تحل علينا الذكرى الثامنة والخمسون لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة يوم غد الأول من شهر يناير عام 2023م، الثورة التي فجرتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» بسواعد الفتية الذين آمنوا بربهم وعدالة قضيتهم، الفتية الذين خلعوا أرديتهم الحزبية القديمة وغادروا قاعات ومنصات التنظير السياسي لينصهروا في بوتقة الحركة التي آمنت بتحرير الأرض بالكفاح المسلح قبل الحديث عن طبيعة النظام السياسي الحاكم وشكله. انطلقت ثورة المستحيل ثورة «بساط الريح» من العدم بالبنادق القديمة ومخلفات الجيوش العربية وبالعزيمة التي لا تلين وبالإيمان بحتمية النصر، وكلما كانت الحركة تبادر وتتقدم الصفوف بتضحياتها الجسام، كانت الجماهير الفلسطينية وجماهير الأمة العربية تلتف حولها وتحميها وتوفر لها الحاضنة والملاذات الآمنة، ولم يكن غريبا أن يطلق عليها الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» الظاهرة الأنبل في ليل العروبة! ونحن نحتفل بهذه الذكرى علينا أن نقيم مراجعاتنا ونقر بأن قضيتنا تمر بأخطر مراحلها وما يزيد الخطر وضعنا الداخلي المهلهل الهش، فلم نستطع منذ عام 2007م عام الانقسام الفلسطيني توحيد شطري الوطن السليب في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحتل المحاصر براً وبحراً وجواً. يواجهنا الآن خطر تأكيد شرعية نظامنا السياسي، فالرئيس الفلسطيني انتهت ولايته في مايو عام 2009م والمجلس التشريعي انتهت ولايته في يناير عام 2010م، ويمدد للرئيس من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالنسبة إلى المجلس الوطني فلم يجتمع أعضاؤه منذ عام 1998م، وتوفي أكثر من 20% من أعضائه رحمهم الله تعالى! في رأيي أن الخطر الداهم على الكل الفلسطيني في هذه المرحلة الشديدة الخطورة بالغة التعقيد هو عدم وضوح تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، نريد التوافق من جديد على مشروعنا الإنساني الوطني الذي هو توافق أبناء الشعب العربي الفلسطيني على الهوية والانتماء والثقافة والتاريخ والجغرافيا والعمل السياسي، التوافق على الهدف وما هي طبيعة النظام السياسي وشكل المجتمع المبتغى. هناك حاجة إلى مشروع يعبر عن فكر الاعتدال والوسطية وقبول الآخر المختلف، هو مشروع تنويري حداثي يحترم عقائد الأفراد ومتصادم مع الاحتلال الذي هو أعلى درجات الإرهاب ولا يهادنه ولا يستأنسه ويعمل على إنهائه بكل الطرق المشروعة. حكومة دولة الاحتلال والعدوان والأبارتهايد الصهيونية الجديدة برئاسة البارع في العلاقات العامة بلا مضمون ولا نتيجة «نتنياهو» هي حكومة عتاة المستوطنين الصهاينة المجرمين الأكثر دموية وتطرفاً في تاريخ الدولة، وستوفر لهم الغطاء السياسي والدعم المالي والحماية العسكرية لقتل الفلسطينيين وسرقة أرضهم، وهذا خطر يجب مقاومته. على «فتح» أن تستنهض نفسها وتبتعد عن السلطة وهياكلها وعليها تجديد الفكر والمنطلقات واستعادة الفكرة والتمسك بالمبادئ والأسلوب والأهداف، وعليها أن تصحو من مرحلة الكسل والخمول والراحة والدعة والوهم الذي أصاب الكثيرين وأنزلهم عن الجبل! المهمة لم تتحقق بعد فالاستقلال لم ينجز والدولة لم تقم وتقرير المصير لم يقر والأرض مازالت محتلة ولم يعد اللاجئون لديارهم ولم يعد الأسرى لأمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم، ولم يعد النازحون إلى مدنهم وقراهم، ولم نفكك مخيماتنا ولم نشكر الدول المضيفة لنعود إلى الوطن المحرر! عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر، وعاشت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب العربي الفلسطيني، وعاشت السلطة الوطنية الفلسطينية الكينونة الأولى على التراب الوطني الفلسطيني، المجد والخلود لشهداء فلسطين والأمة العربية المجيدة، والشفاء للجرحى والانعتاق للأسرى. { كاتب فلسطيني مقيم في مملكة البحرين
مشاركة :