الابتزاز الإلكتروني.. جريمة تتزايد وضحايا خلف الستار!

  • 12/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

◄ عصابات دولية تنصب "المصائد" للشباب والمراهقين.. والمحتوى غير الأخلاقي بالمقدمة ◄ إصلاح الهواتف وتركيب كاميرات المراقبة المنزلية وصور المناسبات تساهم في اختراق الخصوصيات ◄ التوعية المكثفة والقوانين الصارمة تحد من ظاهرة الابتزاز الإلكتروني ◄ المعولي: بعض الفتيات يقعن ضحية للابتزاز نتيجة إقامة علاقات غير شرعية ◄ الزدجالية: ضحية الابتزاز قد يؤذي نفسه خوفا من التهديدات ◄ هلال بن علي: يجب تقوية الوازع الديني والاهتمام بالأبناء ومتابعة استخدامهم لمنصات التواصل ◄ فاطمة بنت ناصر: المجتمع قد يساهم في انتشار الابتزاز عبر محاولات إسكات الضحية ◄ المعمري: نحتاج إلى تطبيق منهج المواطنة الرقمية في المدارس الرؤية- سارة العبرية تحتاج ظاهرة الابتزاز الإلكتروني إلى تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية والشخصية للتخلص من هذه الأزمة التي تطارد العديد من أفراد المجتمع خصوصا المرأة والمراهقين، حيث تتنوع أساليب الابتزاز العاطفية والمالية والجنسية، وقد تصل إلى ابتزاز يتعلق بمعلومات خاصة تُهدد الأمن العام. وعلى الرغم من الجهود الملموسة من قبل الأجهزة المعنية لمعاقبة من يمارس الابتزاز الإلكتروني ضد أي شخص، إلا أن الإحصائيات تقول إن الأمر يتطلب مزيدا من الإجراءات خصوصا بعد أن وثق المركز الوطني للإحصاء والمعلومات 2292 جريمة إلكترونية في السلطنة خلال عام 2020، وأن 47% من إجمالي الجرائم تمثلت في جريمة التعدي على الغير بالسب والقذف، و16% من الجرائم تمثلت في جريمة الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية، و7% من الجرائم تمثلت في تهديد شخص أو ابتزازه عبر الشبكة المعلوماتية أو وسائل التقنية، فيما بلغت نسبة جرائم التقنية الأخرى 30%. ويعد الابتزاز الإلكتروني من الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالمرسوم السلطاني 2011/12 بالمادة (18)؛ حيث أوضحت هذه المادة أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عُماني ولا تزيد عن ثلاثة آلاف ريال عُماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال عُماني ولا تزيد عن عشرة آلاف ريال عُماني إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار. ويوضح سعود بن صالح المعولي، محامي بالمحكمة العليا ورئيس ادعاء سابق، أن أساليب الابتزاز تختلف باختلاف الضحية المستهدفة، وأن الشباب عادة ما يتم استدراجهم بانتحال المُبتز لشخصية فتاة في مواقع التواصل الاجتماعي ويعطيه من المظاهر ما يبني بينهم جدار ثقة، قبل أن تبدأ عملية الابتزاز، مضيفا: "من بين الأساليب أيضًا، التواصل مع أرقام شباب بشكل عشوائي عبر الواتساب وانتحال شخصية فتاة من دولة عربية غالباً، وبعد بناء علاقة من خلال التواصل، تزعم الفتاة "المُبتز" أن أحد أقاربها اطلع على هاتفها والمراسلات واكتشف هذه العلاقة وتقطع التواصل مع الضحية، فيتدخل شخص آخر ويتواصل مع الضحية بحجة أنه فاعل خير أو موظف في السفارة، زاعمًا أن قريب الفتاة علم بالعلاقة وقام بالاعتداء على الفتاة، وأنه قدم شكوى ضد الضحية عبر السفارة، ويرسل خطابات مزورة منسوبة للسفارة أو الادعاء العام، وأنه سيتكفل بحل المشكلة في حال دفع الضحية مبلغا ماليا محددا لقريب الضحية، وإلا فإنِّه سيتحمل تبعات الشكوى التي تم تقديمها ضده، وقد يُصدق الضحية هذا السيناريو الكاذب ويقوم بتحويل مبالغ للمبتز؛ خشية الخضوع للإجراءات القانونية". ويُشير إلى أنَّ بعض الفتيات يقعن ضحية للابتزاز نتيجة إقامة علاقات غير شرعية، كأن تتواصل الفتاة مع شاب في مواقع التواصل حتى يشعرها المبتز بالثقة والأمان فترسل له صورها، لتبدأ بعد ذلك مرحلة التهديد ثم الابتزاز عن طريق طلب المال أو استغلالها جنسيًا مقابل عدم فضح أمرها أو نشر صورها. ويقول المعولي: "لقد رصدت بعض الحالات التي وقعت فيها فتيات ضحية للابتزاز على ضوء علاقة  شرعية؛ كأن تقوم فتاة بإرسال صور لخطيبها وثم لا تتم الخطوبة، وينشب