ليس أشد على الإنسان من بتر عضوٍ من أعضاء جسده إلا أن العضو إذا فسد وهدد بقية الجسد بالمرض أو الموت يُقدم الإنسان على بتره؛ لكي يحيا الجسد بسلام، وكذلك الدولة تشعر بالألم عندما تعدم أحد مواطنيها إلا أنها في الوقت نفسه تقوم بمهمتها وهي حماية أمن الوطن والمواطن واستقرارهما، ولذلك لا تتوانى أي دولة في معاقبة المجرمين والقتلة والإرهابيين بالسجن أو الإعدام لتستمر الحياة وتزدهر وهذا يتوافق تماماً مع قول الله تعالى في محكم تنزيله (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ) [البقرة:الآيةُ 179] حكومتنا الرشيدة تؤمن بأن الحكمة بالتعامل مع هذا الملف لها فوائد عدة، فالحكمة تدعو للعمل وفق الشرع لا الهوى، كما تدعو للعمل على بصيرة نافذة، ومن ثم فإن الحكمة ترفع من درجة الإصابة في القرارات، كما تحفظ المسؤولين عن ارتكاب السُّوء أو التَّلفظ به، أو ارتكاب المحذورات، أو التَّجنِّي على الغير، ولقد تجلت هذه الحكمة في اجتثاث الإرهاب من بلادنا من دون بلبلة أو تأثير سلبي على مناحي الحياة كافة، فالمواطنون يعيشون ويمارسون أنشطتهم اليومية كافة بأمن وآمان واستقرار، ويسيرون في جميع أنحاء المملكة وبكل الأوقات من دون حمل للسلاح وبكل الأوقات ليلاً أو نهاراً. الحكمة تقتضي العدل، والعدل أساس الملك، ولقد حظي كل المشتبهين بالقضايا الإرهابية مهما كانت حدتها بتحقيقات ومحاكمات عادلة كما حظي المشتبه بسلوكياتهم المتطرفة التي قد تدفع بهم إلى السلوك الإرهابي بالاحتضان في أماكن مخصصة للمناصحة؛ ليعودوا لرشدهم ولقد سلكت حكومتنا -رعاها الله- في ذلك سياسة الصبر والنفَس الطويل ليرجعون عن أفكارهم المتطرفة، وهو ما تحقق للكثير منهم وعادوا أفراداً صالحين منتجين كغيرهم من أفراد المجتمع. من مظاهر الحكمة والعدالة التي سلكتها حكومة المملكة العربية السعودية في التعامل مع الإرهابيين أنها اتبعت قول الله في محكم تنزيله (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الزمر:7] وهي آية تؤكد مبدأ العدل والإنصاف، فكل مسؤول عن أعماله ولا يجوز أخذ أحد بجريرة آخر، حتى وإن كان والده أو ابنه أو أخاه أو زوجته ولذلك عمدت الحكومة السعودية لرعاية أسر المشتبهين بالقضايا الإرهابية وحمايتهم من الوقوع بالزلل، بسبب لغياب عائلهم وما يترتب على ذلك من مشكلات مالية أو تربوية ولدى وزارة الداخلية نظام متكامل لرعاية أسر المشتبهين كما هو حال رعاية أسر المسجونين بالقضايا الجنائية. والحكمة والعدالة بطبيعة الحال لا تعني الضعف أو التهاون مع الإرهابيين المجرمين الذين يهددون الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي الوطني والدولي، فهؤلاء متى ما ثبتت بحقهم التهم المنسوبة إليهم يجب تنفيذ شرع الله فيهم، كما قال سبحانه في محكم تنزيله (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) [المائدة:٣٣]، وإلا فإنهم سيعيثون بالأرض فساداً ويقوِّضون الأمن والاستقرار ويشجعون غيرهم من ضعاف النفوس على الاقتداء بهم. ولذلك أفرح خبرُ إعدام الإرهابيين جميع أبناء المجتمع السعودي وأبناء ضحايا الأعمال الإرهابية من الأيتام والأرامل والمكلومين على وجه الخصوص، كما عبر الكثير من أبناء المجتمع عن اطمئنانهم وفخرهم ببلادهم؛ لكون إجراءات المحاكمات استوفت معايير أنظمة المملكة العربية السعودية والمعايير الدولية ذات الصلة، ولأن بلادهم لم ترضخ للضغوط والتهديدات الخارجية من الجهات الراعية للإرهابيين. في إعدام الإرهابيين الـ47، رسائل عدة أولها أن المملكة عازمة على استئصال شأفة الإرهاب من جذوره، وأنه لا تهاون في ذلك، وأن العدالة ستكون في مواجهة الإرهاب، وأنه لا محاباة لفئة على حساب فئة أخرى؛ فالأحكام وتنفيذها بناء على الأفعال لا على الانتماءات، وأن القتل سيكون مصير كل من تسول له نفسه العبث بأمن البلاد والعباد مهما كانت انتماءاته وقوة من يقف وراءه. هذا الأمر أغاظ الطرف الإيراني الذي يرعى الإرهاب ويفرق بين مكونات المجتمع الإيراني بناء على الانتماء الطائفي أو العرقي، فالعرق الفارسي الشيعي له السيادة والحقوق كافة وغيره من المواطنين من الدرجة الثانية، ويمكن أن يعدموا لدعاوى كيدية في محاكمات صورية لا تستمر أكثر من خمس دقائق كما هي حال أبناء الأحواز العربية والبلوش وغيرهم. وتمظهر الغيض الإيراني بالتعدي على السفارة السعودية بطهران والقنصلية بمشهد ودخولهما ونهب محتوياتهما من الرعاع تحت أنظار وترتيب من السلطات الإيرانية بدعوى مظلومية أحد المعدومين، وهو نمر النمر الذي يمثل رأس الحربة في المشروع الإيراني الطائفي في السعودية؛ لأن إعدامه سيجعل من يفكر بالقيام بدوره يراجع نفسه مرات عدة. في نظري أن القيادة السعودية لن تنجرف وراء هذه الأفعال المشينة لترد عليها بالمثل وستتعامل معها بالأسس والأعراف والقواعد السياسية، كما أنها لن تحيد عن سياستها في مواجهة الإرهاب بالحكمة والعدالة والمساواة بين مواطنيها والتعامل معهم على أساس المواطنة وفق النظام وعدم تحميل أي فئة أو فرد وزر فرد أو مجموعة حادت عن الطريق مهما كانت أفعالها فكل نفس بما كسبت رهينة. * مستشار إعلامي.
مشاركة :