تعد قدرة البشر على نطق مجموعة واسعة من الكلمات وإصدار مختلف الأصوات فريدة من نوعها ولا تمتلكها الرئيسيات من أشباه البشر مثل الغوريلا والشمبانزي، والتي تميل إلى التواصل مع بعضها البعض عن طريق الهمهمات والأصوات التي تعتمد على حروف العلة. وزعمت مجموعة من الباحثين أن أسلافنا الأوائل ربما طوروا القدرة على الكلام بعد استخدام أفواههم «كطرف خامس»، يضاف لأطراف الجسم الأربعة المعروفة، وذلك لحمل الطعام وأدوات الدفاع عن النفس أثناء العيش في الأشجار. ووفقاً لصحيفة «التلغراف» البريطانية، فقد أجريت الدراسة الجديدة على قرود إنسان الغاب التي تعتبر أضخم الثدييات التي تقطن الغابات، وتتشابه في الكثير من الصفات مع الإنسان. وراقب الباحثون هذه القرود لعقدين من الزمن وراقبوا سلوكياتهم وأسلوب حياتهم، والذي قالوا إنه ربما يتشابه مع أسلوب حياة البشر الأوائل. وقال الدكتور أدريانو لاميرا، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة وارويك، والذي قاد فريق الدراسة: «لاحظنا أن إنسان الغاب لديه آليات معقدة للوصول إلى الأطعمة المحمية أو المخفية مثل المكسرات أو لب النبات، والتي غالباً ما تتطلب استخداماً دقيقاً للأيدي أو الأدوات». وأضاف: «يسكن إنسان الغاب الأشجار في معظم الوقت، وبالتالي فإن الوصول إلى طعامه يتطلب منه استخدام جميع أطرافه للإمساك بهذه الأشجار والحفاظ على توازنه عليها، بل والاستعانة بفمه كطرف خامس للحصول على الطعام وحمل الأدوات التي قد تساعده في الدفاع عن نفسه ضد أي اعتداء». وتابع: «على سبيل المثال، يعرف إنسان الغاب بتقشير البرتقال بشفاهه فقط، لذا فإن التحكم الحركي العصبي عن طريق الفم أفضل لديه بكثير من ذلك الخاص بالقرود الأخرى، وقد تطور هذا الأمر بمرور الوقت ليصبح جزءاً لا يتجزأ من بيولوجية إنسان الغاب». وأشارت الدراسة إلى أن البشر الأوائل غالبا ما كانوا يعيشون فوق الأشجار قبل أن يتعلموا القدرة على المشي على قدميهم في وضع مستقيم، وأن هذا الأمر غالبا ما ساعد في ظهور الحروف الساكنة وتطور الكلام بينهم، عن طريق استخدام أفواههم «كطرف خامس»، لحمل الطعام والأدوات مثلما يفعل إنسان الغاب حاليا. وقال الدكتور لاميرا: «إنسان الغاب يستخدم نداءات تشبه الحروف الساكنة عالمياً كما يفعل البشر كثيراً مع الكلام. إلا أن ذخيرتهم الصوتية تحتوي فقط على أصوات محدودة تشبه النقر والصفع إلى حد كبير. أما البشر الأوائل فكان لديهم ذخيرة صوتية أوسع بكثير مكنتهم من تطوير القدرة على الكلام». وتم نشر الدراسة الجديدة في مجلة Trends of Cognitive Science. ويتشابه توقع فريق الدراسة الجديدة بأن البشر الأوائل غالبا ما كانوا يعيشون فوق الأشجار قبل أن يتعلموا القدرة على المشي على قدميهم مع ما جاء في دراسة بريطانية نشرت الأسبوع الماضي. ودرس فريق الدراسة البريطانية، سلوك 13 من قرود الشمبانزي البرية البالغة في غرب تنزانيا، الذي يعد موطناً لمزيج من الأراضي الجافة المفتوحة ومناطق الغابات الكثيفة. هذا النوع من البيئة، المعروف باسم «فسيفساء السافانا»، يشبه تلك التي عاش فيها أسلافنا الأوائل. وسجل الفريق عدد المرات التي كان الشمبانزي فيها منتصباً وسار في وضع مستقيم على قدميه، وما إذا كان ذلك قد حدث في أثناء وجوده على الأرض أو على الأشجار. ووجد الباحثون أن أكثر من 85 في المائة من المرات التي سارت فيها قرود الشمبانزي منتصبة حدثت على الأشجار، وليس على الأرض. وقال المؤلف المشارك في الدراسة، أليكس بيل إن السؤال الذي شغلهم هو: لماذا يمضي الشمبانزي في تنزانيا وقتاً أطول على الأشجار، رغم أن عدد الأشجار في هذه المنطقة ليس بكبير مقارنة بالبيئات الأخرى التي تعيش فيها قرود الشمبانزي. ولفت إلى أن أحد التفسيرات لذلك قد يكون أن أشجار الفواكه والخضراوات تشجعهم على قضاء بعض الوقت عليها لتناول الطعام، مشيراً إلى أن هناك تفسيراً آخر يتعلق بموسم الأمطار، حيث ينمو العشب في غرب تنزانيا في ذلك الموسم نحو 6.5 قدم، مما يعني أن قرود الشمبانزي تكون أكثر عرضة للحيوانات المفترسة مثل الفهود إذا أمضت وقتاً طويلاً على الأرض. ووفقاً لبيل، فقد واجه أسلاف البشر الأوائل أيضاً خطر هذا الافتراس في ظروف بيئية مماثلة، زاعماً أنهم في الأغلب طوروا قدرتهم على المشي على القدمين تكيفاً مع العيش على الأشجار وليس على الأرض.
مشاركة :