التلفزيون الرسمي أعلن أن قنواته ستنضم إلى بعضها بعضاً «لنقل احتفال مصر والمصريين بالشرطة في عيدها». وجهات حكومية تستعد ليوم «العيد» بسبل مختلفة وطرق عدة تتراوح بين توزيع ورود، وبث أغنيات مصرية ترسخ المشاعر الوطنية وتؤكد أن «الشعب والشرطة يد واحدة». ومجموعات متزايدة من المواطنين الذين لسعتهم نيران الإرهاب وكوتهم شظايا التغيير تشحذ الهمم وتؤجج الحماسة بموجات عارمة من السخرية لكل من تسول له نفسه بأن ينزل في «يوم العيد» للقيام بأي نشاط تشوبه شائبة الغضب أو التظاهر أو التأبين. يتجاذب الفرقاء حق احتكار الميدان وملكية الاحتفاء الحصري بيوم 25 كانون الثاني (يناير) الجاري، بين فريق يسعى إلى تأبين شهداء الثورة والبكاء على أطلال 18 يوماً من الحراك الثوري بدأت في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 والتذكرة بأن «العيش» ما زال دون المستوى و «الحرية» أصبحت أقل مما ينبغي و «العدالة الاجتماعية» تتراوح بين التعثر والتعسر من جهة، وفريق يسعى إلى الاحتفاء بشهداء الشرطة بدءاً من أيام الثورة مروراً بأحداثها وانتهاء بحوادثها والاعتراف بأن غياب الشرطة واستهدافها أو تغييبها واستنزافها كان خطأ كبيراً وذنباً عظيماً. يوم 25 كانون الثاني (يناير) الذي كان عيداً للشرطة المصرية تحتفل به الدولة شاء المواطنون أو أبوا كان يمر مرور الكرام من دون تنازع على ملكية هنا أو صراع على هوية هناك، لكن السنوات الخمس الماضية حولت اليوم إلى رمز لتغلب الثوار على الشرطة القمعية، ثم قلبته إلى إعادة تفكير في قواعد اللعبة الثورية، وما لبث أن عاد بعضهم إلى مربع «الشعب والشرطة يد واحدة»، وفي العام الرابع ترسخ اليوم باعتباره «عودة الشرطة إلى أحضان الشعب» (أو العكس)، وفي العام الخامس صار خلافاً بين قواعد شعبية ونخب تعتبر نفسها وطنية من جهة، وقواعد ثورية ونخب تستمد قوتها عنكبوتياً من جهة مقابلة. الهاشتاق المتصدر قائمة «تويتر» أمس أثبت غلبة أولئك الممسكين بتلابيب الشرطة التي هي جزء لا يتجزأ من الشعب رغم «أخطاء فردية»، والتي «حمت ثورة 30 يونيو» وإن عاد بعضها إلى ممارسات قمعية، والتي يروح أفراد منها ضحية الإرهاب حتى وإن ظلت عقيدتها تحتاج إلى تغيير. #كلمة-للي-نازلين-يوم-25 غلبت عليه ميول عدائية تجاه كل من يعادي وزارة الداخلية، أو يجاهر بكراهية لممارسات يصفها بالقمعية، أو يشكك في عقيدة أمنية يصمها بالعنجهية. لكن غلبة التيار المدندن للشرطة على «تويتر» تقابلها سطوة اتجاه «فايسبوكي» نحو تسليط الأضواء على انتهاكات ما زالت الشرطة تقترفها، وخروقات لبديهيات حقوق الإنسان واحترام الحريات. أما المواطن غير العنبكوتي فيظل بعيداً من هؤلاء، ومنزوياً عن أولئك. النبرة السائدة في الشارع متأثرة بما يجري بثه تلفزيونياً عن مخاوف أمنية مصحوبة باحترازات تأمينية لا تخلو من احتفاءات تارة بالثورة في ذكراها وتارة بالشرطة في عيدها. مشاعر مختلطة بين قليل من الخوف وبعض من التوجس مما قد يحدث في هذا اليوم، لكنها لا تخلو من راحة نسبية لأن اليوم سيكون عطلة رسمية. وبينما وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار يوجه كلمة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد فيها «بقاء رجال الشرطة أوفياء للوطن وحماة لأمنه يذودون عن ترابه واستقراره» في مناسبة العيد، والمطرب مدحت صالح يضع اللمسات الأخيرة على أغنية «تعيش الدنيا» في احتفالات العيد، وتكهنات بحضور الرئيس احتفالاً كبيراً في منشأة شرطية في يوم العيد، يغرف آخرون من صندوق الذكريات لاسترجاع كيف وقعت الشرطة في يوم عيدها، وضرورة إحياء الذكرى بالطريقة نفسها، وحتمية الإبقاء على الثورة حية، ليس فقط في النفوس ولكن في الميادين والشوارع. لكن المواطن يجد نفسه مراقباً لهؤلاء لكن في الوقت نفسه مشككاً في أولئك، منتظراً أن يمر يوم العيد بسلام، سواء أكان عيداً لثورة مضت أو شرطة حضرت.
مشاركة :