سيشهد العام المقبل عددا من الانتخابات الحاسمة في عدد من دول إفريقيا، وهو ما سيمثل اختبارا لمسار الديمقراطية في القارة السمراء وسط تحذيرات من استمرار الأزمات في هذه البلدان، التي تشهد من وقت لآخر اضطرابات وانقلابات.. بنيجيريا شهدت زخما متزايدا من القوى المدنية والسياسية الشبابية قبل الانتخابات، لكن البلاد شهدت أيضا موجة من العنف السياسي والاضطرابات. سيكون العام المقبل مزدحما من الناحية السياسية في إفريقيا، حيث ستُجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية في 17 دولة أفريقية ما سيكون له تأثيرات كبيرة على القارة السمراء، وفقا لما كشفت عنه "وحدة المعلومات الاقتصادية" التابعة لمجلة الإيكونوميست . وحذرت الوحدة من أن فترات إجراء الانتخابات تتسم بالتقلب وتحمل في طياتها مخاطر مرتفعة لاندلاع احتجاجات سياسية ومظاهرات وإضرابات في عدد من البلدان الأفريقية . مسار الديمقراطية أمام اختتبار صعب وفي سياق متصل، قال فونتيه أكوم، المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الأمنية، في مقابلة مع DW إن السؤال الأهم هل ستشهد القارة "موجة من الانقلابات" كما كان الحال في عام 2022؟ أم أن العام المقبل سيمثل قطعية مع هذه الظاهرة في ضوء محاولة الانقلاب الفاشلة في جزيرة ساو تومي وبرانسيبي في نوفمبر / تشرين الماضي؟ وفي هذا الصدد، سيكون التحدي الأكبر أمام أفريقيا العام المقبل كيف سيؤثر ذلك على مسار الديمقراطية فهل سيُجرى تعزيزها أم سترتد إلى الوراء. وشدد أليكس فاينز، رئيس برنامج أفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن، على أن الانتخابات الرئيسية التي "يُجدر مراقبتها، هي تلك المزمع إجراؤها في نيجيريا وجنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي خاصة مع احتمال وقوع أعمال عنف في بعض هذه البلدان". نيجيريا ... فرصة التغيير وفيما يتعلق بنيجيريا، فقد شهدت زخما متزايدا من القوى المدنية والسياسية الشبابية قبل الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى أواخر فبراير / شباط المقبل، لكن البلاد شهدت أيضا موجة من العنف السياسي والاضطرابات. وفي ذلك، قال أكوم إن الانتخابات في نيجيريا "تتسم بأهمية بالغة نظرا لأن نيجيريا واحدة من أكبر اقتصادات القارة بالتزامن مع أنها تواجه تحديات أمنية". ومع قرب الانتخابات في هذا البلد، تتجه الأنظار بالذات إلى الشباب الذين بمقدورهم تغيير موازين القوى بين الأحزاب السياسية الرئيسية في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 217 مليون نسمة. يعصف بمنطقة غرب أفريقيا وضع أمني غير مستقر بسبب الهجمات الإرهابية وقبل أشهر من إجراء الانتخابات، اتسمت الأجواء السياسية في نيجيريا بالتوتر خاصة في أعقاب قرار الرئيس الحالي محمد بخاري عدم خوض غمار الانتخابات مجددا فيما يؤكد أكوم على أن الانتخابات المقبلة ستكون فرصة لإحداث التغيير. ويتنافس في الانتخابات أكبر حزبين سياسيين في البلاد وهما حزب المؤتمر التقدمي الحاكم وحزب الشعب الديمقراطي المعارض فيما يشير أكوم إلى أن حزب العمال ومرشحه بيتر أوبي قد يُحدث مفاجأة انتخابية خاصة في ضوء حصوله على دعم كبير من الشباب في نيجيريا. استمرار الأزمات وفيما يتعلق بمنطقة غرب أفريقيا، قال أكوم إنها تشهد حالة من عدم الاستقرار وانتشارا للحركات المتطرفة . يشار إلى أن الجيش في بوركينا فاسو ومالي قد قام بانقلابات خاصة في مالي التي شهدت ثان محاولة انقلاب خلال فترة قصيرة فيما شدد أكوم على أنه من المهم معرفة ما ستسفر عنه المرحلة الانتقالية . بدوره، قال أليكس فاينز، رئيس برنامج أفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" في لندن، إن أزمات أفريقيا سوف تستمر خلال العام المقبل ليس فقط في منطقة الساحل خاصة في مالي وبوركينا فاسو وإنما أيضا في النيجر . وفي مقابلة مع DW، أشار إلى