خلاف بينهما، ويبدأ في ابتزازها من خلال الصور التي أرسلتها له، وأيضا قيام المطلق بابتزاز طليقته مستغلا الصور التي كانت بينهما أثناء الزواج"، موضحا أن ابتزاز الأطفال يكون عبر استدراجهم بطرق مختلفة كإنشاء حسابات أو صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي لأمور تستهويهم كصور الحيوانات الأليفة وصور السيارات، ثم يتم التواصل معهم والإيقاع بهم وتصويرهم في أوضاع مخلة واستدراجهم. ويحذر سعود المعولي من بعض العوامل التي تساهم في وقوع الضحايا في شرك الابتزاز، مثل إعطاء الهواتف لعامل المحل أو شخص أجنبي لتحميل البرامج بها، لأن العامل أو الشخص يقوم بفتح حساب في الهاتف عبر بريده الإلكتروني، الأمر الذي يعطيه صلاحية الاطلاع على جميع ما يلتقط من صور وفيديوهات من الهاتف، وجميع ما يخزن به؛ إذ ترسل له نسخة من ذلك على بريده الإلكتروني، بالإضافة إلى الحرص عند إصلاح الهواتق لأن العامل يمكنه نسخ جميع الصور والفيديوهات في غضون ثوان معدود، وكذلك عدم فتح أي روابط ترسل من خلال الرسائل النصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من قبل أشخاص مجهولين، وعدم التعرض للتصوير في قاعات الأفراح بوضع غير محتشم؛ إذ قد تتداول الصور بين فتيات بنية حسنة، إلا أنها قد تصل إلى أشخاص يستخدمونها في الابتزاز، وأخيرا التركيز عند تركيب كاميرات المراقبة داخل المنزل حتى لا يقوم الفني بربط الكاميرات بهاتفه الخاص، ويكون بذلك مطلعًا على كل ما يحدث داخل البيت. وتقول هالة بنت هارون الزدجالية، خبيرة في مجال حوكمة تقنية المعلومات، إن أشكال جرائم الابتزاز الإلكتروني متنوعة، لكن أكثرها شيوعا هي عملية التهديد والترهيب بنشر صور أو الفيديوهات أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية مقابل مبالغ مالية، وأنه قد يتم الضغط على الضحية عبر استغلالها جسديا أو التهديد بالإضرار بالسمعة أو المقايضة أو القيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتز، كالإفصاح عن معلومات سرية تخص جهة العمل، مشيرة إلى أن أغلب أشكال الابتزاز تتمثل في طلب تحويل مبالغ مالية أو هدايا من الضحية، وأيضا الابتزاز العاطفي عن طريق تقديم الصور والفيديوهات الشخصية، والابتزاز غير الأخلاقي عن طريق طلب فعل عمل ما يتنافى مع الدين والعادات والتقاليد. وتعتبر أن الأطفال والمراهقين هم الضحية الأسهل لدى هؤلاء المبتزين، لأن الأجهزة الإلكترونية أصبحت مستخدمة بشكل كبير في ظل غياب رقابة الوالدين وزيادة الفجوة في علاقة الطفل أو المراهق ووالديه، وعدم قدرته على مصارحتهم بما يجري خلال يومه، مما يزيد من فرص تمادي المبتز في الضغط على الضحية، مؤكدة أن الضحية قد يستخدم المعلومات الشخصية التي ينشرها الكثيرون عن حياتهم الخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وجمع المعلومات عن الضحية ومعرفة أصدقائه وأقاربه وهواياته والأماكن التي يذهب إليها حتى يبدأ في كسب ثقته أولا والتقرب منه، وبعد ذلك ينتقل إلى مرحلة التهديد والابتزاز. وتشير الزدجالية إلى أن الضحية قد يؤذي نفسه خوفا من التهديدات والترهيب الذي يتعرض له، مطالبة بعدم الاستهانة بالأزمات النفسية المتعلقة بالتحرش الجنسي على الضحية أو تشويه السمعه أمام المجتمع، لأن ذلك قد يتسبب في تفكيك الأسر وزيادة نسب الطلاق بين المتزوجين وتهديد علاقة الأبناء بالآباء، لافتة إلى أن أساليب الابتزاز الاقتصادية لتسريب معلومات عن العمل قد تسبب ضررا كبيرا بالمؤسسات وقد تصل إلى المساس بأمن الدولة. وتقترح هالة الزدجالية لتقليص حالات الابتزاز الإلكتروني اتباع عدة طرق منها التوعية المجتمعية عن أساليب وصور الابتزاز ومعرفة طرق التعامل معها لإيقاف تلك المحاولات، وذلك من خلال خطب الجمعة والمدارس والتنبيه بعدم زيارة المواقع المشبوهة وعدم التواصل مع الغرباء أو الإدلاء بالمعلومات الشخصية، وتنصيب برامج الحماية على الأجهزة الإلكترونية لحمايتها من عمليات القرصنة أو تفعيل خاصية التوثيق الثنائي لحماية الحسابات الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي