قطعت فرح سعيد تعليمها إثر وفاة والدها لتقف إلى جانب أمها وتساعدها على رعاية إخوتها وتوفير سبل المعيشة الكريمة لأسرتها المكونة من 12 شخصا. وبعد 20 عاما تفرغت خلالها للعمل خياطة ملابس نسائية، عادت إلى مقاعد الدراسة لتكمل مسيرتها التعليمية حيث تدرس الآن علم النفس في المرحلة الجامعية. و بحسب صحيفة عكاظ فتحت فرح قلبها لـ «بنات الجامعة» لتتحدث بصراحة عن عصاميتها ومسيرتها الحياتية التي تنطوي على الكثير من الدروس والعبر للفتيات، مؤكدة أن فرص التعليم قد تؤجل لكنها لا تضيع متى ما توفرت الإرادة القوية. • يقال إن لكل فتاة من اسمها نصيبا، فإلى أي مدى اتسمت حياتك بالفرح؟ - عشت طفولة عادية، كنت أحصل خلالها على أشياء وأحرم من أخرى. فنظرا لعدد إخوتي العشرة والدخل المادي المتوسط لوالدي، لم أكن أحظى بكل ما أتمناه، إلا أنني كنت في تلك الفترة سعيدة بين أسرتي المكتملة حينذاك. • ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ - دخلت الروضة ثم المدرسة الابتدائية، وفجعت بوفاة والدي في حادث حينما كنت أدرس في الصف الخامس ابتدائي، ولم نجد الدعم المادي اللازم من ثلاثة إخوة «غير أشقاء» لأمي، وعمي الوحيد لم يكن يقطن في منطقتنا، لكن جدتي كانت خياطة وتعلمت والدتي منها أصول مهنة الخياطة وأتقنتها بمهارة فائقة، ما دفع جاراتنا للاتفاق معها لخياطة ملابسهن، ومع مرور الزمن اكتسبت شهرة واتسعت دائرة عملها، وهو ما شكل عبئا كبيرا عليها إلى جانب أعباء المنزل ورعاية الأسرة. • لماذا لم تحاولي أنت وإخوتك مساعدتها؟ - ظروفنا المادية لم تكن تسمح لنا بإحضار خادمة لمساعدة أمي في القيام بأعمال المنزل، فقد كانت تعمل في صمت وتسهر حتى الفجر، وكثيرا ما كنت أستيقظ من النوم ليلا لأجدها تخيط الملابس منهكة في حالة بالغة من الإرهاق والتعب والدموع تترقرق في عينيها، فكان قراري بقطع مسار تعليمي وأنا طالبة في الصف السادس ابتدائي، وأمام إلحاحي وإصراري على موقفي طلبت أمي مني إكمال المرحلة الابتدائية ثم النظر بعد ذلك في أمر التفرغ لمساعدتها. • هل قطعت تعليمك فعلا واكتفيت بالمرحلة الابتدائية؟ - نعم أكملت المرحلة الابتدائية ثم توقفت عن الدراسة بناء على رغبة أمي، وتفرغت للقيام بأعباء المنزل، واستغللت أوقات فراغي في تعلم فنون ومهارات الخياطة إلى أن أتقنتها، وبدأت أساعد والدتي وأخفف عنها كثيرا من الأعباء التي كانت تثقل كاهلها، وفي ذلك الحين كان إخوتي يكبرون وينتقلون بنجاح من مرحلة دراسية إلى أخرى، فيما تتملكني سعادة غامرة وأشعر بنجاحي في أداء مهمتي. • ألم تشعري بالندم على قطع تعليمك؟ - لم يروادني أي إحساس بالندم، ولم أكن أنانية، ومساعدة أمي أهم عندي من أي شهادة دراسية، وكنت أعتبر نجاح إخوتي نجاحا لي، فبعض إخواني أكملوا دراستهم الجامعية بنظام الانتساب، وتزوجت اثنتان من أخواتي في ليلة واحدة، ما خفف العبء كثيرا على الأسرة بعد مرور نحو 20 عاما على قطع مساري التعليمي. • بعد مرور هذه السنوات الطويلة، كيف عوضت ما فاتك؟ - لن أنسى ذلك اليوم الذي عاد فيه أخي الأكبر للمنزل قبل انتهاء دوام عمله، وبشرني بفتح باب تعليم الكبيرات، وأذكر أنني قلت له ساخرة إن محو الأمية موجود منذ عقود، فرد علي بجدية قائلا الأمر يتعلق بالدراسة انتظام في الفترة الصباحية بالمرحلة المتوسطة، وعليك أن تجهزي أوراقك لتكوني ضمن الدفعة الأولى، وفرحت أمي أكثر مني بتلك البشارة وأصرت علي أن أجرب حظي ولن أخسر شيئا، فأصغر إخوتي كان وصل المرحلة الثانوية، وما يزال يرن في أذني صدى كلماتها وهي تشجعني قائلة: لقد كنت العكاز التي أتكئ عليه طيلة عشرين عاما ولم أسمع فيها كلمة تذمر منك، وأنا راضية عنك كل الرضا، والآن جاء دورك لتكملي دراستك بعد أن أصبح وضعنا المادي أفضل بكثير مما كان عليه في السابق. • إلى أين وصلت في الدراسة حتى الآن؟ - لأنني كنت أعشق التعليم ولم أنقطع عنه إلا لأساعد أمي وإخوتي، لم تواجهني صعوبة تذكر في الدراسة بالمرحلة المتوسطة لتعليم الكبيرات، وكان عددنا لا يتجاوز 15 طالبة، وبتشجيع من أسرتي واصلت الدراسة بالمرحلة الثانوية وتخرجت منها بامتياز، والآن أدرس علم النفس بالمرحلة الجامعية في المستوى الثاني. • لماذ اخترت علم النفس؟ - اخترته لكي أساعد كل شخص يحتاج إلى مساعدتي، فقد ساعدتني أسرتي لأصل إلى ما وصلت إليه حتى الآن، ولولا إصرارها ودعمها لضاعت فرصة تعليمي إلى الأبد، ومن واقع تجربتي الشخصية أصبحت لدي قناعة راسخة بأن الفرص أيا كان نوعها لا تضيع ويمكن إدراكها بالعزيمة والإرادة القوية، والتعليم لم يعد ترفا بل ضرورة ملحة لا تستغني عنه أي فتاة، حتى إذا اضطرتها ظروفها العائلية لتأجيلها إلى حين.
مشاركة :