المشهد الشعري البريطاني في أنطولوجيا 'تحلية المرارة'

  • 12/29/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يحفل تاريخ المشهد الشعري الإنكليزي بمئات الشعراء الذي أثروا التجربة الشعرية الإنسانية انطلاقا من القرن الخامس وحتى القرن العشرين، والذين ربما لا نعرف من بينهم إلا القليل من أمثال شكسبير وتيد هيوز وجون ميلتون وصامويل تايلر كولريدج وآليستر كراولي ووليام بليك وجورج إليوت وجون كيتس وإدوارد فتزغيرالد وويليام ووردزوورث‏ وفيليب لاركن وإزرا باوند وستيفن سبندر ودبليو إتش أودن وغيرهم ممن حظيت أعمالهم بالترجمة للغة العربية.. هذا المشهد لا يزال ثريا وخصبا بالأسماء الشابة الفارقة في تجاربها، والتي ينحدر أصول بعضها إلى دول آسيوية وأفريقية وهذا ما تؤكد عليه هذا الأنطولوجيا "تحلية المرارة.. أنطولوجيا الشعر البريطاني المعاصر" التي اختار شعراءها وترجم لقصائدهم وعرّف بهم الشاعران والمترجمان أشرف القرقني وفاطمة كرومة. تضيء الأنطولوجيا الصادرة عن دار مسكيليانى للنشر بتونس تجليات المشهد الشعري البريطاني على مستوى تشكيلات الرؤية وما تحفل به من اشتباكات الذات مع الواقع المعاش وتناقضات وهموم حيواته، حيث نبصر تفاعلات الروح والجسد مع محيطهما من المهمش وتأثيراته. يوضح القرقني في مقدمته للأنطولوجيا حكايتها، يقول "إذا كان هناك لكل حكاية مبتدأ ينزل منها منزل الفاتحة المستهلة، فإن مبتدأ هذه الأنطولوجيا ثنائي مزدوج". "من جهة، هناك مشروع مجاز الذي نظمه وأنجزه المجلس الثقافي البريطاني في تونس خريف 2018، فجمع فيه خمسة شعراء بريطانيين، تتعدد جذورهم الثقافية وتجاربهم الشعرية وحساسياتها، مع عشرة شعراء من المغرب الكبير. ويمكن لصاحب مخيلة أن يتصور أي ثراء يمكن أن ينتج عند يكون لقاء كهذا، فينعقد على الشعر وترجمته من لسان شكسبير وتيد هيوز إلى لسان المتنبي منصف الوهابي، وكذلك في الاتجاه المعاكس بالإضافة إلى قصائد قد أدرجت في اللسانين الأمازيغي والاسكتلندي القديم". ويضيف "لقد أتاح لنا مجاز أن نلتقي أولا، من جهة اتصال الأجساد في فضاء واحد فحسب، وإنما أيضا من جهة لتوتر أفكار لا تنجم عنه إلا آفاق جديدة. ومن بين هذه الآفاق، كان ملف قصائد الشعراء المغاربة منشورا في ترجمته الإنكليزية بإحدى أهم مجلات الشعر والترجمة في المملكة المتحدة، وهي مجلة 'الشعر الحديث مترجما' التي كان أحد مؤسسيها الشاعر الكبير تيد هيوز، والتي تديرها اليوم الشاعرة والمترجمة كلير بولارد. ولأن الآفاق تتوالد حتما، فإن جولة الشعراء المغاربة ـ ومن بينهم مترج هذا العمل ـ قد نظمت من قبل المجلس الثقافي البريطاني".  "وأعدت لقاءات وقراءات شعرية ولقاءات صحفية لهم في مدن ومنابر كثرية داخل المملكة، إثر ذلك تهل هذه الأنطولوجيا. ولعلها بكل ما تأتيه لاحقا من فرص ولقاءات ومشاريع جديدة تظل تنتسب من حيث الوفاء والفكرة إلى مجاز". ويتابع القرقني "أما من الجهة الأخرى، فقد كنت أطمح دوما ـ وأنا أجيل بصري وفضولي في ما هو مترجم من الشعر العالمي ـ لقراءة تجارب شعرية بريطانية في اللسان العربي. وذلك لأسباب عديدة، ليس أقلها الأهمية الثقافية والتاريخية التي لعبتها بريطانيا في حركات الشعر وتطوره، سواء في الحقبة الرومانسية أو ما تلاها من الحقب الأدبية الحديثة. كما أنه من اللافت لنظري على الأقل أن الأدب البريطاني الذي مثل جذز الأدب الأميركي مثلا ورافده "أو هكذا بدا لي في زمن ما". وإن كان لذلك في بعض نفسه أسباب سياسية متصلة بعولمة الثقافية ورياحها ربما، فإنه من الأجد أن يلعب المرء دورا في اكتشاف هذه الحساسيات والتجارب المحتجبة وكشفها للآخرين قرّاء وكتابا. لمثل هذا وغيره، طمحت دوما ـ بصفتي قارئا وشاعرا ومترجما ـ أن تكون لي يد في خلق ترجمة لمختارات من الشعر البريطاني المعاصر حتى يكون هناك منافذ، هنا الآن، بين هذين الأدبين، أعني الأدب العربي والأدب البريطاني. ولحسن حظي أني وجدت لدى الصديق عماد بلخوجة والصديقة فاطمة كرومة الحماس والدعم والإيمان العظيم للذهاب معا في هذه التجربة الأدبية والإنسانية الاستثنائية. لقد آمن عماد بحلم اليقظة هذا. وقال: هات نرسمه معا حقا. كما آمنت فاطمة بهذا المشروع. وقالت هو بالقوة في داخلي، وهات