ليس مبالغة لو قلنا إن الموسيقار محمد عبد الوهاب هو بالفعل هرم عملاق في سماء الغناء والموسيقى العربية، فلقد حقق عبدالوهاب ما لم يستطع أن يحققه سواه، على مدى سبعين عاما من النجاح منقطع النظير إذ حوت حياته المال والبنون والحب والشهرة والصحة والتكريم، فهذا الموسيقار الخالد هو أب لخمسة أبناء عائشة وعفت وعصمت ومحمد وأحمد وكان عبد الوهاب قد تزوج في بداية حياته من زبيدة ثم زوجته إقبال التي أنجب منها الأبناء وتزوج للمرة الثالثة من زوجته نهلة القدسي عام 1958، لقد حصل الموسيقار الخالد على عدد كبير من الأوسمة والقلادات من مصر وبعض الدول العربية والأجنبية منه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس جمال عبدالناصر عام 1960 وجائزة الدولة التقديرية في الفنون من الرئيس أنور السادات عام 1976، كما حصل على رتبة اللواء الشرفية بقرار جمهوري من الرئيس أنور السادات عندما كلفه بقيادة الموسيقات العسكرية لعزف السلام الوطني الجديد (بلادي) الذي وزعه الموسيقار محمد عبدالوهاب عام 1979، كما حصل على الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون من العام نفسه، كما حصل عبدالوهاب على وسام الأرز من لبنان، وقلادة الكواكب من الأردن، ووسام الفارس من سوريا، ووسام الاستقلال عام 1970، ووسام الاستحقاق السوري عام 1971، وحصل على الدبلوم والميدالية الذهبية عام 1962 من معرض كولز الفني بفرنسا 1983، وحصل على لقب (فنان عالمي) من جمعية المؤلفين والملحنين في باريس، وكان قد حصل على الأسطوانة البلاتينية من أكبر شركات الأسطوانات العالمية تقديراً له على خدماته وإثراءاته للحياة الفنية في الوطن العربي وهــي أول مرة تمنح لفنان عربي. وأطلقت على الفنان محمد عبد الوهاب عدة ألقاب وأسماء منذ بداية مشواره الفني منها (أمير الطرب) وزعيم المجددين، مطرب الملوك والأمراء، كروان الغناء، موسيقار الجيل ثم موسيقار الجيلين، ثم موسيقار الأجيال عملاق الأغنية، فنان الشعب الدكتور محمد عبد الوهاب كما أطلق عليه مطرب العظماء والأكابر، بعد أن غنى لأول مرة في قصر الأمير محمد علي، ودعته سراي عابدين للغناء في ذلك الوقت عام 1935، ثم بعد ذلك أطلق عليه لقب مطرب الملوك والأمراء. ولد الموسيقار محمد عبد الوهاب في 13 مارس عام1889، واسمه الأصلي عبدالوهاب الشعراني من عائلة الغروري كبير شرقية، ويتصل نسبه بالإمام الشعراني عن طريق الأم، وهي من محافظة القليوبية، بينما كان والده الشيخ محمد أبوعيسى من قرية عياض مركز أبوكبير محافظة الشرقية، وقد نزح الأب مع أخيه الشيخ عبدالوهاب في أواخر القرن التاسع عشر إلى القاهرة، حيث عمل الأب إماماً وخطيباً. بدأ في دراسته الموسيقى على يد أساتذة كالشيخ درويش الحريري، ثم تعلم العزف على العود، على يد محمد القصبجي، ونظم له أغنية (أحب أشوفك كل يوم) إلا أن عبد الوهاب لم يستقر على هذا الحال وتطلع إلى ما هو أفضل ثم التقى عبدالوهاب سيد درويش، واستمع سيد درويش إلى صوت عبدالوهاب وهو يغني (أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد فوق الأهرامات) وكان لعبدالوهاب مناسبة فنية كبيرة إذ ظهر أمام (منيرة المهدية) في أوبريت (كليوباترا ومارك أنطونيو، في عام 1927، وكان عبدالوهاب قد لحن جزءا كبيرا من هذا الأوبريت، وبدأ عبدالوهاب يغني في الحفلات الخاصة وكان أمير الشعراء أحمد شوقي يستمع إليه، حيث استدعاه وقال له أنت موهبة كبيرة وفي إمكانك أن تغني في أي وقت واستمرت صداقة شوقي بعبد الوهاب وكتب له أغنية باللغة العامية والمناسبة هو زواج ابن شوقي علي) وكانت الأغنية بعنوان (داير البشاير مجلسنا) وبعدها كتب له هذه الأغنيات، في الليل لما خلي واللي يحب الجمال، والنيل نجاشي، واستمرت علاقة محمد عبدالوهاب بالشاعر أحمد شوقي حتى وفاته عام 1932 وللحقيقة كان محمد عبد الوهاب قد غنى الكثير من أشعار شوقي تخليداً لهذا الشاعر العظيم، وانطلق عبدالوهاب بسرعه فائقة حيث لحن نحو 800 أغنية له ولمطربين آخرين، بالإضافة إلى السلام الجمهوري الليبي والسلام الوطني لدولة الإمارات وعمان، ويعتبر محمد عبدالوهاب النهر الخالد الذي ينسب إليه جميع الملحنين المصريين والعرب. اهتم عبدالوهاب بالألحان الوطنية اهتماماً كبيرا ولاسيما ثورة 23 يوليو بقيادة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر بداية من (نشيد الحرية) كنت في صمتك مرغم لكامل الشناوي عام 1952، و«تسلم يا غالي» بعد محاولة اغتيال عبدالناصر في الإسكندرية عام 1954 ثم توالت الأغاني الوطنية، يا بلادي، بطل الثورة أغنية عربية لكامل الشناوي عام 1958 لوحدة مصر وسوريا، ثم ناصر، والجيل الصاعد، وفي عام 1933، غنى أغنية «حب الوطن فرض علي»، تأليف (أمين عزت الهجين) وتحية العلم لأحمد رامي عام 1953 وأهم أغنية لعبدالوهاب كانت أغنيته (الفن) غناها في الأربعينيات تقول كلماتها: الدنيا ليل والنجوم طالعه تنورها، من كلمات صالح جودت كما غنى للملك عبدالعزيز آل سعود أنشودة التاجين ويا رفيع التاج كلمات صالح جودت، وأغنية فلسطين عام 1948 لعلي محمود طه، ويعد محمد عبدالوهاب أول صوت غنائي بعد أم كلثوم يغني في إذاعة مصر عند افتتاحها عام 1934، بأغنية «لوكان فؤادك يصفالي»، وعبدالوهاب يعد الرائد الأول للسينما الغنائية في مصر، كمنتج وموسيقار ونجم غنائي لسبعة أفلام غنائية وهي الوردة البيضاء عام 1933، ودموع الحب عام 1935، ويحيا الحب عام 1938، ويوم سعيد عام 1940، وممنوع الحب عام 1942، ورصاصة في القلب عام 1944، وأخيراً لست ملاكاً عام 1946، كما اشترك كضيف شرف في فيلم (غزل البنات) عام 1949، كان عبدالوهاب شخصية فنية لم تتكرر وسوف تظل باقية في أذهان الناس ، فالشخص فان، أما أعماله الفنية فما زالت ترددها الأجيال.
مشاركة :