة من لا مهنة له وهو إسقاط عام على هذه الصناعة بأكملها. في نهاية الفيلم بعد أن نرى بلوم حقق أهدافه نسمعه يقول لمحققة الشرطة لو تشاهديني الآن فهذا أسوأ يوم في حياتك، وهذه النهاية تحديداً تترك المشاهد في حالة غضب واستياء شديد أو فلنقل شعور أشبه بالفراغ يعجز فيه اللسان عن التعبير بأي كلمة لأن الفيلم لم يعط المشاهد ما يطمح إليه، إنما أعطاه نهاية واقعية وهو عكس ما تفعله معظم الأفلام. تلك النهاية تحديداً وبكل بساطة وضعت المشاهد في خانة ضحايا بلوم. 08 ملايين ونصف مليون دولار ميزانية فيلم نايت كرولر 50 مليون دولار إيرادات فيلم نايت كرولر 09 كيلوغرامات فقدها الممثل جيك ييلنهيله من أجل الدور 27 يوماً فترة تصوير الفيلم 27 أسبوعاً فترة إنتاج الفيلم 10 ملايين دولار أرباح اليوم الأول من العرض

مشاركة :