مع دخول العالم في عام جديد يبدو أنه لن يشهد انفراجات كبيرة على الصعيد الاقتصادي، بسبب الأزمات المتلاحقة التي تعصف به، بلغ الاقتصاد العالمي حجماً هو الأكبر على الإطلاق عند 100 تريليون دولار. ولا شك في أن هذه القيمة تمثل قوة دفع مطلوبة للاقتصاد في هذا الوقت بالذات، لكن المؤشرات كلها تدل على أن النمو المأمول لن يكون مرتفعاً في 2023، بل هناك دول كبرى ستدخل رسمياً في دائرة الركود، وإن يحاول البعض تسميتها بـ«تباطؤ». ربما كان هذا التوصيف مناسباً للعام المنصرم، إلا أنه لن يكون كذلك في عام ستتواصل فيه الموجة التضخمية الهائلة، وستستمر الصراعات الجيوسياسية، في غياب أي أمل بحلول سلمية سريعة هنا وهناك، بالإضافة إلى ما يمكن وصفه بـ «سلوكيات» الحمائية الناجمة أساساً عن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي ككل. الصورة الاقتصادية ليست مشرقة في العام الجديد، والضغوط الراهنة ستواصل الحضور على الساحة حتى منتصف العقد الجاري على الأقل، مع بقاء آثارها إلى أن تحل نهاية هذا العقد. ولذلك، ليس متوقعاً على نطاق واسع أن يمضي حجم الاقتصاد العالمي في ارتفاعه في العام الجديد على الأقل، علماً بأن هناك توقعات من جانب مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال البريطاني CEBR، بأن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2037 حوالي 207 تريليونات دولار. ولا شك سيكون الأمر واقعياً لو عادت عجلة الاقتصاد إلى الدولاران بكامل طاقتها أولاً، بالإضافة إلى قدرة استثنائية للمجتمع الدولي في حل المشاكل ذات التأثير الخطير على هذا الاقتصاد. وهذا أمر ليس مضموناً في عالم يعج بالخلافات، ويشهد حرباً في أوروبا هي الأخطر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. في العام الجديد، ستواصل اقتصادات محورية انكماشها بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، الآتية من الزيادات المتواصلة لمعدلات الفائدة. ويبدو واضحاً أنه ليس أمام البنوك المركزية أداة متوافرة سوى رفع الفائدة في العامين المقبلين، ما يؤثر على النمو بالطبع، ويضع شكوكاً حول تقديرات حجم الناتج العالمي في السنوات المقبلة. فالصين التي توقع البعض أن تحتل المرتبة الأولى كأكبر اقتصاد في العالم في المستقبل، تبدو بعيدة جداً عن تحقيق ذلك، وليس هناك أي ضمانات لأن يكون اقتصادها الأكبر في عام 2036؛ لأن معدلات النمو المتوقعة فيها ستكون منخفضة جداً، قياساً بوتيرته في العقدين الماضيين، ناهيك عن المشاكل التي تواجهها على أكثر من ساحة، بما فيها الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص. أن تصل قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 100 تريليون دولار، لا يعني أن العالم حقق أهدافه في أن يبلغ مستوى الناتج الإجمالي للفرد 80 ألف دولار. الطريق لا تزال طويلة لتحقيق هذا الهدف، كما هو الحال في المسار نحو خفض التضخم إلى مستوى يحاكي الحد الأعلى له في سجلات المشرعين حول العالم وهو 2%.
مشاركة :