أن الوضع في الكاميرون ونيجيريا مازال مقلقا في ظل حالة انعدام الأمن في الكثير من مناطق البلدين، مضيفا ان الوضع في أثيوبيا أيضا سيكون في محور الاهتمام خاصة مدى صمود اتفاق السلام الذي أُبرم قبل شهور بين الحكومة و"جبهة تحرير شعب تيغراي ". وأكد أن الامر لا يتوقف على هذه البلدان الأفريقية فقط، وإنما تنضم إليها دول مثل موزمبيق خاصة شمال البلاد الذي يشهد عملية نزوح بسبب الجماعات الجهادية المسلحة. ويرى أكوم أن شرق الكونغو يعد مصدرا للقلق مع إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أواخر ديسمبر / كانون الأول العام المقبل وفي ضوء سلوك الرئيس الحالي فيليكس تشيسكيدي، محذرا من موجة العنف التي تقوم بها الميليشيات المتمركزة في شرق البلاد سوف تؤثر على مسار الانتخابات. قد يحدث بيتر أوبي مفاجأة في الانتخابات الرئاسة التي ستجرى في نيجيريا العام المقبل وسلط أكوم الضوء على أهمية إدارة وتنظيم الانتخابات وعقدها بفعالية فضلا عن مواجهة أي تحديات قد تعيق أو تعرقل إجراء التصويت. جنوب أفريقيا أمام مفترق طرق أما في جنوب أفريقيا، المركز الاقتصادي الهام في أفريقيا، فسوف يختار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يحكم البلاد منذ نهاية نظام الفصل العنصري، زعيمه الجديد خلال مؤتمر للحزب سيعقد في ديسمبر / كانون الأول الجاري فيما يعد هذا الأمر بالغ الأهمية في ضوء أن رؤساء البلاد منذ عام 1994 ينحدرون من حزب المؤتمر الوطني . وستشهد جنوب أفريقيا إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية عام 2024 . ويأتي ذلك فيما يواجه الرئيس الحالي سيريل رامافوزا أزمة على وقع اتهامه بالتورط في عملية تبييض أموال فيما تطالب المعارضة باستقالته ما يعني أن حزب المؤتمر الوطني بزعامة رامافوزا يواجه تحديا وبات أمام مفترق طرق مع قرب الانتخابات . ويتعرض الحزب لانتقادات واتهامات بسوء إدارة البلاد والتورط في قضايا فساد وتبني سياسات متناقضة . وفي جوار جنوب أفريقيا، يبدو أن الوضع السياسي في زيمبابوي ليس في أحسن حال، إذ من المرجح أن يخوض زعيم المعارضة الزيمبابوي نيلسون تشاميسا من "تحالف المواطنين من أجل التغيير" وهو أكبر كيان معارض في البلاد وجرى تشكيله مؤخرا، غمار الانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الحالي إيمرسون منانغاغوا. وتثير طريقة قمع حزب "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي-الجبهة الوطنية" الحاكم أي محاولة في السابق قد تشكل تهديدا لسيطرته على زمام الأمور ، مخاوف من وقوع اضطرابات قبل الانتخابات المقبلة في تكرار لما عانت منه البلاد من حالة عدم الاستقرار لأكثر من عقدين. رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا يواجه اتهامات بالفساد التضخم وارتفاع فاتورة الديون وفي عموم أفريقيا، تؤدي التداعيات الاقتصادية إلى تفاقم الأزمات السياسية والإنسانية . وفي ذلك، قال أليكس فاينز إن عملية "تعافى الاقتصاد الأفريقي من تداعيات جائحة كورونا عام 2022 قد تضررت بسبب سلسلة من الصدمات مثل نقص الإمدادات والارتفاع السريع لمعدلات التضخم وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ". وقد ألقى ذلك بظلاله على سداد الديون حيث تضاعفت تكاليف خدمة الديون فيما أشار فاينز إلى أن الأمر سوف "يستمر في عام 2023، لكن سيحدث نمو اقتصادي أفريقي ". وقال إنه من المرجح أن تنمو الاقتصادات الرئيسية في نيجيريا وجنوب إفريقيا وأن كان بوتيرة بطيئة، لكن سوف ترتفع أسعار السلع خاصة منتجات الطاقة والمعادن، فيما سيحاول المستثمرون تنويع سلاسل التوريد بعيدا عن روسيا، ومن جانبهم سيلجأ المستهلكون إلى سلع بديلة. وقال إن هذا الأمر سوف يصب في صالح بلدان أفريقية مثل أنغولا ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا وتنزانيا وزامبيا. مارتينا شويكوفسكي / م ع
مشاركة :