من محاولات الاختراق، وتكثيف الحملات الإعلامية عبر التلفزيون والصحف اليومية والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى سن القوانين الصارمة ووضع العقوبات الرادعة لإيقاف هذه الظاهرة الخطيرة. وتُؤكد أن المجتمع عليه دور كبير في إبلاغ سلطات الدولة عن أي حالة ابتزاز أو اشتباه دون الشعور بالخوف أو العار، وعدم التسرع في تداول أي معلومات سواء بالصور أو الفيديوهات دون التأكد من هوية المستلم، والحرص على قراءة الشروط والأحكام المتعلقة بالولوج إلى البيانات الشخصية عند تنصيب أي برنامج في الأجهزة الإلكترونية. ويرى هلال بن علي العلوي، المدير المساعد لدائرة تقنية المعلومات بوزارة التربية والتعليم، أن كل أشكال الابتزاز المادي والجنسي والجسدي تندرج تحت أنواع الابتزاز الإلكتروني، لكن الشائع هو الابتزاز الجنسي لأن المبتز يقيم علاقة عاطفية مع الضحية تبدأ بأساليب الحب واستخدام العاطفة وتستمر إلى أن يقوم بطلب صور وفيديوهات وبيانات خاصة يتمكن بها من تهديد ضحيته، موضحًا أن التهديد قد يصل إلى جناية عن طريق إسناد أمور مخلة بالشرف والاعتبار. ويتابع أن المبتز يقوم بجمع بيانات الضحايا من خلال صور حصل عليها من هواتفهم أو وصل إليها عن طريق حسابات الهواتف الذكية بسبب وضع كلمة سر ضعيفة للحساب، ويبدأ في نشر هذه الصور على منصات التواصل الاجتماعي وتهديد الضحايا، موجها بتوعية المجتمع بأهمية الحرص على الخصوصية عن استخدام أي أجهزة أو تطبيقات إلكترونية وتقوية الوازع الديني وعدم فصل الواقع الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي عن الواقع الحقيقي الذي نعيشه، والإبلاغ الفوري لجهات الاختصاص عن أي حادثة تقع وعدم التهاون في التفاوض مع المبتزين، وتكثيف توعية الموظفين حول أمن المعلومات وبث روح الاستخدام الإيجابي لشبكات التواصل الاجتماعي، وتجنب فتح الروابط المجهولة في المحادثات، والمتابعة المستمرة للأبناء. وتبيّن فاطمة بنت ناصر، مترجمة ومتخصصة في الإعلام الجديد ومديرة تحرير منصة "وجيز"، أن الابتزاز قد يكون على شكل التقليل من شأن الشخص ووصفه بأوصاف قبيحة حتى تهتز صورته أمام المجتمع، مضيفة: "الابتزاز أمر مؤذٍ جدا خاصة لمن يعانون من هشاشة نفسية، وقد يؤدي بدوره إلى الكثير من التبعات على الضحية؛ حيث يتأثر المراهق بالابتزاز خاصة أنه في مرحلة يحتاج فيها أن يشعر بأنه شخص مقبول قادر على عرض أفكاره وآرائه دون الإنقاص من شأنه، وقد يساهم المجتمع في الضغط على الضحية من خلال محاولة إسكاته ونصحه بعدم نشر قصته أو إبلاغ الجهات المعنية". وتشير إلى أن أكثر الفئات تعرضاً للابتزاز هم النساء، نظرا لموجة الانتقادات التي تلاحقها فيما يخص ملبسها وما تقوله وما تكتبه، بالإضافة إلى أن عنصر "العاطفة" هو من أكثر الأشياء التي يدخل منها المبتزون إلى ضحاياهم حيث يعمد المبتز إلى تهديد الضحية وفضحها أمام المجتمع حتى تستجيب له. وتستنكر بنت ناصر: "الكثيرون في المجتمع يرون أن اللجوء إلى الجهات المختصة شيء يضر سمعتهم أمام المجتمع، وفي عُمان يظل الخوف من الفضحية مسيطرا على عقولنا بالرغم من وجود جهود حكومية تتعلق بالابتزاز تتم بين حين وآخر، إلا أن هذه الجهود لا تكتمل إلا بزرع الثقة في المنزل أولا لأنه إذا استمر خوف الشباب والفتيات من عائلاتهم فلن يصارحوهم حين يقعون ضحية للابتزاز". وتستشهد فاطمة بنت ناصر بقيام بعض الدول بالتشهير بالمبتزين والمتحرشين كوسيلة للتقليل من حالات الابتزاز، مطالبة بعدم التهاون مع من يقوم بابتزاز غيره أياً كانت الأسباب أو الأهداف. ويعتقد يعرب بن علي المعمري، متخصص في التكنولوجيا والخدمات الرقمية، أن المجتمع لا يعطي هذا الأمر أهمية كبيرة ويتعامل معه على استحياء، لذلك تستمر هذه المظاهر رغم محاولات الحد منها، مطالبا بتكثيف حملات التوعية ونشر الوعي عن حيل الابتزاز وكيفية الحماية منه، وتطبيق منهج المواطنة الرقمية في المدارس، ووضع برامج في مجال البصمة الرقمية لفئة الشباب، وتوعية كبار السن في هذا الجانب عن طريق برامج متخصصة وليس مجرد مواد إعلانية.

مشاركة :