نرسمه معا حقا. ويشير "مرة أخرى، أعادنا المجلس الثقافي البريطاني إلى "مجاز" ةشعرائه الخمسة الذين كانوا نواة هذه الأنطولوجيا الأولى. كما أنهم تفضلوا علينا باقترحات أساسية لأسماء شاعرات وشعراء ذوي تجارب، ارتأينا أن نراهن على اختلاف وثرائها، من حيث أصولهم الثقافية وجذورهم القاربة وتنوعهم جنسا وحساسية وممارسة ومتذوقا بين أعطافهم وثناياه. إن هذت التنوع والإيمان المرح المحب ّ للاختلاف والتعددبصفتهما قيمة حية، بل قيمة الحياة واسترسالها في شتى ضروبها الطبيعية والثقافية هو شطر وافر بالنسبة إلينا من "تحلية المرارة" التي تحيط بنا من كل الجهات. وفي زمن تكشر فيه أنياب العلل البيولوجية والفكرية، من كوفيد 19 إلى علل العنصرية والتعصب والتطرف.. إلخ، لابد للشعر أن يلعب دورا ليس دور المسكن الملهي، كما يحسب كثيرون، وإنما هو المشير إلى الداء بعيون جريئة توعية وتثقيفا ونقدا طامحا إلى التغيير، وهو كذلك المعزي النفس بما يبعثه فيها إزاء الجمال العظيم من قشعريرة نحب أن نسميها مرة أخرى "تحلية المرارة". تضم الأنطولوجيا الشعراء "أدهم سمارت، آمال سعيد، أمينة جاما، أندرو ماكميلان، أنتوني أناكساغورو، غابريال أكامو، جاي برنار، جينيفر لي تساي، جوشوا جادسون وكايو تشينغوني، لوسي ميرسر، مارثا سبراكلاند، ماري جين تشان، مريم حسافي، فيبيي ستوكس، رايتشل لونغ، ريموند أنتروباس، ريتشارد سكوت، روزان وات، صامويل تانغ، شاش تريفيت، ستيوارت ساندرسون، تيريزا لولا، فيكتوريا أدوكواي بولي، فيديان رافينثيران. نماذج من المختارات من نصوص قصيدة "المزامور 151" ترجمة أشرف القرقني 1 ـ لقد ولدت باكيا عند أول مرأى للعالم، متوسلا أمي أن تردني إلى الداخل لأن ظلمة الرحم أقدس من جملة النور في العالم. 2 ـ إن احتمالات الحياة بلا دنس ضئيلة جدا بقدر احتمالات أن ينجو الجلد بعد مساسه للشمس. 3 ـ آه، ارحمني يا إلهي لماصرته الآن بئرا لا نهائية من الأعذار فقد نموت بعيدا عن النور. 4 ـ أنا مريد مذهل بحر أحمر يبحث عن موسى كي يمنحه وجها جديدا. قصيدة تحلية المرارة ترجمة أشرف القرقني كان لأبي أربعة أبناء وثلاث سكرات في قهوته وكل عيد ميلاد يشتري لي معجما ظل سمكه يزداد أكثر فأكثر ولأن كلمته ليست ميتة أحمله معي كالسكر. في ملاعق فضية فوق تلال موباي في جامايكا خلف الجدران البيضاء المتقشرة لبيوت المزارع خلف حقول القصب وأشجار جوز الهند خلف مصانع السكر البلوري الجديدة أسأل المعجم؛ لماذا جئنا إلى هنا؟ فيقول التغذية لذا جلست مع عمتي عند شرفتها في قمة مرتفعات بارنت وأكلت السمك المملح والبطاطا الحلوة. وشاهدت النساء يعد بأبنائهن إلى البيت من المدرسة وبينما كنت آكل سألت المعجم؛ ما العسير في الحب؟ فانفتح على كلمة يمسك. ونظرت إلى اليد وهي تحمل هذه السكين العاجية وفكرت كم عسير بالنسبة إليّ قبول أبي ومن حيث جاء كم يسير الآن سكب السكر على الطاولة قبل أن يصب في كأسي. قصيدة البارحة ترجمة فاطمة كرومة حلمت بك مرة أخرى هناك في ذاك البيت الفكتوري المكسو باللبلاب والوستارية على حافة البحيرة والمنتزه علية مطلة على حديقة صارت متوحشة توت العليق النفل الأحمر الحريق صف من أطر النوافذ بقضبان متقاطعة من الخارج ومن الداخل الصور في الإطارات مغبرة بخيوط العنكبوت عثة الساحرة البيضاء الغرفة مغمورة بالدخان ونور شمعة عطر توت العرعر لا أثاث مجرد سرير وفونوغراف قديم مزيج من أعمال رامو وبيفارت ملائكة في السقف وعلى الحوائط المرمرية. قصيدة زرع ترجمة فاطمة كرومة يذكرني صوت قلع الشعر بالأحذية ذات الأشرطة اللاصقة بما أنه قد انتزع على عجل لم أدرك أنه كان ممكنا أن أصير إلى ملكية ألطف لمظهري الخاص أنه كان ممكنا يوما ما أن أتصالح مع الصلع في السابعة عشرة حين كنت مركبة دون قائد بدا لي أن شبابي المفوت ينحسر فعلا فدفعت الآلاف للطبيب لأخذ خصلة شعر من مؤخرة رأسي كل بصيلة شعر يسحبها يضعها في المقدمة لمنحى خطا حسبت أنه سيجعلني سعيدا وتقطيب الجلد بعضه مع بعض في مؤخرة الجمجمة. متروكا مع هذا العبوس خط الاستواء هذا هذه النّدبة التي تجذب الطقس البارد تظل تعمق تذكيري بدنو نهاية أجل زهوي بكانوت وشم الزمن وبأنه لم يعد بإمكاني العيش مع ما كنت أصيره.

مشاركة :