أثار وصول المنتخب المغربي لنصف نهائي المونديال، للمرة الأولى لبلد إفريقي وعربي، حماسة وإعجابا عارمين تخطيا حدود المملكة، و"رسم صورة رائعة عن المغرب الذي يعتمد منذ سنوات أساليب القوة الناعمة لتثبيت مكانته على الصعيد الدولي"، على ما يرى الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي. في هذا الصدد، أثار رفع لاعبين مغاربة العلم الفلسطيني احتفالا بالانتصار في مباراتي الثمن والربع النهائي ضد إسبانيا والبرتغال، اهتماما واسعا نظرا لرمزيته في التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في تظاهرة رياضية عالمية. كذلك، خلف صدى طيبا لدى الفلسطينيين الذين احتفلوا بانتصارات المنتخب وألف بعضهم أناشيد لتشجيعه. وأتى ذلك بينما يقيم المغرب وإسرائيل علاقات قوية في إطار اتفاق ثلاثي وقع أواخر العام 2020 نص أيضا على اعتراف واشنطن بسيادة المملكة على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو. رغم تأكيد الرباط أن الاتفاق لا يغير موقفها من القضية الفلسطينية، إلا أنه أثار انتقادات مناهضي التطبيع في المغرب والعالم العربي عموما. ورأى ائتلاف "الجبهة المغربية لدعم فلسطين" في رفع "الأبطال المغاربة" العلم الفلسطيني "تأكيدا لروابط الأخوة المتينة" بين البلدين، مجددا الدعوة لقطع العلاقات مع إسرائيل. لكن الخبير في العلاقات الدولية تاج الدين الحسيني يرى أن هذه العلاقات تقع "في إطار حق المغرب في الدفاع عن مصالحه المشروعة وتنويع شراكاته، من دون أن يعني ذلك أنه أدار ظهره للقضية الفلسطينية. وما رفع الأعلام الفلسطينية من طرف لاعبي وجماهير المنتخب إلا تأكيد على ذلك". "ملعب الكبار" كذلك، أثار التفاف الجزائريين حول أسود الأطلس، في مقابل تجاهل الإعلام الرسمي لانتصاراتهم، الاهتمام في المغرب. ويعيش الجاران منذ عقود توترا دبلوماسيا على خلفية النزاع في الصحراء الغربية، زادت حدته قطع الجزائر لعلاقاتها مع الرباط صيف 2021. ويرى المتخصص في تاريخ المغرب المعاصر بيار فرمورين أن هذا المنتخب "مكن المغرب من تحقيق انتصار رمزي على الجزائر. كما مكن من رد اعتبار رمزي على الصعيدين الرياضي والسياسي إزاء جيرانها اسبانيا والبرتغال وحتى فرنسا"، رغم الهزيمة أمام منتخبها في نصف النهائي. ويتابع "لطالما حلم المغرب منذ عقود أن يلعب في ملعب الكبار وهو ما تحقق له هذه المرة". تولي المملكة حيث تحظى كرة القدم بشعبية عارمة، اهتماما كبيرا للمنتخب الوطني وتعتبر المشاركة في كأس العالم هدفا استراتيجيا. بموازاة ذلك "راهن المغرب في السنوات الأخيرة على دبلوماسية الكرة إزاء البلدان الإفريقية حيث عقد أكثر من 30 اتفاق تعاون مع بلدان في القارة"، على ما يضيف اليازغي. ويتابع "الأداء الرائع للمنتخب الوطني، الذي مثل إفريقيا أحسن تمثيل في المونديال، يأتي ليعزز هذا التوجه". على مدى ثلاثة أسابيع، أعطت وسائل إعلام محلية ودولية لانتصارات المنتخب، على فرق أوروبية قوية، أبعادا معنوية تتجاوز رقعة المستطيل الأخضر، لتعيد "الفخر" للأفارقة والعرب. اهتمام عالمي على الصعيد الاقتصادي أيضا، اعتبرت المشاركة المتميزة لأسود الأطلس فرصة ثمينة لتعزيز الإشعاع السياحي للمملكة، حيث كان المغرب محط اهتمام عالمي غير مسبوق لا سيما لدى قادة الرأي، كما قالت وزارة السياحة في بيان الأسبوع الماضي. وتشير تقديراتها إلى أنه تم ذكر اسم "المغرب" أكثر من 13 مليون مرة، وتسجيل أكثر من 130 مليون تفاعلا مع محتويات "المغرب" على وسائل التواصل الاجتماعي. ورأى المصدر نفسه أن ذلك يشكل "أداء أسطوريا، لاسيما وأن المعدل السنوي عادة ما يبلغ حوالى 500 ألف إشارة إلى +المغرب+". من جهته، يؤكد رئيس الفدرالية الوطنية للصناعات الفندقية لحسن زلماط أن "إنجازات المنتخب الوطني، والصورة الجميلة التي رسمها الجمهور المغربي، تعطينا جاذبية لا تقدر بثمن لدى ملايين المشاهدين" الذين تابعوا المونديال. إذا كانت المملكة وجهة سياحية تقليدية بالنسبة لسياح أوروبا الغربية "فإنها ليست بالضرورة معروفة لدى السياح في آسيا أو أميركا اللاتينية، اليوم صار المغرب معروفا في العالم بأسره"، على ما يضيف زلماط. لكنه يشدد على ضرورة "العمل جيدا من أجل استثمار هذه الدعاية التي لم نكن نحلم بها"، لاستهداف أسواق جديدة من بينها الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، إضافة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء، بينما تستعد المملكة لإطلاق "خارطة طريق" جديدة لتطوير القطاع. ولم يسترجع الأخير بعد عافيته تماما منذ جائحة كوفيد-19، حيث يراهن المغرب هذا العام على بلوغ هدف 10 ملايين سائح، في مقابل 13 مليونا في 2019. لكن هذه الصورة الإيجابية للمغرب قد يخدشها تداول شبهات في الفترة الخيرة حول ضلوعه المفترض، إلى جانب قطر مضيفة البطولة، في فضيحة رشوة محتملة في البرلمان الأوروبي.
مشاركة :