وضعت كرة القدم أسطورتها البرازيلية بيليه، الراحل الخميس عن 82 عاماً، في مصاف العظماء، وفي تنافس غير قابل للحسم على لقب “الأعظم في التاريخ”، مع الساحر الآخر للمستديرة، الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا الذي توفي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 عن 60 عاما بسكتة قلبية. وعلى رغم ان اللعبة الشعبية الأولى أنتجت في تاريخها الحديث مواهب فذة قادرة على المنافسة على لقب “الأعظم” لاسيما الأرجنتيني ليونيل ميسي المتوج أخيراً بلقب مونديال قطر 2022، لكن بيليه ومارادونا حظيا بشهرة تاريخية امتدت لفترة عقود. وفي ما يأتي أربعة أوجه أساسية للمقارنة بينهما: تتويج ثلاثي ولقب 1986 شارك بيليه في أربع نهائيات لكأس العالم بين 1958 و1970، ولا يزال حتى الآن اللاعب الوحيد الذي توّج باللقب ثلاث مرات (1958، 1962 حين غاب عن غالبية المباريات بعد تعرضه لإصابة مبكرة، و1970). أتى التتويج الأول في السويد وبيليه لمّا يزل في السابعة عشرة من العمر، وحقق يومها إنجازا تاريخيا حين أصبح أول مراهق يسجل في مباراة نهائية لكأس العالم، وبقي منفردا بذلك الى نهائي مونديال روسيا 2018 حين انضم إليه الفرنسي كيليان مبابي. سجل البرازيلي ستة أهداف في موندياله الأول، اثنان منها في النهائي وهاتريك في نصف النهائي. بعد أربعة أعوام، رفع الكأس مجددا على رغم مساهمته المحدودة بعد إصابته في المباراة الثانية من النهائيات. وبعد الخروج المخيب من مونديال إنكلترا 1966، عاد بيليه بقوة في المكسيك 1970 وقاد بلاده للقب ثالث. أما مارادونا الذي ولد في العام 1960 (أي يصغر بيليه بعشرين عاما)، فغاب عن التشكيلة الأرجنتينية التي رفعت كأس العالم للمرة الأولى في تاريخها في مونديال 1978 على أرضها. حضر في مونديال إسبانيا 1982، لكنه تلقى بطاقة حمراء في الخسارة أمام البرازيل 1-3 في الدور الثاني (المرحلة الأخيرة قبل نصف النهائي بحسب نظام البطولة يومها). طبع مارادونا مونديال المكسيك 1986 باسمه دون منازع لأسباب مختلفة، أبرزها قيادته الأرجنتين الى لقبها العالمي الثاني بعد مباريات قدم فيها لمحات لا تمحى من ذاكرة مشجعي اللعبة. لعل المباراة الأبرز التي ستبقى عالقة في الأذهان، لقاء ربع النهائي أمام منتخب إنكليزي كان يضم في صفوفه يومها هداف المونديال غاري لينيكر. في 22 حزيران/يونيو 1986، منح مارادونا منتخب بلاده الفوز 2-1 بهدفين خالدين: الأول (51) بلمسة يد واضحة لم يحتسبها الحكم، ووصفها اللاعب الأرجنتيني بعد ذلك بأنها كانت “يد الله”، والثاني (55) إثر مجهود فردي مذهل من منتصف الملعب تخطى خلاله أكثر من لاعب إنكليزي والحارس بيتر شيلتون، قبل ان يودع الكرة في المرمى مسجلا هدفا يعتبره العديد من النقاد الأجمل في التاريخ الحديث للعبة. سجل هدفي الفوز على بلجيكا في نصف النهائي (2-صفر). وعلى رغم انه صام عن التهديف في النهائي ضد ألمانيا الغربية (3-2)، منح التمريرة الحاسمة لهدف الفوز الذي سجله خورخي بوروتشاغا (84). الرقم 10 والرقم 10 ارتدى اللاعبان القميص الرقم 10 الذي يحمل رمزية كبيرة في فرق كرة القدم: بيليه بين 1956 و1977، ومارادونا بين 1976 و1997. غالبا ما نظر الى دور بيليه في الملعب كـ “الرقم 9 ونصف”، مع غزارة تهديفية وصلت الى 1281 هدفا في 1363 مباراة (بحسب احصاءات الاتحاد الدولي للعبة فيفا)، تتوزع بين فريقين دافع عن ألوانهما، أي سانتوس البرازيلي ونيويورك كوزموس الأميركي، ومنتخب “سيليساو” الذي خاض معه 92 مباراة، ولا يزال هدافه التاريخي مع 77 هدفا بالتساوي مع النجم الحالي نيمار. أما مارادونا فكان ينظر إليه أكثر كصانع ألعاب حر يختال بين المدافعين كما يشاء، وهو سجل خلال مسيرته 345 هدفا في 692 مباراة. قدوة ومشاغب عرف بيليه ناديين فقط خلال مسيرته الطويلة: سانتوس (1956-1974) وكوزموس (1975-1977)، وكان ينظر إليه دائما كبطل ملتزم، رجل محترم، وقدوة في عالم اللعبة لم تلوث مسيرته الكروية أي فضيحة تذكر. أما مارادونا، إبن بلاد أنجبت تشي غيفارا، فكان الطفل المشاغب على المستطيل الأخضر وخارجه: تنقل بين ستة أندية، نال بطاقة حمراء في مونديال 1982، طرد من المنتخب خلال مونديال الولايات المتحدة 1994 بعد فشله في فحص منشطات، وعانى من إدمان تعاطي الكوكايين. برازيلي وأرجنتيني جانب من الندية بين اللاعبين يعود الى انتمائهما الأميركي الجنوبي، والصراع على الموقع بين البرازيل والأرجنتين. لم تكن العلاقة بينهما في أفضل أحوالها، وزاد الطين بلة فيها تصريحات وتصرفات من الطرفين، وأيضا من مشجعي كل منهما. بيليه المكرّم بمتحف يحمل اسمه في البرازيل، سبق له ان اعتبر ان مارادونا لا يشكل مثالا يحتذى به للأطفال العاشقين للعبة، لاسيما على خلفية مشاكله الدائمة مع المخدرات. مارادونا في المقابل، سخر بشكل علني من السقوط المذل للبرازيل على أرضها في نصف نهائي مونديال 2014 بنتيجة 1-7 أمام ألمانيا. وردّ المشجعون البرازيليون بأهازيج قارنوا فيها بين بيليه “الذي سجل ألف هدف” ومارادونا “الذي يشمّ (الكوكايين)”، وسألوا خلالها الأرجنتينيين عن شعورهم بأن يكونوا متوجين بكأسين للعالم فقط، أي “أقل بلقب من بيليه”. كان تعليق بيليه الابرز بعد وفاة مارادونا “ذات يوم، آمل أن نلعب كرة القدم سويًا في السماء”. بعدها باسبوع، وجّه له رسالة جاء فيها “تميّزت رحلتك بالصدق. كنت دائما واضحا. وبطريقتك الفريدة والمميّزة، علمتنا أن علينا أن نحب ونقول “أحبك” في كثير من الأحيان (…) رحيلك السريع لم يسمح لي أن أقول ذلك لك، لذلك سوف أكتب فقط: أحبك، دييغو”.
مشاركة :