تُواجه العمل المناخي جملة من التحديات المفصلية، التي لا مناص منها إلا بالتزام الدول الصناعية الكبرى تعهداتها ووضعها موضع التنفيذ، باحتسابها المسؤولة عن النسبة الكبرى من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي، وإلا ظلّ الكوكب «في قسم الطوارئ» طبقاً للوصف الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، عقب مؤتمر المناخ الأخير. وكان العام 2022 حافلاً بالتطورات في ملف «المناخ»، سواء لجهة تكشير الأزمة عن أنيابها ضمن مجموعة التبعات والكوارث التي شهدها العالم في الـ12 شهراً الماضية، من جفاف وحرائق وفيضانات مُدمرة على نطاقات مختلفة، عانتها كثير من الدول. ومن ذلك أوروبا مع جفاف أنهار وظهور ما يعرف بـ«الصخور الجائعة»، وصولاً إلى التطورات التي شهدها العمل المناخي في العام في سياق الجهود الدولية لتكثيف العمل من أجل إنقاذ الكوكب، وتحقيق أهداف مؤتمر باريس. شهد العام زخماً دولياً واسعاً بالنسبة لقضايا المناخ، وذلك لجهة انعقاد عديد من الفعاليات الدولية والمحادثات التي تشكل محوراً مؤثراً في السياسات العامة في شأن أزمة التغير المناخي. وأبرز تلك الفعاليات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 27) الذي انعقد بمدينة شرم الشيخ المصرية، في شهر نوفمبر الماضي، وشهد سلسلة من المفاوضات الشاقة. «المؤتمر عُد خطوة في سبيل العدالة المناخية»، طبقاً لتعبير أستاذ نانو تكنولوجي ورئيس قسم التكنولوجية الحيوية البيئية بالقاهرة، الخبير البيئي تحسين شعلة، الذي قال إن أهم المخرجات تمثلت في إقرار خطوة أولية لتعويض الدول المتضررة من تبعات أزمة المناخ، وبما يضع الدول الكبرى أمام مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية لدعم البلدان النامية، والوفاء بتعهداتها. الخطوة المشار إليها، والتي جاءت «بشق الأنفس وبعد مفاوضات عسيرة» ترتبط بملف «الخسائر والأضرار» بعد أن أقر مؤتمر شرم الشيخ مبدأ إطلاق صندوق لتعويض الدول النامية الفقيرة الأكثر تضرراً من الكوارث المناخية، بينما بقيت قضايا أساسية أخرى عالقة، تنتظر جولات جديدة من المفاوضات لحسمها بشكل تفصيلي، في الأشهر المقبلة. وفي تقدير الشعلة، فإن التقدم المُحرز هذا العام في سياق العمل المناخي عبر مؤتمر (كوب 27) هو التحول من مرحلة إلى مرحلة أخرى جديدة، المرحلة الأولى مرحلة الوعود والتعهدات من جانب الدول الصناعية الكبرى بشكل خاص. بينما المرحلة الجديدة مرحلة ترجمة تلك التعهدات بشكل عملي عبر آلية للتعويض، ثم شكل العام مرحلة انتقالية مُهمة في العمل المناخي شهدها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ على الأراضي المصرية. مقاربة شاملة من الفعاليات التي سجّلها عام 2022 في سياق العمل الدولي من أجل المناخ، أسبوع المناخ الأول في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، والذي انعقد في دبي في الفترة من 28 فبراير وحتى الثالث من مارس، والذي تم فيه بحث استكشاف سُبل التعافي المستدام، وركز على الحلول المناخية القابلة للتطبيق. وناقش الأسبوع ضمن أبرز الملفات ضرورة الشروع في مقاربة شاملة عبر القطاعات، وعلى امتداد الاقتصاد، مع مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين، لتيسير انتقال المجتمعات والاقتصادات إلى مستقبل أكثر استدامة. واستعرض القادة والمسؤولون المشاركون خطط وجهود التصدي لخطر تغير المناخ، وكيف يعمل أصحاب المصلحة على خلق فرص اقتصادية جديدة في الانتقال إلى صفر انبعاثات. ومن الفعاليات الدولية أيضاً التي انعقدت في العام، المؤتمر العالمي الـ15 للغابات (في سيول)، ومؤتمر الأمم المتحدة الـ15 المعني بمكافحة التصحر (كوت ديفوار) في شهر مايو. إضافة إلى مؤتمر ستوكهولم + 50، والمنتدى الحضري العالمي (بولندا) ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمحيطات (البرتغال) في شهر يونيو. فضلاً عما شهده العام لجهة إصدار عدد من التقارير الدولية المرتبطة بتقييم الوضع بالنسبة لمساري التكيف والتخفيف حول العالم. «كوب 28» في الإمارات يتصدر جدول المؤتمرات المناخية في 2023 بينما ينتظر عام 2023 جدولاً مزدحماً بالفعاليات والمؤتمرات المناخية؛ وأهمها (كوب 28) في الفترة من 6 وحتى 17 نوفمبر. فضلاً عن فعاليات أخرى ذات صلة ومن بينها مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نمواً في الدوحة، في قطر، في الفترة من 5 وحتى 9 مارس وكذلك أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا بالمملكة العربية السعودية. ملفات مهمة استشاري البيئة والتغير المناخي بالقاهرة، د. سيد صبري، يقول إن عام 2023 تنتظره جملة من الملفات المهمة في سياق العمل المناخي، عبر أطر مختلفة لاستكشاف التحديات والفرص. وكذلك الحلول المبتكرة، وتعزيز العمل المناخي على الصعيد الدولي، ومن أجل استكمال البناء على مخرجات مؤتمر المناخ بمدينة شرم الشيخ، الذي أقر تشكيل لجنة انتقال كُلفت باستكمال الإجراءات العملانية المرتبطة بتدابير آلية تعويض الخسائر والأضرار. ويوضح أن العمل المناخي في عام 2022 وعبر مؤتمر (كوب 27) شهد تقدماً في ملف مُهم وهو «الخسائر والأضرار» عبر إنشاء آلية لتمويل الدول المتضررة، وهي الآلية التي يتم استكمال العمل عليها عبر اللجنة التي ترفع توصيات خاصة للدراسة والإقرار في المؤتمر المقبل بالإمارات (كوب 28). وبرغم هذا التقدم على صعيد ملف الخسائر والأضرار، إلا أنه «من الواضح أن هذا لن يكون كافياً، ولكنه بمقام إشارة سياسية تشتد الحاجة إليها لإعادة بناء الثقة المنهارة»، وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له تعقيباً على نتائج مؤتمر «كوب 27»، أكد فيه أن منظومة الأمم المتحدة ستدعم الجهد في كل خطوة على الطريق. إلى ذلك، يشير صبري إلى أن الملف الأكثر أهمية أيضاً ما يرتبط بـ«خفض انبعاثات الغازات الدفيئة» وهو من الملفات المُرحلة التي يتم تحديد أهداف جديدة فيها. ولا يمكن حسمها بشكل كبير في ضوء الملفات العالقة إزاء هذا الملف المُهم، وتبقى موضوعاً مطروحاً للنقاش والتفاوض في المرحلة المقبلة بشكل واسع، بما يتضمن تحديد النسب والتزامات الدول الأكثر إسهاماً في الانبعاثات (الدول الصناعية الكبرى) التي تتحمل المسؤولية الكبرى. أسواق الكربون كما يلفت خبير التغيرات المناخية في الوقت نفسه إلى ملف «أسواق الكربون»، ضمن الملفات المهمة التي تطرح نفسها على العمل المناخي، والتي تحتاج إلى جهود واسعة في المرحلة المقبلة. وقد أطلقت الأمم المتحدة (مبادرة أسواق الكربون الإفريقية) الهادفة لتوسيع مشاركة القارة في أسواق الكربون (تستهدف إنتاج 300 مليون وحدة كربون سنوياً بحلول 2030). تحديات وفرص إحداث قفزة عملاقة في الطموح المناخي ولا يزال العالم ينتظر «قفزة عملاقة في الطموح المناخي» إضافة إلى «وضع حدّ لإدمان (العالم) الوقود الأحفوري بالاستثمار بشكل كبير في مصادر الطاقة المتجددة»، بحسب الأمم المتحدة، التي ذكرت على لسان الأمين العام عقب مؤتمر «كوب 27» أن العالم بحاجة إلى خفض الانبعاثات بشكل كبير الآن، وهذه مشكلة لم يسوّها مؤتمر الأطراف بشرم الشيخ. ولكن من بين أبرز التحديات التي تعوّق تحقيق تلك القفزة المنشودة ارتباط التعهدات المناخية بالمؤثرات الاقتصادية والسياسية والتطورات الجيوسياسية، والتي شهدت زخماً واسعاً في عام 2022، لجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا. وخلفت الحرب أوضاعاً مختلفة في ضوء توسع أزمة الطاقة، واتجاه بعض الدول الأوروبية معها إلى إبطاء وتيرة التحول الأخضر، في خطٍ متوازٍ مع العودة لاستخدام مصادر وقود تقليدية (الفحم بشكل خاص)، بما يشكل ارتدادة في جهود العمل المناخي. ولكن على الجانب الآخر، فإن ورقة بحثية حديثة نشرها صندوق النقد الدولي في شهر سبتمبر الماضي، قد حددت مجموعة من الفرص التي يمكن تحفيزها جراء أزمة الطاقة الحالية، لتحويل المعضلة إلى دافع حقيقي للتحرك بما يخدم التحول الأخضر. وفسرت الورقة ذلك بأن السياسات والإصلاحات التي تهدف إلى الابتعاد عن الكربون وزيادة كفاءة الطاقة في التوزيع والاستهلاك والتي هي مفتاح التخفيف من تغير المناخ، تقود إلى توفير الطاقة في الوقت نفسه مع تقليل التعرض لتقلب أسعار الطاقة. خياران وأمام تلك الأوضاع، لملم عام 2022 أوراقه تاركاً العالم خلفه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التضامن والعمل من أجل تحقيق هدف اتفاقية باريس لمنع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، والسير على درب التكيف والتخفيف، وإما الانتحار الجماعي. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :