«بعد عام من الكدّ والتعب والإصرار وتوفيق الله، استطعت أن أفي بوعدي لأبنائي باستعادتهم، بعد أن حرمني منهم انفصالي عن زوجي، في الوقت الذي كنت أعاني من ضائقة مالية كبيرة لم أكن قد خططت لمواجهتها». هكذا تصف الثلاثينية سوزان العمري التي تقطن مدينة إربد (80 كلم شمال عمّان) بسعادة غامرة تحقيقها أحلامها التي تقول عنها أنها «أشبه بمعجزة». وتضيف: «بعد انفصالي عن زوجي بسبب خلافات عائلية ذهبت للعيش في منزل والدي، ولم أتمكن من اصطحاب أبنائي الستة معي، رغماً عني، لأني لم أكن أستطع توفير حاجاتهم الأساسية، إذ لم أكن أعمل وقتذاك». وتقول العمري التي لم يسبق لها العمل لأنها تزوّجت في سن صغيرة ولم تكمل تعليمها: «سهرت الليالي وأنا أفكر كيف أعيد أبنائي إلى حضني، وأستعيد ثقتهم وحبهم لي، خصوصاً أنني من غادر المنزل. وفيما كنت أرافق أحد أعمامي في زيارة صديق له بمزرعته في وادي الأردن، شاهدت أكواماً كبيرة من قشور البرتقال تخرج من آلات عصره في تلك المزرعة التي تحوي مئات من أشجار البرتقال والليمون، فخطرت في بالي فكرة أن أستغل هذة القشور المجانية من أجل صنع مربى». وتوضح العمري التي لم تتخطَّ في دراستها أكثر من الثانوية العامة، أنها لما عادت إلى البيت سألت أمها التي تمتلك خبرة كبيرة في الحياة وأساليب الطهو، عن كيفية صناعة مربى البرتقال، فأرشدتها إلى الطريقة، وراحت تجرّب حتى «توصّلت إلى نكهة طيبة قمت باعتمادها». وتضيف: «ذهبت إلى مزرعة صديق عمي وأطلعته على فكرتي وبما أنوي عمله، فشجعني وأمّن لي مكاناً صغيراً في مزرعته، حيث باشرت مشروعي بأدوات بدائية هي عبارة عن وعاء كبير (طنجرة) وفرن غاز، وتمكّنت من إنتاج كميات معقولة نجحت في تسويقها في المنطقة»، حيث شجعها تجار وبدأوا يطلبون أن توفّر لهم كميات أكبر. وتذكر العمري أنه «بعد أن وجدت السلعة رواجاً، ضاعفت جهودي وادخرت مالاً بعد أن جنيت منه ما يفوق حاجتي». وتتابع أن «المذاق الجيد دفع أكثر من 107 أسواق، لا سيما التجارية الرسمية منها، إلى طلب كميات كبيرة تفوق طاقتي، فاستثمرت الأموال التي أدخرتها لأنشئ مصنعاً قرب المزرعة، ووظّفت لمساعدتي متفوقات من مركز التدريب المهني الموجود في المنطقة، وبدأت عجلة العمل في المصنع تدور وتنتج كميات تجارية كبيرة تكفي حاجة الأسواق». وبسبب قربه من حدود فلسطين المحتلة، يتطلّب الوصول إلى مصنع العمري عبور حواجز أمنية. لكن ذلك لم يحد من نشاطها أو يكبح جماح اندفاعها، إذ انطلقت للتعامل مع مزارع مجاورة أخرى وشراء قشور البرتقال منها، خصوصاً أن المنطقة الشمالية من وادي الأردن تتميّز بإنتاج حمضيات بكميات كبيرة، وتعدّ من أجود الأنواع في العالم. ويعاون العمري أبناؤها الستة (ثلاثة ذكور وثلاث إناث) وأكبرهم في الـ17، ويشعرون بسعادة غامرة. وقد انتقلوا للعيش معها منذ خمسة أشهر، بعد أن بات في مقدورها أن توفّر لهم كل ما يحتاجونه. تصنّع العمري مربيات خالية من الإضافات أو المحسّنات ومن المواد الحافظة. ومنحتها أخيراً «مؤسسة نهر الأردن» التي تهتم بالمشاريع الصغيرة الرائدة في الأردن وتدعمها، جائزة التميّز الريادي، بيد أن العمري تطالب الجهات الداعمة والتجارية الأخرى بدعم منتجها من أجل الحفاظ عليه وتسويقه عالمياً، لا سيما أنه منتج وطني استطاع النجاح ومنافسة سلع مشابهة، وأوجد فرص عمل أنقذت أيادي عاملة من البطالة. وتخطط العمري لإنشاء 4 خطوط إنتاج أخرى من قشور البرتقال، هي مستحضرات التجميل، وعبوات الليمون الطبيعي، وبهارات الحلويات، وزيت البرتقال.
مشاركة :